نور الشربيني، يبدو أن هذا الاسم سيظل يتردد لفترة ليست بالقصيرة في المجال الرياضي العالمي والمصري، نور الشربيني لمن لا يعلمها هي بطلة العالم في منافسات الإسكواش للسيدات، نعم هذا الوجه الملائكي الصغير الذي أتم عامه العشرين منذ شهور معدودة هو بطل العالم.
ولدت نور عام 1995 في الأول من نوفمبر بمدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط، لأبوين ميسوري الحال، يرون في ابنتهما استثمارًا للمستقبل لكن أحدًا منهما لم يكن يتوقع أن تسير الأمور بهذا الشكل وأن تصل الصغيرة نور إلى هذه المراتب العالية في مسيرتها الرياضية.
كانت نور منذ نعومة أظافرها تمارس لعبة الإسكواش بنادي “سموحة” السكندري، حيث كانت موهبة الفتاة الصغيرة واضحة للجميع ولا يمكن إنكارها أو الاستهانة بها وهذا ما قاله مدربها لوالديها، وقد فعل والديها بالنصيحة ووضعا اهتمامًا كبيرًا بمشوار ابنتهم في اللعبة صاحبة الشعبية الصغيرة في الجمهورية الكبيرة، بدأ المشوار الرياضي الحقيقي لنور عندما كان عمرها 13 عامًا، في البطولات المحلية بين الأندية المختلفة، لكن طموح الفتاة الصغيرة كان أكبر من أن تحتكر البطولات المحلية في جميع الفئات العمرية التي شاركت فيها وكانت تطمح لما هو أكبر وأكثر من ذلك، لكن قبل الإكمال مع نور سنلقي نظرة على تاريخ المصريين مع اللعبة.
تاريخ المصريين مع الإسكواش
عمرو شبانة
الرجال المصريون يحتكرون جوائز اللعبة والبطولات العالمية ونادرًا ما تخرج من حوزتهم في الأعوام العشرة الماضية، فالتاريخ المصري في لعبة الإسكواش ملئ بالأساطير والأبطال، حيث بدأ المشوار المصري بجمال علام المذيع المصري الشهير والذي كان قد تولى مهمة رئاسة الاتحاد المصري للعبة في الفترة ما بين 2004 إلى 2008.
وجمال عوض صاحب أطول مباراة في تاريخ اللعبة أمام الأسطورة الباكستاني تشيتشستر في نهائي بطولة بريطانيا عام 1993 والتي استمرت لساعتين وخمس وأربعون دقيقة قبل أن ينهيها عوض بفوزه في مفاجأة كبيرة حينها.
يأتي بعدهم جيل “أحمد برادة” اللاعب السابق والذي كان المصري الأول الذي يفتح أبواب الشهرة والمجد لباقي اللاعبين حيث وصل برادة إلى التصنيف الثاني عالميًا عام 1998 كأول مصري يصل إلى هذه المرتبة المتقدمة، لكن الانفجار الحقيقي لبرادة كان عام 1999 في بطولة العالم التي أقيمت بالقاهرة والتي حصل فيها على المركز الثاني بعد خسارته للنهائي أمام بطل العالم البريطاني بيتر نيكول والذي كان يتربع على عرش اللعبة آنذاك.
لم تستمر مسيرة برادة طويلًا في الملاعب حيث اعتزل وهو في عمر الواحد والعشرين إثر حادثة الطعن الشهيرة التي تعرض لها واتجه بعدها للتمثيل، لكن الأبواب التي فتحها أحمد ما كانت لتغلق مرة أخرى، فاستمرت الإبداعات المصرية في اللعبة وحمل الراية من بعده المايسترو عمرو شبانة، عمرو شبانة يمكن القول أنه أعظم لاعبي الإسكواش المصري في التاريخ، وأحد أعظم لاعبي اللعبة بشكل عام، شبانة كان أول مصري يصل إلى المركز الأول في تصنيف اللاعبين المحترفين، ليس هذا وحسب بل إنه حافظ على صدارة الترتيب لمدة 33 شهرًا في رقم قياسي لم يسبق تحقيقه من قبل، فاز عمرو ببطولة العالم أربع مرات ولم يخسر أي نهائي في بطولة العالم، وقد حقق شبانة رقمًا قياسيًا آخر عندما تمكن من الحصول على لقب إحدى البطولات العالمية المعتمدة في سن الرابعة والثلاثين وخمسة أشهر وهو ما لم يحدث من قبل.
الطريف أن الذي سرق صدارة التصنيف الدولي من شبانة كان لاعبًا مصريًا آخر وهو كريم درويش في يناير 2009 منهيًا هيمنة شبانة على اللعبة، وقد فاز كريم بعدة بطولات في مسيرته في الفئات السنية الصغرى لكن الحدث الأكبر كان مشاركته مع المنتخب المصري في الفوز ببطولة العالم عامي 2009 و2011 وقد وصل درويش أيضًا إلى نهائي بطولة العالم عام 2008 قبل أن يخسر النهائي أمام المصري الآخر رامي عاشور والذي أخذ منه صدارة التصنيف العالمي والذي كان قد تربع على عرشه لعام تقريبًا.
الحديث عن الأبطال المصريين الرجال يطول ويطول لكن على مستوى السيدات فإن الإنجازات لم تكن على نفس القدر والمستوى، لكن يمكننا القول أن البداية الحقيقية لمسيرة سيدات مصر داخل أروقة صالات الإسكواش كانت مع إنجي خير الله، التي وصلت إلى المركز الحادي عشر في التصنيف الدولي وشاركت مع المنتخب المصري في تحقيق بطولة العالم للسيدات عام 2008 كإنجاز تاريخي للمنتخب المصري للسيدات، قبل أن تعتزل عام 2012، إلى جانب إنجي نرى أيضًا أمنية عبدالقوي والتي كان أبرز إنجازاتها هو وصولها إلى المركز الرابع في التصنيف الدولي في أكتوبر 2010، لكن النجاح المصري الأكبر في الماضي القريب في عالم السيدات كتب على يد رنيم الوليلي المصنفة الأولى سابقًا، والتي أزاحت المصنفة الأولى عالميًا الماليزية نيكول ديفيد والتي تربعت على عرش التصنيف لمدة تزيد عن التسع سنوات، ولرنيم عدة ألقاب في مسيرتها التي لم تنته بعد، حيث فازت بطولة العالم للناشئات عام 2005 و2007 ولقب أفضل ناشئة في عامي 2004 و2005 على التوالي وجائزة لاعبة العام عام 2014 وشاركت أيضًا في فوز المنتخب المصري ببطولة العالم عاميّ 2008 و2012.
“أشعر وكأنني في حلم”
لا يوجد الكثير للحديث عن النور، فنحن لسنا بصدد قصة ملحمية مليئة بالتفاصيل، مفعمة بالأمل أحيانًا وبالخيبة أحيانًا أخرى، ولسنا أمام حكاية مجنونة متقلبة الأحوال يعتريها الفشل مرة والنجاح مرة أخرى، نحن الآن أمام قصة نجاح عظيمة ومدهشة لفتاة تسطر التاريخ وهي ابنة العشرين من عمرها، لا يوجد في تاريخ الإسكواش المصري للسيدات مثال سابق لما فعلته نور الشربيني، فابنة الإسكندرية بدأت مشوارها الاحترافي عام 2009 وفازت ببطولة العالم للناشئات أربع مرات عام (2009 – 2011 – 2012 – 2013)، وكانت المصرية الأولى التي تصل إلى نهائي بطولة العالم عام 2013 قبل أن تخسر النهائي أمام بطلة العالم حينها لورا ماسارو، لكن القدر أعطى نور الفرصة للانتقام من البريطانية التي سلبت منها اللقب، حينما واجهتها في نهائي بطولة العالم هذا العام على الأراضي الماليزية، فازت لورا بالشوطين الأول والثاني لتقترب كثيرًا من اللقب، لكن شيئًا لم يكن في الحسبان قد حدث وعادت الفتاة المصرية من بعيد وفازت بثلاثة أشواط متتالية لتتوج بلقب العالم وتتربع على عرش التصنيف العالمي كأول مصرية تحصد هذا اللقب الثمين وكأصغر سيدة تفوز بهذا اللقب في تاريخ اللعبة.
ليست هذه فقط هي إنجازات نور، فالفتاة الصغيرة في العمر الكبيرة في العطاء والأداء قد فازت ببطولة إنجلترا المفتوحة تحت سن 13 عام مرتين (2007 و2008 ) وبطولة إنجلترا المفتوحة تحت سن 15 عام مرة واحدة (2009) وبطولة قطر المفتوحة مرة واحدة (2015) ووصيفة بطلة العالم مرة (2013) ووصيفة بطولة إنجلترا مرة واحدة (2012) وفازت ببطولة الأبطال الدولية (2016)، كما أنها كانت أصغر فتاة تكون ضمن المصنفات العشر الأوائل عندما كانت في السابعة عشر فقط من عمرها!
يبدو أن نور عازمة على فعل المستحيل وتكسير كل الأرقام، فسجل ابنة العشرين حاليًا يتخطى سجلات لأساطير في اللعبة.
قالت نور بعد فوزها مباشرة “أشعر كأنني في حلم، لم أتخيل يومًا أنني قادرة على تحقيق ذلك”، وأردفت :عندما تأخرت بشوطين اعتقدت أنها النهاية لكن مدربي أقنعني أنني ليس لدي ما أخسره”.