منذ 30 عامًا، يدرس طلاب الجامعة الإسلامية في غزة كتابًا إجباريًا حظي بشهرة واسعة بعدما أثار جدلًا أكبر بين الطلاب، لوصفه كل أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى بأنهم “جهلاء” لمجرد عدم انتمائهم إلى الدين الإسلامي.
يسرد كتاب “واقعنا المعاصر والغزو الفكري” الذي يحتوي على أكثر من 300 صفحة في نسخته الكاملة، الكثير من “المبشرات القرآنية والنبوية” التي تتنبأ بسيادة الإسلام على سطح الكوكب، في نطاق شمولي لا مجال فيه لتعدد ولا تنوع، بوصفها حقًا مطلقًا، معتمدًا على الأحاديث النبوية.
ويركز الكتاب في نسخته الحالية المطبوعة في عام 2010، الذي تم تجديد طبعته أكثر من مرة في محاولة للتماشي مع الواقع المعاصر – كما يقول مؤلفه – في أحد فصوله على النبوءات بفتح القسطنطينية وروما، وهي ذاتها دعوات من يوصفون بـ “الجهاد العالمي”، أو “جهاد الطلب”.
وفق المصطلح الفقهي، ترى التنظيمات الجهادية ومنها تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة من خلاله أن من واجبها وصل ما انقطع من مسيرة الفتوحات الإسلامية والوقوف في وجه من يمتنع عن الإسلام.
ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أصبح تنظيم “القاعدة” يجسد بلا منازع، نظرية الجهاد العالمي، وهو ما دفع أمريكا ودول الغرب لتكثيف جهودها ضد ما أطلقت عليه “الحرب على الإرهاب”، وفي ظل فشل التنظيم مؤخرًا في إعادة إنتاج حدث ضخم كالهجمات ضد برجي التجارة العالميين في أمريكا، جاء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والذي تمكن من ضرب “عدوه البعيد” في الدول الغربية ضمن “الجهاد الكوني” والفتح الإسلامي.
ويعتبر الجهاد أو “الجهاد في سبيل الله” أحد أهم مفاهيم الديانة الإسلامية، وهو يعني بحسب الشريعة الإسلامية جميع الأفعال والأقوال التي تتم لنشر الإسلام أو للدفاع عن أرواح أو أموال أو أراضي المسلمين في حال تعرضها للعدوان، وفي فلسطين فإن هذا الجهاد منحصر ضد “إسرائيل”، وبذلك فإنه يخالف “الجهاد العالمي” الذي يتبناه الكتاب وتتبناه التنظيمات التي تصف بالمتطرفة كالقاعدة وتنظيم الدولة ضد ما يقول إنهم “الكفار والصليبيون”.
ويصف مؤلف الكتاب الفلسطيني صالح الرقب في كتابه “المعتقدات اليهودية والنصرانية والوثنية والمجتمعات الرأسمالية والشيوعية، بأنها جاهلية، وأن مسؤولية المسلم الصحيح هو أن يمحو هذه الجاهلية بنور الحقيقة التي يمتلكها وحده”.
وتعليقًا على هذا الأمر، يقول الرقب، وهو أستاذ في تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة بالجامعة الإسلامية: “طبعًا، أصحاب العقائد الأخرى جهلة، هل تريد منا كمسلمين أن نقول إنهم على حق، عقيدتنا أنهم جاهليون والأنعام (الحيوانات) أفضل منهم”.
لكن أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة نفسها سلمان الداية، يقول إن “الكاتب يقصد الجهل في حقيقة الإسلام توحيدًا وتشريعًا، ولا يقصد ذلك في مناحي الحياة، لأن أصحاب الديانات السماوية الأخرى، قد سبقوا المسلمين في تسخير أسباب الدنيا نحو ما يخدم مصالحهم”.
وتم ترسيخ فكرة “محو الجهل الغربي” عن طريق القتال، في الكتاب الذي راجعه الكاتب، من خلال الحديث عن النظام الاقتصادي الإسلامي البديل، إذ يوضح المؤلف أن “بيت مال المسلمين” هو مصطلح يقابل ما يعرف اليوم بوزارة المالية، أو الاقتصاد، وتنحصر موارده في الزكاة، والجزية والغنائم، والخراج، والعشور، والفيء.
ويوضح تفصيل الجزية ومشروعيتها كحكم ثابت، وكذلك مشروعية الغنائم التي قد تكون أسرى، أو سبي، أو أراضي، والأراضي ثلاث حالات: “التي استولى عليها جيش المسلمين بالقتال، التي رحل عنها أصحابها وتركوها خوفًا من جيش المسلمين، والأراضي التي استولى عليها المسلمون صلحًا مع أهلها شرط أن تبقى في أيديهم (أيدي المسلمين)”.
يقول م.س، وهو أحد الطلاب الخريجين من الجامعة: “هناك تناقض في سطور الكتاب بعضها مع بعض، فلا أدري كيف استطاع الكاتب أن يجمع في أهداف الحروب الصليبية بين هدف إقامة مملكة المسيح وبين القضاء على الإسلام وأهله وتشجيع الأفكار والعقائد اللادينية؟ لا أدري كيف يجتمع الاثنان، خصوصًا أن دوافع الحروب الصليبية من وجهة نظر الكاتب دينية في الأساس وتحمل اسم المسيح ورمز الصليب”.
وينتقد هذا الشاب الذي رفض ذكر اسمه، ما جاء في الكتاب بأن “هدف الحروب الصليبية هو إذلال المسلمين بغزوهم في عقر دارهم” دون أي دليل واقعي في الوقت الراهن سوى بالعودة إلى مقولة للصحابي علي بن أبي طالب قال فيها “ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا”، والتي لم يوضح فيها الصحابي أن ذلك الغزو هو من أهداف “الصليبيين”.
لكن الرقب يرد: “الدافع وراء الغزو الفكري الغربي ديني، وقد أوضحت ذلك في الكتاب، وهو كتاب محكم علميًا من محكمين خارج فلسطين ويعتمد على مراجع متخصصة في كل موضوع”.
وحول وجود غزو فكري من الديانات الأخرى للإسلام في الوقت الحالي، يرى الداية أن “هناك ديانات تدعو إلى معتقداتها من غير إعلان العداوة والعدوانية على الديانات الأخرى، وأيضًا هناك فريق يأخذ سبيل العداوة والكره”.
ويقول طالب آخر رفض ذكر اسمه أيضًا: “الصيغة التي يتحدث بها الكاتب لا ترتقي إلى لهجة كتاب فيه من الدقة والانتقاء، إذ استبدله بالنمط الخطابي والتعبوي الذي يعتمده في الغالب أئمة المساجد وخطباؤها في حشد الجماهير، واستشهادًا على ذلك نجده يتحدث عن خطة محكمة لإسقاط المسلمين في شرك الغزو الفكري، مستعينًا بالعبارات التالية: “اليهودية الماكرة والنصرانية الحاقدة” التي لا أعرف ماذا يقصد بهما، وما أصل التسمية، وعلى ماذا استند في هذه المصطلحات”؟
وفي تعليقه على انتقادات الطلاب للكتاب، يقول الرقب: “الكتاب يدرس منذ أكثر من 30 عامًا، وقد طلبت من أساتذة آخرين أن يمدوني بأي ملاحظات عليه، الكتاب معتمد رسميًا في الجامعة وتم تحكيمه علميًا عبر إطلاع أساتذة كبار من الجامعة الإسلامية متخصصين بالشريعة الإسلامية”.
ويوضح: “الطلاب فيهم الشيوعيون والعلمانيون، وهؤلاء فليضربوا رؤوسهم في الوحل، طبعًا الكتاب لن يعجبهم لأنه نسف فكرهم بأسلوب علمي”.
وكان أيضًا مساق “النظم الإسلامية” الذي يدرس في الجامعة أيضًا كمطلب جامعي إجباري، أحد مثارات الجدل، بسبب تحريمه لـ”الديمقراطية” كنظام للحكم السياسي، وقد ألف هذا الكتاب ثلاثة أساتذة في قسم الشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية وهم: ماهر السوسي – أحمد شويدح – زياد مقداد وتم إصدار آخر نسخة حديثة له عام 2010.
ويعتبر كتاب “النظم الإسلامية” أن “هذه النظرة الفلسفية قائمة أصلًا على مبدأ فصل الدين عن الدولة، الإسلام جاء شريعة عامة للناس جميعًا، أما الديموقراطية فهي قائمة على مبدأ رفض الشريعة من أن يكون لها يد في تنظيم الحياة المدنية”، ويستدل على ذلك بأن “الله يبين في كثير من الآيات أن أكثر الناس لا يعقلون، ولا يعلمون، ولا يؤمنون، ويجهلون، وللحق كارهون”.
ويعلق الداية على ذلك “الديمقراطية تتنافى مع ديننا، لأنها تقضي أن يكون حكم الناس لأنفسهم من دون أن يخضعوا في حكمهم إلى حكم الله، لكن تفصيلًا، هناك فروع تتوافق مع ديننا وهي معروفة باسم الشورى”.
وظل هذا المنهاج نفسه وما زال يدرس في الجامعة التي تتبع إدارتها إلى حركة حماس، حتى بعد وصول الحركة إلى الحكم عام 2006 عن طريق صناديق الاقتراع، وسعادة قادتها السياسيين بنزاهة هذه الانتخابات، وهو ما كان يثير مناقشات عقيمة بين الأساتذة والطلبة حول هذا الانفصام بين التطبيق والتنظير، كما يقول أحد الطلاب.