تسعى المملكة العربية السعودية من خلال عاصفة الحزم ورعد الشمال للعب أدوار إقليمية أكبر بعد ترك إيران وحيدة في المنطقة وبعد تغير المنظور الأمريكي في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط من قيادة الدول إلى المشاركة معها، خاصة وأن المنطقة لم تعتد على الفعل وأخذ زمام المبادرة بدون الضوء الأخضر الأمريكي والقيادة الأمريكية، ففي ظل غياب مصر وثقلها العربي وبعد الاتفاق النووي الإيراني حصلت السعودية على الضوء الأخضر الأمريكي للعب دورالقيادة في بعض الملفات الإقليمية مع ولادة قيادة شابة جديدة وطموحة للعب هذا الدور، لكن القيام بهكذا دور في مسرح عملياتي كسوريا وتعدد الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة يكتنفه كثير من المخاطر والتعقيد.
فقد أعلنت السعودية الاستعداد للتدخل البري في سوريا لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن أصبحت مقاتلة تنظيم الدولة اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم وبوابة المبررات المقنعة والشرعية للتدخلات الإقليمية والدولية في سوريا والمنطقة، هذا الإعلان لاقى ضجة إعلامية وسياسية بين مرحب ورافض ومهدد بين الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا، إلا أن المملكة العربية السعودية تعلم أن الدخول في المستنقع السوري بدون غطاء دولي للتحالف أو إذن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن كما حصل في اليمن سيصنف ذلك عملاً عدوانيًا من الناحية القانونية خاصة وأن التدخل الإيراني والروسي جاءا بطلب من حليفهم النظام السوري.
تدخل بري سعودي مشروط ومحدود ومتدرج
التصريحات الأمريكية تفهم على أنها دعوة للسعودية بأخذ زمام المبادرة، لكن المملكة لن تجازف إلا بغطاء التحالف؛ فوجود الغطاء الدولي ضرورة ليضع قواعد الاشتباك بحيث لا يكون هناك صدام بين القوات الروسية والإيرانية مع التحالف الإسلامي بقيادة المملكة (الذي يعد جزءًا من التحالف الدولي) ولكي لا تنجر الحرب إلى حرب شاملة.
إن تركيا تنتظر المبادرة السعودية والغطاء الدولي، لأنها أكثر حذرًا من المملكة، فالإرهاب على حدودها وتقع ضمن دائرة التأثير المباشر للأزمة السورية، فهي تدرس جميع الخيارات لكنها حذرة للغاية ولن تساوم على أمنها القومي ولن تتدخل في سوريا منفردة أو مع السعودية بدون الغطاء الدولي وتتورط في المستنقع السوري فهذا ما سعت إليه بعض الأطراف الدولية بشكل غير مباشر.
فقد أعربت الدول الأعضاء بالتحالف الإسلامي وخاصة تركيا بقيادة السعودية عن استعدادهما للتدخل البري في سوريا على أن يكون ذلك تحت قيادة الولايات المتحدة أو تحت مظلتها أو مظلة التحالف الدولي لأن أي تدخل تركي سعودي في سوريا لمحاربة داعش أو النظام السوري أو إيجاد ملاذات آمنه بالعمق لمنع تصفية المعارضة المسلحة دون غطاء سياسي وعسكري أمريكي؛ فإن نهايته الفشل، فالقوات المتحالفة مع الأسد وخاصة الروس (قبل الانسحاب مع إمكانية العودة) تقاتل بغطاء دولي وهو الغطاء الروسي وتحالفهم ما زال متماسكًا ويزداد قوة، وبالطرف الآخر فإن التحالف السعودي التركي ليس له غطاء دولي سوى أمريكا التي تبدو غير مبادرة لذا جاءت المبادرة السعودية كمحاولة لإحراج واشنطن التي طالما طالبت الدول العربية والإسلامية بزيادة مشاركتها في محاربة الإرهاب.
إن الأطراف جميعًا متفقة على أن هناك مناطق محددة تتطلب السيطرة عليها ولا يمكن هزيمة التنظيم من دون السيطرة على تلك المناطق، ولعدم وجود الإجماع على من هي الجهة التي لا بد أن تتدخل لهزيمة التنظيم غير قوات الأسد وحلفائه حيث سعى الروس لإعادة تأهيل النظام السوري من خلال عرضه كجهة قادرة على هزيمة التنظيم وسعت إيران لعرض نفسها ومليشياتها على أنها طرف يحارب الإرهاب.
فالتحالف الإسلامي المشكل قرر محاربة الإرهاب الإسلامي بكل أشكاله وأنواعه وخاصة داعش التي تمثل الإرهاب العابر للحدود وحزب الله ضمنيًا المصنف مؤخرًا إرهابيًا والمليشيات الشيعية الأخرى التي تقاتل معه، فسيبقى الضوء الأخضر الأمريكي هو الفاصل للتدخل السعودي التركي بريًا والذي سيضفي إلى تهيئة منطقة عازلة على الحدود التركية لحل مشكلة اللاجئين ومواجهة داعش وتحجيم الوجود الكردي المهدد للأمن التركي، وإيجاد منطقة نفوذ تخلق توازنًا في سوريا ودعم وتدريب المعارضة السورية وتزويدها بالأسلحة الحديثة لمواجهة النفوذ الإيراني وقوات النظام وهو ماسمي بالخطة (ب) مع دعم فعلي لتركيا التي طرحت الفكرة منذ 3 سنوات، إضافة إلى القيام بدورالإسناد المحدود مع زيادته بالتدريج بالقوات السعودية والإسلامية الأخرى وجس نبض التغيرات المفاجئة على الساحة الإقليمية والدولية المتعلقة بالملف السوري.
التدخل البري السعودي.. الحسم العسكري أم الحل السياسي؟
إن إعلان المملكة عن استعدادها للتدخل البري جاء على خلفية إفشال مفاوضات جنيف 3 وتكثيف القصف الروسي على حلب وتقدم قوات النظام التي قطعت شريان الاتصال بينها وبين المعارضة، وما يعنيه ذلك من تقليص قدرة المعارضة على المواجهة الميدانية نتيجة لتوقف تدفق السلاح والمقاتلين، فقد قامت السعودية بتزويد المعارضة بصواريخ جراد أرض – أرض التي ساهمت إلى حد ما في تقليص خسائر المعارضة المتتالية في حلب، وإن كانت لم تمنعها.
تسعى السعودية حاليًا إلى تزويد المعارضة بصواريخ أرض – جو لمواجهة الاستهداف الجوي لها والتلويح بأن الطائرات الروسية لن تكون بعيدة عن هذا الاستهداف بالرغم من الفيتو الأمريكي على هذا النوع من السلاح، وسيتم استخدام تلك الصواريخ بإشراف سعودي تركي مشترك، فالتدخل الروسي كان ورقة لزيادة مكاسب النظام سياسيًا وميدانيًا، وعلى ضوئهما جاء الإعلان السعودي للتدخل كورقة ضغط تفاوضية وقابلة للتطبيق في حال فشل المفاوضات، أي أن للقرار بُعدًا سياسيًا بالدرجة الأساس وعسكريًا في حال فشل التفاوض الذي ربما يكون حتمي؛ فالتدخل يعني مواجهة مباشرة مع إيران ومليشياتها وحزب الله الذي وضع مؤخرًا على قوائم الإرهاب، فقد أصبح بخانة واحدة مع “داعش” خليجيًا على الأقل، فالتدخل سيفضي إلى منع انتصار الروس والإيرانيين أولاً ثم تغيير ميزان القوى والحل السياسي ثانيًا.
إلى الآن لم تقرر الولايات المتحدة الدخول والاشتراك في الحرب البرية أو توفير الغطاء الدولي، لأنه سيترتب على ذلك التزامات سياسية وعسكرية واقتصادية لكنها ستقرر لاحقًا عندما تجد الوقت والظرف المناسبين، فليس هناك حل للأزمة السورية بدون مفاوضات جنيف أو الدعم العسكري الذي يقلب المعادلة على الأرض ويجبر الأسد وحلفاءه على الجلوس والالتزام بالانتقال السياسي، فإرسال قوات برية سيحرك المفاوضات التي أفشلها حلفاء الأسد.
لا يخلو التدخل من مخاطر لكنها مهما تكن أهون من خطر السيطرة الإيرانية وعودة النظام؛ فخطورة التدخل البري وتعقيدات الملف السوري سيدفع بالمملكة إلى محدودية الدور في مواجهة تنظيم الدولة وقوات الأسد والمليشيات الإيرانية وبالتدريج وسيكون تغير جدي على الساحة والوقت عامل حاسم لما يجري؛ فرعد الشمال تسعى لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه وقد صرح وزير الخارجية السعودي الجبير عدة مرات بأن إيران والنظام السوري يمارسان الإرهاب بمعنى أن محاربة الإرهاب ستشملهم ولو بصورة غير مباشرة.