يعاني الاقتصاد التونسي من مشاكل هيكلية تكبله من دفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد وتنويع مصادر دخل الحكومة، إذ تعاني الحكومة من شح في مصادر التمويل بسبب القصور الحاصل في التحصيل الضريبي والتوسع في السوق غير الرسمية في البلاد التي باتت تنافس السوق الرسمية بنسبة 50% من حجم المعاملات الاقتصادية، فبحسب مكتب العمل الدولي تبين أن أكثر من 75% من الشباب التونسي الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29 يعملون في السوق غير الرسمية من قبيل التجارة على الحدود والتجارة غير القانونية والتي تشمل بيع المحروقات والمواد الإلكترونية والتجارة بالعملات والذهب والتبغ، مما يعتبره الشباب مصدرًا للربح الوفير أكثر من العمل الوظيفي.
وكانت مؤسسة كارنيغي الأمريكية نشرت دراسة معمقة في 27 من الشهر الجاري حول الإصلاحات الاقتصادية في تونس والتي أُنجزت خلال 8 أشهر، تضمنت الدراسة ثلاثة أقسام شمل القسم الأول تشخيصًا موضوعيًا للواقع الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس، وفي القسم الثاني حلولًا لمساعدة تونس لتجاوز محنتها، أما الجزء الثالث فقد تضمن نداءً من المؤسسة الأمريكية للدول الخليجية والأوروبية للتوجه إلى تونس وإسعافها بالاستثمارات الضرورية للمضي في اقتصادها وتحريك النمو فيها.
الوضع المحرج للاقتصاد التونسي
التحدي الأبرز الذي واجهه الاقتصاد التونسي بعد الثورة مباشرة يتمثل في ارتفاع نسبة التضخم بينما بقيت نسب النمو محدودة، فضلًا عن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس خلال فترات متقطعة من السنوات الماضية والتي نفّرت المستثمرين من البلاد وأدت لإغلاق أو توقف العديد من المشاريع الاستثمارية، واليوم الاقتصاد التونسي يعاني من خطر الانكماش بمعنى انخفاض الإنتاج وارتفاع نسبة البطالة وتراجع نسبة التضخم حسب ما يشير إليه وزير المالية السابق أيام الحكومة الانتقالية.
فمعظم القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الصناعية المنتجة تأثرت بالتداعيات السلبية لفقدان الأمن والإرهاب الذي ضرب البلاد خصوصًا بعد مقتل 38 سائحًا على إثر استهداف المنتجع السياحي في محافظة سوسة السياحية في حزيران/ يونيو العام الماضي، والذي اعتبرته وزيرة السياحة التونسية كارثة وضربة كبيرة على الاقتصاد والسياحة، إذ توفر السياحة 20% من دخل البلاد من العملات الأجنبية أي 1.5 مليار دولار سنويًا كما توفر 500 ألف فرصة عمل مباشرة وأكثر من مليوني فرصة عمل غير مباشرة ترتبط بالسياحة كالصناعات التقليدية ونقل السياح.
كما خسرت تونس ما يقرب من 2 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية بسبب الاحتجاجات الاجتماعية المتكررة بمنطقة الحوض المنجمي في مصانع الفوسفات ومشتقاته، اضافة إلى الخسارة بسبب انحباس الأمطار في القطاع الزراعي التي قدرت بـ 40% من المحصول الزراعي من الحبوب.
تبدو فرصة تونس من التعافي من الانكماش ضئيلة بحسب ما أكده محافظ المصرف المركزي، لأن عوامل الانكماش الاقتصادي لا تزال مستمرة والإقلاع في الاقتصاد لن يتحقق قبل عام 2017؛ ففي ظل هذا الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد ستكون تونس خلال سنة 2017 مطالبة بتسديد أكثر من 4 مليار دولار من الديون الأجنبية.
وفيما يخص معدل النمو الاقتصادي في تونس فقد انخفضت توقعات تحقيق الاقتصاد التونسي للنمو من معدل 3% إلى 2% بحسب صندوق النقد والذي توقع أيضًا أن تشهد نسبة التضخم تحسنًا من 9.4% عام 2015 إلى 9.3% في عام 2017.
القروض تتساقط على تونس
بعد إطلاع الجانب الأمريكي على الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التونسية خلال الشهور الثمانية الماضية وافقت الحكومة الأمريكية على إقراض تونس مبلغًا وقدره نصف مليار دولار بفائدة ضئيلة لا تتجاوز 2.5% ويتم منح القرض لهم في 5 مايو/ أيار العام الجاري، على أن تقوم الحكومة التونسية بإصدار سندات مقوّمة بالدولار خلال الأسابيع المقبلة، علمًا أن تونس خططت للتوجه إلى الأسواق الأوروبية لاقتراض قرابة مليار يورو بفوائد عالية تتراوح بين 7-8% لتمويل ميزانية الدولة ومشاريع النمو، إلا أنها وبعد الحصول على القرض الأمريكي قررت تأجيل التوجه إلى أوروبا.
صندوق النقد الدولي وافق مبدئيًا على منح تونس قرضًا قيمته 2.8 مليار دولار وهو أكبر قرض في تاريخ تونس على أن يتم صرفه خلال خمس سنوات، وفي سياق متصل كانت ممثلة البنك الدولي في تونس إيلين موراي قالت إن البنك يعتزم إقراض تونس نحو 5 مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة لدعم الانتقال الديمقراطي وإنعاش الاقتصاد.
الاستثمارات السعودية في تونس
الحكومة التونسية طرقت باب المستثمرين الخليجيين وأبدت تعاونها معهم للقدوم إلى تونس والاستثمار، وقدمت العديد من التسهيلات والامتيازات لهم.
ومن هذه الامتيازات ما تم تقديمه للمستثمر السعودي الذي يحظى بأهمية كبيرة في تونس، أبرزها السماح لهم بالتصدير لمشاريعهم دون قيمة مضافة وإعفائهم من الضريبة الجمركية والسماح بالتملك المباشر للمشروع سوى الزراعية منها التي يتم فيها تأجير الأراضي الزراعية لمدة تصل إلى 90 عامًا.
وكانت تونس قد طرحت خيارات عديدة أمام المستثمرين السعوديين إما من خلال الاستثمار المباشر بملكية كاملة أو مشاريع مشتركة مع مستثمريين محليين، علمًا أن المستثمريين السعوديين لديهم مشاريع سياحية في منطقة سوسة بملكية كاملة.
وهناك عدد من المشاريع الاقتصادية في تونس قاب قوسين أو أدنى للمباشرة بها بعد توافر التمويل اللازم، بعد وضع الدراسات اللازمة من قبل الغرفة التجارية والصناعية السعودية، وبحسب ما ورد عن قنصل تونس في جدة قوله أن السعودية من أوائل الدول التي استثمرت في تونس التي تسعى إلى رفع نسبة الاستثمارات السعودية في البلاد ودعم الشراكة بين البلدين.
فهناك العديد من المشاريع السعودية القائمة حاليًا أهمها الموجودة في سوسة والتي تعتبر من المناطق الواعدة والمهيأة للاستثمار أهمها مشروع ميناء المياه العميقة والمنطقة اللوجستية في النفيضة بمساحة 3000 هكتار، وإحداث ميناء للرحلات السياحية وإنشاء مناطق سياحية في هرقلة بمساحة 442 هكتار وتبلغ طاقة الإيواء التقليدية المعدة لهذا المشروع 13 ألف غرفة تتضمن كذلك ميناءً ترفيهيًا وملاعب ومنتجعات ومساحات ترفيهية مفتوحة.
وشهد الأسبوع الماضي توقيع غرفة مكة المكرمة للتجارة والصناعة وغرفة التجارة والصناعة للوسط في تونس بحضور قنصل تونس في السعودية اتفاقية تعاون وشراكة لتيسير حركة الاستثمارات السعودية في جهة الوسط بتونس.
وكان الباجي السبسي في أثناء زيارة له إلى السعودية في ديسمبر/ كانون الأول السنة الماضية عقد خلالها عدة لقاءات مع رجال أعمال سعوديين، قد أكد رغبته تحويل تونس إلى عاصمة السياحة والعلاج العربية، واستمع من رئيس الغرف السعودية عبد الله بن عبد الرحمن الزامل إلى المعوّقات التي تواجه المستثمر السعودي وسبل حلها وأثنى على قطاع الأعمال السعودي لتطوير مشروعات استثمارية في تونس، ولفت أن تونس تتجه لتعميق العلاقة بين القطاعين العام والخاص الذي يتيح للدولة أن تمنح للقطاع الخاص بناء مشاريع بنية تحتية واستثمارات كبرى، واتفق مجلس الأعمال السعودي التونسي على إنشاء صندوق استثماري مشترك بين البلدين يُدعم من حكومة البلدين برأس مال ضخم ويشارك فيه رجال الأعمال السعوديين والتونسيين، مع مقترح لإنشاء شركة للنقل البحري، واتفق الجانبان كذلك على تشكيل فريق عمل استثماري من الجانبين لدراسة الفرص الاستثمارية المجدية وترويجها على المستثمرين.
وتصل قيمة الاستثمارات السعودية في تونس لنحو 277 مليون دولار وفرت 6215 فرصة عمل، وبلغت قيمة المشروعات التنموية التي يمولها الصندوق السعودي للتنمية 500 مليون دولار ووافق الصندوق على تقديم قرض لتونس بقيمة 129 مليون دولار لتمويل مشروعات إنتاج كهربائي فضلًا عن فرص التبادل التجاري في مختلف القطاعات الإنتاجية بين البلدين.
التبادل التجاري بين السعودية وتونس
ارتفع التبادل التجاري بين السعودية وتونس من 179 مليون دولار في عام 2010 إلى 320 مليون دولار في عام 2014، أي بمعدل نمو بلغ نحو 79% خلال السنوات الأربع الماضية، بمتوسط نمو سنوي 20% تقريبًا.
وتعد أهم السلع المصدرة من السعودية إلى تونس المواد الكيميائية مثل البولي إثيلين والبروبيلين بكثافاته المختلفة وأغطية وسدادات من معادن مختلفة، في حين تستورد من تونس فوسفات كالسيوم بنوعيه وثالث فوسفات الصوديوم وزيت الزيتون وأدوية تحتوي على مضادات، ويبين الرسم أدناه التبادل التجاري بين البلدين منذ عام 2004 وحتى 2013 والقيمة، مليون ريال.