تأسست نقابة الصحفيين المصرية في العام 1941، حيث انعقدت أولى الجمعية العمومية للصحفيين بعد ظهر يوم الجمعة الموافق الخامس من ديسمبر عام 1941 بمحكمة مصر بباب الخلق.
تعتبر هذه الجمعية هي التي انتخبت أول مجلس للنقابة في تاريخها بالعهد الملكي، والذي تكون من 12 عضوًا (6 يمثلون أصحاب الصحف و6 من رؤساء التحرير والمحررين).
مساء أمس قامت قوات الأمن المصرية باقتحام مبنى نقابة الصحفيين، وألقت القبض على صحفيين من داخلها وهما عمرو بدر ومحمود السقا في سابقة هي الأولى في تاريخ نقابة الصحفيين منذ إنشائها قبل 75 عامًا.
بدر والسقا كانا قد قررا الاعتصام داخل مقر نقابة الصحفيين، احتجاجًا على مداهمة قوات الأمن لمنزليهما، بعد إصدار نيابة أمن الدولة العليا قرارًا بضبطهما وإحضارهما، بتهمة “التحريض على التظاهر” في الاحتجاجات التي شهدتها مصر طوال الشهر الماضي ضد إعلان السلطات المصرية تنازلها عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية.
اقتحام الشرطة #نقابه_الصحفيين والقبض على اثنين من أعضائها واقعة غير مسبوقة وتكشف توتر النظام وارتباكه وتكلفتها السياسية داخليا وخارجيا هائلة
— جمال سلطان (@GamalSultan1) May 1, 2016
شهود العيان أكدوا أن قوات الأمن اقتحمت مبنى النقابة، مساء أمس الأحد، بعدد قوات 30 فردًا وقاموا بالتعدي على أمن النقابة، وألقوا القبض على الصحفيين من داخل المبنى، رغم أنه كان من المفترض أن هناك تفاوض بين النقابة والأمن حول الإجراءات الواجب اتخاذها حيال أمر الصحفيين.
https://twitter.com/DrMahmoudRefaat/status/726867012929130496?ref_src=twsrc%5Etfw
تصاعدت الأمور بعد هذه الواقعة واحتشد عشرات الصحفيين أمام مقر النقابة، واجتمع عدد من أعضاء مجلس النقابة لبحث اتخاذ إجراءات ضد وزير الداخلية، والدعوة لجمعية عمومية طارئة لاحتشاد الصحفيين للدفاع عن حقوق الصحفيين والنقابة.
تاريخ من قمع حرية الصحافة في مصر
كانت البداية في المواجهة مبكرة في مصر مع نقابة الصحفيين منذ البحث عن مقر دائم للنقابة ومواجهة سلطة الاحتلال الإنجليزي الذي كان يسيطر على قطعة أرض بجوار نقابة المحامين خصصت لإنشاء مقر نقابة الصحفيين.
مرورًا بمسألة تشديد الرقابة على الصحف بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، وهو ما أدى إلى انتشار حالات حبس الصحفيين، هذه الظروف الصعبة قادت ملاك الصحف إلى تقليل عدد صفحات الجريدة اليومية إلى 4 صفحات، ما شكل تهديدًا واضحًا للعاملين في هذه الجرائد بعدما ظل شبح الاستغناء يطاردهم، حتى قامت النقابة بتوصيل صوت الصحفيين إلى البرلمان المصري لمعالجة هذه القضايا.
حيث أصدر مجلس نقابة الصحفيين في فبراير سنة 1942 قرارًا بالاحتجاج على تقييد حرية الصحافة فلما تعذر نشر هذا الاحتجاج بفعل الرقابة على الصحف أعطيت نسخة منه إلى الدكتور محمد حسين هيكل عضو مجلس الشيوخ فتلاها وسجلها في مضابط المجلس ونشرت في الصحف نقلاً عن المضابط.
وقبل نهاية العصر الملكي في مصر تصادمت نقابة الصحفيين مع حكومة الوفد في العام 1951بسبب تعديلات قانونية تم طرحها على البرلمان بهدف وضع قيود على الصحافة والصحفيين على أثر هجمات وحملات صحفية على حكومة الوفد.
وعرفت هذه التشريعات المقدمة باسم “قانون باسيلي” التي تقدم بها، استفان باسيلى، عضو الهيئة الوفدية وعضو مجلس النواب لتغليظ عقوبات النشر في قانون العقوبات، بعد حظر نشر أخبار السراي أو أحد أفراد الأسرة الملكية إلا بعد موافقة من الديوان الملكى، وقد تصدت النقابة لهذه التشريعات وأمرت الصحف بالاحتجاب يومًا اعتراضًا على طرحها، مما أدى إلى سحب هذه التشريعات تحت ضغط من النقابة.
ومع انقلاب 1952 الذي قاده الجيش ضد القصر، اختفى بصيص حرية الصحافة الذي كان موجودًا أيام الملك، وحل مجلس قيادة الثورة مجلس نقابة الصحفيين في العام 1953، وفوض وزارة الإرشاد لإدارة النقابة، بالإضافة لتعديل قانون إنشاء النقابة تعديلًا شاملًا.
فيما عطلت السلطة العسكرية عمل العديد من الجرائد والمجلات في ذلك الوقت، لعل أبرزها جريدة المصري المملوكة لمحمود أبو الفتح أول نقيب للصحفيين في مصر، بعد أن تمت مصادرة كل ممتلكاته، ومحاكمته هو وأخيه أمام ما عُرف بـ “محكمة الثورة” برئاسة عبداللطيف البغدادي وعضوية البكباشي أنور السادات وقائد الأسراب حسن إبراهيم، بتهمة إجراء اتصالات ضد نظام الحكم، بسبب موقف أبو الفتح وجريدته المؤيد للديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته أثناء أزمة مارس 1954.
وهذه كانت إشارة البدء في تأميم الحياة الصحافية في مصر لصالح السلطة العسكرية، حتى وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وصعود نائبه محمد أنور السادات إلى السلطة، وهو الذي أعطى هامشًا لعودة حرية الصحافة في بداية حكمه، لكن سرعان ما انقلب عليه بعدما ضاق ذرعًا بنقد الصحفيين ليختم عقده باعتقال عدد كبير من الصحفيين ومصادرة العديد من الصحف، بعد اعتراض الرأي العام على توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
كذلك شهدت الصحافة في مصر جولات مع القمع في عهد الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، أبرزها أزمة القانون رقم 93 لسنة 1995 الذى تضمن تغليظ العقوبات فى جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف المستقلة والحزبية.
الأمر الذي أشعل الجماعة الصحفية في مصر في مواجهة القانون عبر العديد من الفعاليات الاحتجاجية، هذا وقد نشر الصحفيون آنذاك قائمة سوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير القانون، وأقاموا جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة في مصر.
إلا أن نقابة الصحفيين ورغم انحياز مجلس نقابتها بعد ذلك إلى السلطة في كثير من المواقف، ظلت منبرًا للمعارضة، وعرفت “سلالم النقابة” بتجمعات المعارضة والاحتجاجات، ومن أمامها انطلقت إحدى تظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير في بدايتها.
حتى جاء عصر الرئيس السابق محمد مرسي وبدأت الصحافة تأخذ بعض من حريتها بإصدار قرار جمهورى بإلغاء الحبس الاحتياطى للصحفيين، وذلك بتعديل المادة 41 من قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996، إلى أن عزل الجيش الرئيس السابق مرسي ووضعه في السجن بعد انقلاب عسكري قاده الرئيس الحالي ووزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي.
نظام السيسي: عهد الصحافة المصرية الأسود
وفقًا لتقارير منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية بحرية الصحافة فإن ثلث سكان العالم يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة، والغالبية تعيش في دول ليس فيها نظام ديمقراطي أو حيث توجد عيوب خطيرة في العملية الديمقراطية.
فيما تعتبر حرية الصحافة مفهومًا شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم غير الديمقراطية، سيما وأن التحكم بالوصول إلى المعلومات في العصر الحديث يعتبر أمرًا حيويًا لبقاء معظم الحكومات غير الديمقراطية.
هذا بالضبط ما افتتح به هذا العهد، حيث أوقف النظام العسكري الوليد بث عدد من القنوات واعتقل العديد من العاملين فيها منذ 3 يوليو من العام 2013 حين انقطع البث عن قناة مصر 25 التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، واعتقل نحو 8 من المذيعين والعاملين بمقر القناة.
فيما اقتحمت قوات الأمن المصري عدد من مكاتب القنوات التابعة لشبكة الجزيرة من قنوات الجزيرة الإخبارية والجزيرة الإنجليزية والجزيرة مباشر مصر في القاهرة، وأوقفت أجهزة بثها واعتقلت عددًا من العاملين بها، وأوقفت كذلك بث عدد من القنوات الدينية مثل الناس والرحمة والحافظ والشباب في نفس اليوم.
كانت هذه الحملة على الصحف والقنوات المعارضة، وانتقلت تدريجيًا إلى الصحافة بشكل عام رغم موالاة غالبيتها للنظام بشكل واضح، إلا أنه من الواضح أن النظام اتخذ قرارًا بتأميم المجال الإعلامي لصالحه فقط.
إذ حاولت حكومة إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق إصدار قرار بتشكيل لجنة لصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية، وهو الأمر الذى رفضته النقابة فى ذلك الوقت، وأكدت أن الجماعة الصحفية هى الجهة الوحيدة صاحبة الحق فى إعداد التشريعات، ما دفع محلب حينها لتشكيل لجنة جديدة بمشاركة الصحفيين.
وتوالت المحاولات لتقييد حرية الصحافة في مصر في عهد السيسي، وجاءت المادة 33 من مشروع قانون مكافحة الإرهاب لتخلق مواجهة جديدة بين الصحفيين ونظام السيسي للمطالبة بإلغائها، وهي المادة التي نصت على أن “يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة بهذا الشأن”.
هذا وأكدت تقارير المنظمات المحلية والدولية المهتمة بواقع الحريات في مصر ومن بينها حرية العمل الإعلامي، أن أوضاع الصحافة والصحفيين في تدهور مستمر منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013.
واقع حرية الصحافة المصرية الحالي في أرقام
صدر عن المرصد المصري للحقوق والحريات في اليوم العالمي لمحاربة إفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين من العقاب تقريرًا أشار فيه إلى أن مصر شهدت 9 حالات قتل لإعلاميين في الميدان، وإصابة 60 بجروح متنوعة، ومحاكمة 6 إعلاميين عسكريًا، بالإضافة إلى بلوغ عدد المعتقلين 92 إعلاميًا منهم 67 ما زالوا رهن الاعتقال، حسب بيانات المرصد وقتها.
وأشارت إحصائيات أخرى إجمالية إلى أن مصر شهدت غلق 10 قنوات فضائية، وغلق ومداهمة 12 مكتبًا لمؤسسات إعلامية، ومنع صحيفتين من الصدور، بالإضافة إلى 22 حالة منع من الكتابة، وفصل 30 صحفيًا بصورة تعسفية.
وبحسب منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها بشأن حرية الصحافة العام الماضي احتلت مصر المركز “158” عالميًا من أصل “180” دولة في حرية الصحافة.
كما صنفت شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي “سند”، والتي يتولى إدارتها مركز حماية وحرية الصحفيين في تقرير شهري لها دولة مصر كثاني دولة تعرض صحفيوها لانتهاكات من قبل السلطات.
وكذلك علقت منظمة العفو الدولية على اعتقالات الصحفيين في مصر وركزت على حالة المصور الصحفي محمود أبو زيد الشهير بـ “شوكان” المحتجز منذ أكثر من عامين انتظارًا للمحاكمة دون اتهام واضح، والذي صدر بحقه قرار بإحالة قضيته لمحكمة الجنايات مع تمديد احتجازه على ذمة القضية.
في الوقت نفسه الذي طالبت فيه منظمة مراسلون بلاحدود السلطات المصرية بالإفراج عن 6 صحفيين حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، وذكرت المنظمة أن مصر تعد من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين، بعد الصين وإريتريا وإيران.
أما بخصوص العام الحالي الذي انقضى الربع الأول منه فحال الصحافة في مصر من سيء إلى أسوأ، حيث شهد الربع الأول من عام 2016 العديد من الانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين والتي سُجلت بواقع 222 حالة انتهاك مختلفة، حيث تضاعف معدل الانتهاكات خلال هذا الوقت من العام بنسبة نمو تقدر بـ 77.6% بالمقارنة بالربع الأول من عام 2015 الذي شهد 125 واقعة انتهاك.
وبحسب مرصد “صحفيون ضد التعذيب” فقد سجل عدد 222 انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين في كافة أنحاء الجمهورية أثناء أداء عملهم خلال الربع الأول لعام 2016، حيث وثق فريق عمل المرصد 73 حالة إما عن طريق شهادات مباشرة أو عبر الفريق الميداني بنسبة تتخطى 32.88%.
ازدادت حدة الانتهاكات بحق الصحفيين مؤخرًا خاصة مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد النظام بسبب قضية التنازل عن الجزيرتين للسعودية، الأمر الذي اندلعت على خلفيته احتجاجات قوية، ألقى الأمن المصري فيها القبض على عشرات الصحفيين عشوائيًا، خرج بعضهم بعد ذلك، واحتجز البعض الآخر حتى هذه اللحظة.
وعلى هذه الخلفية اقتحم الأمن المصري نقابة الصحفيين لأول مرة في تاريخها في تصعيد غير مسبوق من النظام ضد النقابة في مصر، بعد أن اعتقل صحفيين من داخل نقابتهم بتهمة التحريض على التظاهر لرفض تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.