قام مركز ستراتفور الاستخباراتي بنشر ورقة بحثية تناقش وضع إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة، في إطار الادعاءات الإسرائيلية بأن أمنها في خطر خاصة عقب التوتر في مصر وسوريا وبعد الاتفاق الأمريكي الإيراني.
ويقول التقرير نصا أن “الوضع الاستراتيجي الحالي لإسرائيل: ممتاز. فبعد عامين من التوتر، يبقى أمنها مع إسرائيل محفوظا. سوريا في حالة من الحرب الأهلية التي لا يبدو لها أي حل في الأفق، ربما يتواجد هناك بعض “الإرهابيين” إلا أن هذا لا يشكل تهديدا بعيد المدى على إسرائيل. حزب الله لا يبدو أنه على استعداد للدخول في حرب أخرى مع إسرائيل، وحتى مع ترسانة صواريخ حزب الله، إسرائيل قادرة على احتواء خطرها والتعامل معها. أما الأردن المتحالفة مع إسرائيل، فيستطيع نظامها السيطرة على معارضته السياسية”
ويتحدث التقرير عن أن الوضع على الحدود المصرية كما هو منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبالإضافة إلى ذلك -يذكر التقرير- أن الفلسطينيين منقسمين على أنفسهم، وليسوا مؤثرين على الساحة، وحتى مع الصواريخ غير الفعالة التي تُطلق من غزة بين الفينة والأخرى، لا يبدو هناك أي خطر من اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية.
ولذلك: إسرائيل لا تواجه تهديدا وجوديا، يقول التقرير، إلا أن الإسرائيليون يقولون أنهم قلقون من احتمالية أن تقصف إيران تل أبيب بصاروخ نووي، بعدما تمتلك سلاحا نوويا. وفي هذا السياق، يقع البرنامج النووي الإيراني في أول اهتمامات إسرائيل الأمنية، ويقول المسؤولين الإسرائيليين أنه مهما بدا الوضع الآن مريحا، إلا أن هذا لن يدوم.
ويستمر التقرير في سرد الأسباب التي توجب على إسرائيل ألا تقلق من التقارب الأمريكي الإيراني بسببها، كصعوبة امتلاك إيران التكنولوجيا اللازمة واليورانيوم اللازم لبناء السلاح النووي، كما أن إيران حتى لو امتلكت القدرة على إنتاج سلاح نووي، فإنها لا تستطيع امتلاك الصواريخ أو الطائرات القادرة على التعامل مع السلاح النووي.
لذلك فالادعاءات الإسرائيلية من أن التحالف الأمريكي الإيراني سيجعل إيران تسرع في امتلاك السلاح النووي، هي مجرد بروباجاندا
ومع قدرة إسرائيل على الرد، والرقابة اللصيقة التي تقوم بها الولايات المتحدة على إيران، الهجوم يغدو مستحيل الحدوث بكل النواحي، الطائرات كما ذكرنا، وحتى بشكل بحري أو عبر الطريق البري.
كما أن هجوم إيران على إسرائيل يعني مقتل الآلاف من المسلمين، من بينهم شيعة، وهذا يعني انتحارا سياسيا بالنسبة لإيران.
ويقول التقرير أنه بالنسبة للأمريكيين لم يكن البرنامج النووي الإيراني هو الأهم في المحادثات، لكن ما اهتم الأمريكيون بشأنه كان الدور الإيراني في المنطقة وفهمه ومحاولة إحداث توازن بينه وبين دور الدول الأخرى في المنطقة خاصة السعودية والإمارات وإسرائيل.
أمريكا لا تزال تهتم بالمنطقة، وتريد أن تحصل على علاقات مع كافة الأطراف القوية هنا، وليس فقط إسرائيل والسعودية.
وكما بدأ التقرير بالحديث عن وضع إسرائيل الحالي، يختم الباحث بالحديث عن رؤيته لإسرائيل بعد عشر سنوات، فيقول التقرير أنه على الحدود مع مصر، لا يبدو صعود حكومة تكره دولة الاحتلال أمرا مستبعد الحدوث، مصر كانت ضعيفة تماما في ١٩٦٧ إلا أنها استعادت قوتها بشدة خلال ست سنوات في ١٩٧٣، وهو ما يمكن أن يحدث خلال عشر سنوات. سوريا ولبنان يبدو أنهما منقسمتان بشكل كبير، المملكة الهاشمية في الأردن لا نعرف عما إذا كانت ستبقى كذلك أم ستصبح دولة للفلسطينيين.
لكن بالنسبة لإسرائيل، إسرائيل لا تحتاج إلى الولايات المتحدة ولا إلى المساعدات السنوية، إنهم فقط يحتاجون إلى رمز للالتزام الأمريكي تجاههم، ما يقلق إسرائيل فعلا هو التهديد الحاصل من تحسن علاقات الولايات المتحدة ببقية دول المنطقة.
فإذا استطاعت الولايات المتحدة تحسين علاقاتها بإيران والسعودية وتركيا والدول الأخرى، ستصبح إسرائيل مجرد رقم في المعادلة الطويلة، وليست العامل الوحيد للسياسة الأمريكية في المنطقة، وهذا هو ما يرعب دولة الاحتلال.
في النهاية، إسرائيل قوة ضعيفة وصغيرة، قوتها تضخمت بسبب ضعف جيرانها، هذا الضعف ليس دائما، والعلاقات الأمريكية تتغير بشكل دائم منذ ١٩٤٨، وتغير قادم يبدو في الأفق.
الإسرائيليون اعتادوا على الاعتماد على الدعم الهائل للولايات المتحدة من الرأي العام والكونغرس، في السنوات الأخيرة، تقلص هذا الدعم وأصبح أقل حميمية، إسرائيل لم تعد قادرة على السيطرة على خارطة السياسة الأمريكية في المنطقة، وفقدت كذلك تأثيرها في العملية السياسية الأمريكية.
نتنياهو يكره المحادثات الأمريكية الإيرانية ليس بسبب البرنامج النووي لكن بسبب التغيرات الاستراتيجية في سياسة الولايات المتحدة، لكن رد فعله لابد أن يوضع في إطاره لأن إسرائيل الآن تمتلك تأثيرا أقل كثيرا مما كان في السابق.