كلُ شيء يبدو خانقًا هنا، كل الحواجز مغلقة من جميع الاتجاهات، حتى تلك الطرق البديلة التي يضطر سكان قطاع غزة إلى سلوكها يبدو أنها غير مفتوحة أيضًا، أو أن أصحابها قرروا إغلاقها في وجههم جميعًا إلا ما ندر، إلا أن ما يبقى راسخًا بالفعل أن هذه “المعابر” وُجدت لتُغلق أمامهم، هذه سمة الحصار!
إن فكرت في السفر، فهذا يبدو قرارًا شخصيًا لكل الأفراد في العالم، إلا لو كنت من قطاع غزة فإنه يتوجب عليك أن تلّف الدائرة و”تجرب حظك”، فمقدار الرضا عنك في الداخل والخارج مرهون بحظك الذي تحدده ورقة في النهاية تحتوي خيارين “طلب سفركم مقبول أو مرفوض وعليه فلا مرور لكم من هناك”.
وتتعقد الإجراءات الرسمية أمام المسافرين من قطاع غزة لأجل الحصول على ورقة “عدم الممانعة” لدخول المملكة الأردنية، مما يزيد الوضع الإنساني سوءًا خاصة في ظل استمرار إغلاق معبر رفح وشعور الفلسطينيين بحاجتهم لمنفذ آخر وممر عبور يؤدي بهم إلى الخارج.
و”ورقة عدم الممانعة” هي معاملة يتقدم بها طالبها من قطاع غزة من خلال مكاتب الجوازات المنتشرة بالقطاع، عادة ما تحتاج أيامًا لإرسالها بالبريد إلى المملكة الأردنية التي تقوم بدورها بالرد عليها، عملية تستغرق ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تقريبًا، تنتهي غالبًا بالرفض نظرًا لكثرة الشروط المطلوبة من أجل الحصول على عدم الممانعة.
حالات إنسانية كثيرة تم رفض طلب “عدم الممانعة” المُقدم للسفر إلى الأردن، يشتكون عواقب وخيمة إن استمر منعهم من السفر، فيما يتحدث عدد كبير من الأهالي والنشطاء والصحفيين والعاملين بالمؤسسات الخاصة عن قصص خاصة بهم حول معاناتهم جراء قرار “الحصول على عدم الممانعة” المرفوض بشكلٍ كبير مؤخرًا.
الصحفية ترنيم خاطر، توضح أن تجربتها مع طلب عدم الممانعة تجربة صعبة منعتها من تحقيق مساعيها، قائلة إن الإغلاق حول قطاع غزة لم يدع سبيلًا للحالمين سوى تكرار محاولات طلبات السفر عبر الأردن للوصول إلى حلمهم.
وتضيف خاطر “كنا مجموعة نسوية تابعين لمركز شؤون المرأة، أردنا مشاركة كتاب توثيقي أعددناه حول ضحايا الحرب، حيث كان من المفترض أن يتم مشاركته في مؤتمر بالمغرب عبر التنسيق مع علاقات وشخصيات قيادية هناك”.
تتابع، “تقدمنا بطلب لعدم الممانعة والشؤون المدنية بغزة، وخلال وصول رسالة من الأخيرة للسفر للضفة الغربية، توجهت برفقة صديقة لي في حين مُنعت صديقتان أخرتان من السفر، وبقينا على تواصل مع المكتب والسفارة وشخصيات لاستصدار موافقة عدم الممانعة”، “وصلنا جسر الكرامة للسفر إلى المغرب عبر الأردن، تجاوزنا الجانب الفلسطيني والإسرائيلي الذي ختم على جوازاتنا بالموافقة، ليتبقى لنا اجتياز الجانب الأردني وصولًا إلى المطار والالتحاق بطائرة المغرب، إلا أن ذلك لم يحصل”.
رفضت قوات الأمن الأردني على الجسر السماح بعبورنا بدعوى عدم وجود موافقة على عدم ممانعة مسبقة، بالرغم من كل محاولات التواصل مع السفارة الأردنية والفلسطينية للسعي في الموضوع، إلا أنها باءت جميعها بالفشل دون الوصول إلى المغرب ومشاركة ما أنجزناه، لنعود إلى غزة بخفّي حُنيّن.
الصحفي محمد عثمان، كتب على صفحته في فيسبوك، “بدي أسافر على الأردن، قدمت أكتر من مرة وتم رفض الطلب، فمنذ شهر تشرين الماضي الثاني وأنا أتقدم بطلبات عدم الممانعة التي تواجه بالرفض”.
أما محمّد يوسف فكتب مشاركًا تجربته مع حملة عدم الممانعة، “أنا وطفلي حصلنا على الإقامة في هولندا قبل سنتين وزوجتي فيزتها جاهزة من سنة ونصف برام الله وقدمت لها طلب عدم ممانعة مرفوق بكتاب فيه ضمانات شخصية من السفارة الهولندية في رام الله من أجل المرور من الأردن لهولندا”.
“منذ سنة ونصف قدمت الطلب ولم أستقبل أي خبر لا بالرفض ولا بالقبول، حياتي الزوجية سوف تُدمر بسبب هذا الموضوع وليس بمقدورنا إيجاد طريقة للتواصل مع الجانب الأردني، كل ما هنالك هو التواصل من خلال مكاتب تعقيب معاملات في غزة، وطبعًا أعرف أكثر من سبع حالات هنا بهولندا مثلي، نريد أن نفهم ما سبب الرفض والتأخير، وأين المشكلة إذا أردنا استخدام مطار عمان للوصول إلى أمستردام، يكفينا معاناة، لم يعد باستطاعتنا تحمّل الوضع”، يقول محمد.
من جهته، وصف مصطفى إبراهيم مدير الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان بغزّة الموضوع بقوله “كأنه الجهل نعمة لأهل غزة أو أنها الطيبة والسذاجة وأنهم غير متطرفين برغم كل ما يحدث معهم وعدم قيامهم بخطوات انتقاميّة في مواجهة الظلم الممارس عليهم” ويتابع أنه يصعب على العقل الفهم والتصديق كل هذا القهر والصبر.
“من نحن ومن هم أولئك الذين يعيقون تقدمنا وحرماننا من أبسط حقوقنا، ولماذا كل هذا الحقد والكراهية لجماعة من الناس يبحثوا عن الحياة في بقعة من الأرض يريدونها جرداء بدون حياة ولا حلم بالأمل؟” متسائلاً، مضيفًا أن إغلاق معبر رفح خدمة لاستمرار الحصار الاسرائيلي، وعدم ممانعة محرومون منها لدخول الاْردن، ما يحدث لنا له معنى وحيد وهو تجريدنا من إنسانيتنا وحقوقنا ونزع أرواحنا منا
اتجاهٌ معاكس!
وكانت السفارة الأردنية في رام الله، أعلنت مسبقًا التوصل إلى اتفاق مع شركة تسمى “شركة الأصدقاء”، وهي متخصصة في المراسلات والبريد السريع، من أجل إنجاز معاملات عدم الممانعة إلكترونيًا بالنسبة للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة، ويتضمن الاتفاق الذي توصلت له السفارة والشركة، أن تتولى الشركة مهمة تصميم برنامج تكلّف ربع مليون دولار من أجل تسهيل معاملة عدم الممانعة في قطاع غزة أيًا كان مكان تواجدهم سواء يعيشون في القطاع أو خارجه، بحيث تظهر جدوى التقديم الإلكتروني بأن الشركة سترسل من خلال موقعها “واصل” المملوك للشركة الطلبات التي يقدمها المواطنون إلكترونيًا بشكل يومي للأردن وبذلك فإن المعاملة يتم الرد عليها خلال أيام.
شبكة قُدس الإخبارية، زارت مكتب شركة الأصدقاء بمدينة غزة، للاستفسار عن عملهم والحالة الموجودة مؤخرًا حول رفض طلبات عدم الممانعة لعدد كبير من الحالات التي أعلنت استياءها من تكرار رفضها بما فيها الحالات الإنسانية.
العاملون في شركة الأصدقاء تحفظوا مبدأيًا على إبداء تصريحات إعلامية، لكنهم أجابوا على استفسارات تتعلق بتقديم طلبات عدم الممانعة التي يقوم أحد الموظفين بإدخالها إلكترونيًا بدلًا من مقدم الطلب، فيما من المفترض أن يدفع مقدمو الطلب مبلغًا ماليًا قدره 50 شيكلًا للطلب العادي.
وأوضح موظف الشركة أن هناك نوعان من الطلبات التي تتعامل بها الشركة وهي الطلب العادي الذي يتم الرد عليه عادة بعد مدة زمنية تتراوح ما بين 40-50 يومًا مؤخرًا وبمقابل مادي قدره 50 شيكلاً مقدمًا قبل موافقة الرد، أما الثاني وهو الطلب المستعجل الذي يتم الرد عليه خلال مدة زمنية أقل قد تقدر بأيام أو أسبوعين بالكثير وهو ما يدفع مقابله 180 شيكلًا.
وكان السفارة الأردنية صرّحت مسبقًا أنها لا تتحصل ماديًا جراء تقديم طلبات عدم الممانعة، مطالبة سكان قطاع غزة بعدم دفع مبالغ مالية أكثر من 48 شيكلًا في كل الأحوال، وأنه طالما تقدم المتقدم بتعبئة طلبه بنفسه فإنه لا ينبغي عليه دفع مبالغ مقابل الطلب، وهذا ما أكده عاملون في حملة حول عدم الممانعة.
في السياق، نفى العاملون في مكتب الأصدقاء ما يشاع حول تشديدات على قبول الطلبات في الأردن بالرغم من كل ما أعلنته الحالات المرفوضة التي تجاوزت المئات في الشهور القليلة الماضية، وحول ما أكدته مصادر رسمية أيضًا من ارتفاع الرفض لعدم الممانعة حيث يقابل جملة المتقدمون مؤخرًا بالرفض.
رفع طلبًا بيده، موشحًا به من وراء مكتبه وقال “هذا الطلب مقبول والكثير من الحالات يتم قبولها يوميًا وبشكل مستمر، ولا صحة إطلاقًا لما يشاع حول الرفض المستمر للجميع، مضيفًا “كل شخص يتم رفضه لأسباب معينة، يعمّم حالته ويطلق حملة مضادة”.
محاولات على أمل!
المسؤول في حملة “لإسقاط عدم الممانعة” مجدي أبو زيد قال إن هناك محاولات جادة حول الموضوع، حيث تم التواصل والبعث برسائل إلى المملكة الأدرنية متمثلة بملكها والسفارة الأردنية ومكتب الممثل الأردني وعدد من النواب ونقابة المحامين والحقوقين بالأردن.
وأضاف أن الحملة قائمة منذ 6 شهور، حيث تعمل على أكثر من صعيد بدءًا من مطالبة الرئيس محمود عباس والسفارة الفلسطينية بالعمل الجاد لتسهيل سفر الفلسطينين عبر الأردن مؤخرًا، ومع تشديد التضييق على الفلسطينيين لا سيما مواليد قطاع غزة، فإنه تم رفض غالبية طلبات عدم الممانعة المقدمة للأردن وقبول حالات قليلة جدًا، مما يدفع الحملة للاستمرار في سعيها للتخفيف من الحالة، وفقًا لأبو زيد.
وتطالب الحملة المنبثقة عن مبادرة حرية الحركة والتنقل بإسقاط طلب عدم الممانعة بشكل كلي للفلسطينين، نظرًا للروابط التاريخية بين البلدين، ومراعاة للحالات الإنسانية التي أعقبها الحصار الإسرائيلي المفروض منذ سنوات.
وأشار، إلى أن التوجه الأساسي هو أحقية الأردن في السيادة على أرضها والحفاظ على أمنها، لكن مطالبتها بهذا الشأن من باب الأخوة وتأكيدًا على الدور الأردني في دعم القضية الفلسطينية، وحرصًا على ألا تكون الأردن طرفًا في التضييق على غزة وجزءًا من تخفيف الأزمة، خاصة أنها الحل الأخير لهم إثر الحصار.
وحول تفاصيل تقديم طلبات عدم الممانعة، أفاد أبو زيد أنه لا يتعين على المتقدم للطلب دفع مبالغ مالية تزيد عن 80 شيكلاً للطلب المستعجل و50 شيكلاً للطلب العادي مدفوعة بعد الموافقة، مؤكدًا أن السفارة الاردنية لا تستفيد ماديًا جراء تقديم الطلبات الفلسطينية، ووجه نصائح للراغبين بالتقديم لطلب عدم الممانعة بالصبر هذه الفترة، وعدم التقدم بطلبات وعدم دفع مبالغ مالية مقابلها، طالما بقيت الأزمة قائمة والرفض هو طبيعة الرد لغالبية المتقدمين مؤخرًا دون توضيح الأسباب.
المصدر: قدس الإخبارية