لكل بلد عاداته وتقاليده التي تميزه في الأعراس والمسرات والأفراح، وهذه العادات والتقاليد المعمول بها قد تختلف بين الجهات والمدن في البلد الواحد، فعادات أهل الشمال التونسي تختلف عن عادات أهل الساحل والوسط والجنوب، وبذلك ينطبق المثل الشعبي التونسي “كل بلاد وأرطالها”.
ومن مميزات أعراس الشمال التونسي وهي عادة معروفة كثيرًا عند سكان مدينة بنزرت، أن يقدم العريس لعروسه “عجلاً” أو ” بقرة” يوم عقد القران أي يوم “العقيرة”.
ويعرف عن أعراس الشمال التونسي أنها تمتد لأسبوع كامل، في بيت العريس كما هو الحال في بيت العروس، فتبدأ الأجواء الاحتفالية منذ بداية الأسبوع فيحضر الجيران والأقارب للاحتفال والرقص والسهر دون كلل أو ملل، فتدغدغ أنفك رائحة البخور التي تفوح منذ الصباح، وفي المساء تطرب أذنيك بسماع دقات الطبول و”الدربوكة” والزغاريد وترتفع أصوات النسوة والصبايا بالغناء والتغني بالعروس والعريس، ويقمن بترديد أغاني شعبية غير معروفة وهي أغاني لا نسمعها إلا في الأعراس ومنها مثلاً أغنية “بابا سالم يا حراث، يا رئيس البحرية، وأنا جيت وعالحملة، ونروح عرجليّة، بابا سالم يا التّركي، يا مولا الجبّة العكري، وأنا جيت وعالبكري، ونروح عقب عشيّة، بابا سالم تحت الكرمة، في يدو سبحة ومحرمة يا بابا داويني نبرا، وامسح دمعة عينيّا، وهاك القبة معلاها بالشمع مضواها، قالوا سالم مولاها يضوا عليكم وعليا”.
وتعد هذه الأغنية من الأغاني البنزرتية القديمة أي أغنية من التراث البنزرتي ويقع ترديدها كثيرًا في سهرات الإعراس والأفراح وحتى حفلات الختان أو النجاحات الدراسية.
وتعرف السهرة الأولى “ببدو الحنة”، أي بداية الحنة عند العروس حيث تأتي إحدى النساء المعروفة بحذقها للحنة لترسم لها حنة جميلة تضفي على العروس المزيد من البهاء والجمال وتميزها عن باقي الصبايا.
وفي السهرة الأولى كذلك تحضر العائلة عشاءً لذيذًا للحضور وتقدم أشهى الحلويات والشاي المحلى بحبات “البندق”، الذي يتلذذ حتى الصغار في شربه للسهر أكثر لأنه بعد أسبوع سوف تنتهي الاحتفالات وتظل ذكرى جميلة للجميع.
في اليوم الثالث من العرس تذهب العروس رفقة أمها وأخواتها وقريباتها وصديقاتها إلى الحمام وعادة ما يقصدن حمام الحي، فتتولى إحدى الحاضرات “الدربكة”، ويقمن باقي النسوة بالغناء وترديد الزغاريد ولا ينسين أن يحملن معهن “اللبان العربي والسواك” لتقديمه لجميع الحاضرات في الحمام، وفي الطريق إلى الحمام يمكنك أن تميز العروس بلباسها، لأنها تحجب تحت السفساري المخمل وتضع خمارًا يغطي وجهها وترتدي قبقابًا يزين ساقيها وتمضي وسط الحشود في رصانة واتزان وخجل.
في اليوم الرابع وهو ما يوافق في الغالب يوم الخميس، يستفيق جميع من في المنزل من حضور باكرًا، فتدب الحركة وتشم رائحة قهوة البن الممزوج بالحليب التي تفوح إلى نهاية الشارع، وتقتسم النسوة الأعمال المنزلية، فتقوم البعض منهن بتهيئة المنزل وتتوجه أخريات لتقطع اللحم والخضر لإعداد ما لذ وطاب للقادمين، فاليوم هو يوم استثنائي لكل من أهل العريس والعروس، لأنه يوم عقد القران حيث يحضر العريس رفقة أهله وأقاربه محملين بالخيرات.
كما حال النسوة يقوم الرجال كذلك باقتسام الأعمال فتحضر مجموعة الكراسي والطاولات التي يقع كرائها ويقوم آخرون بتهيئة مكان للحضور حتى لا يتعرضوا لأشعة الشمس لأن الاحتفال اليوم سيمتد من الصباح إلى المساء وربما تواصل إلى الليل.
وأخيرًا حل أهل العريس ويمكن للحاضر أن يدرك ذلك من مسافات لأن صوت الطبل والزكرة (أداة عزف تونسية شعبية)، تدق أذناه من بعيد.
يأتي الأهل محملين بسلال تقليدية مصنوعة من نبات الحلفاء وقد حولت هذه السلال اليوم إلى سلال بلاستيكية وتكون مزينة بشرائط ملونة فهي هدية العروس، وتحوي السلال شتى أنواع الخضر والغلال والفواكه الجافة والحلويات إضافة إلى هدايا أخرى من ملابس وأحذية وحقائب يد.
ولكن ما يميز الهدية المقدمة للعروس هو ذلك الحيوان الأليف وهو إما أن يكون “خروفًا” أو “عجلاً” أو “بقرة” حيث ستذبح هذه الشاة ويطبخ بها ما لذ وطاب وخاصة “الكسكسي” المتميز بنكهته اللذيذة والذي يزين باللحم المطهو والبطاطس المقلية والفلفل الأخضر المقلي، إضافة إلى الحلوى والفاكهة وحبات الزبيب، كما تقدم السلطة إما الخضراء أو المشوية والغلال التي عادة ما ترتكز على الدلاع والبطيخ خاصة إذا كان العرس في فصل الصيف ويقدم للحاضرين والحاضرات فيما يتم عقد القران للعروسين.
ويسمى هذا اليوم بـ “العقيرة” عند الشماليين وهو من العادات الموروثة عن الآباء والأجداد وتسعى الكثير من العائلات اليوم إلى المحافظة عليها حتى لا تندثر وسط التغيرات الاجتماعية والصعوبات المادية للزواج.
وتتواصل الاحتفالات ودقات “الطبل والزكرة” والرقص في أجواء مميزة، لأنه في هذا اليوم قد اقترنت حياة العريس بالعروس والجميع سعيد بهذا الحدث السعيد.
في اليوم الموالي تستعد العروس لإقامة ليلة “الوطية” وتعد عادة احتفالية من عادات الزواج، وهي ليلة خاصة بها وصديقاتها، تتطلب لبس أزياء تقليدية مطرزة باهظة الثمن في الغالب، ولذلك تضطر المقبلات على الزواج لاستئجارها لليلة واحدة، وتحيي ليلة الوطية عادة فرق غنائية نسائية ترافق العروس أثناء خروجها أمام المضيفات مغمضة العينين، أو واضعة على وجهها منديلاً من حرير مرة أخرى، وغالبا ما تكون كلمات أغاني حفلات الزفاف مؤثرة لأنها تتضمن صورًا شعبية تعبر عن وداع العروس لبيت أهلها، واستعدادها لدخول مرحلة جديدة من حياتها في بيت الزوجية.
وفيما تقوم العروس اليوم بوضع النقشة والحرقوس على يد سيدة محترفة، يقوم العريس بدوره بإحياء ليلة “حنته” وهي تكون في اليوم الموالي لحفل “الوطية” حيث يحضر فرقة شعبية ويستدعي الأقارب والأصحاب والأحباب لتمتد السهرة إلى وقت متأخر، فتعد عائلة العريس لهذا الحدث عشاءً لذيذًا يقدم للحضور.
ويسهر الجميع في جو راقص للتغني بالعريس الذي يودع حياة العزوبية ويستعد لبناء أسرة ويعبر عن فرحته بزواجه فيرقص مع أصدقائه من الحضور في جو بهيج على دبكة شعبية تونسية، ولا تنسى الأم أو الأخت الكبرى أن تضع الحنة في خنصر العريس، فيقوم أصدقاؤه والحاضرون بتقديم هدايا مالية للعريس وكل وفق استطاعته.
وأخيرًا يحل اليوم الموعود وهو يوم الزفاف؛ حيث سيحضر العريس عروسه إلى بيت الزوجية وفي هذا اليوم تتحلى العروس في أبهى حلة بيضاء وتتجلى في ثوبها الأبيض وفي أبهى زينة كحورية بحر تأسر قلوب الجميع.