تتجه العلاقات السعودية الجزائرية نحو مزيد من التأزم، نتيجة عدّة اعتبارات آخرها موقف السعودية من مسألة الصحراء الغربية والصراع الدائر بين جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر والمملكة المغربية هناك، في مقابل ذلك تشهد العلاقات السعودية المغربية تطورًا ملحوظًا تدعمه القمة الخليجية المغربية الأخيرة.
وانعقدت في الرياض الأربعاء 20 أبريل القمة الخليجية المغربية الأولى بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونظيره المغربي الملك محمد السادس، وجاء في البيان الختامي للقمة أن “قادة دول الخليج يؤكدون أن قضية الصحراء هي قضية دول مجلس التعاون ويدعمون الرباط في ذلك”، مضيفًا أن “دول الخليج ترفض المساس بالمصالح العليا للمغرب بعد المؤشرات الخطيرة التي شهدها ملف الصحراء مؤخرًا”، وذلك في إشارة إلى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، التي استخدم فيها كلمة “احتلال” لوصف ضم المغرب لإقليم الصحراء بعد انسحاب الاستعمار الإسباني عام 1975، وذلك لدى زيارته مخيمات اللاجئين الصحراويين فى تندوف بالجزائر يوم 5 مارس الماضي.
وأكد البيان على “الالتزام بالدفاع المشترك عن أمن واستقرار دول الخليج والمغرب واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها”، رافضًا “أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار ونشر نزعة الانفصال والتفرقة”، وأكد العاهل السعودي، في كلمة ألقاها، أن القمة تعكس العلاقات الخاصة المتميزة التي تربط دول الخليج بالمغرب على أرفع مستوى في مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، وأعرب عن تضامن دول الخليج مع الرباط في مواجهتها للتحديات السياسية والأمنية، مؤكدًا حرص الدول المشاركة في القمة على عدم المساس بوحدة الأراضي المغربية وصحرائه، وتدعم الجزائر مطالب “جبهة البوليساريو” بإجراء استفتاء على الانفصال، بينما تصر الرباط على “مبادرة الحكم الذاتي” كأساس لأي حل سياسي، وهو موقف مغربي لا يتزعزع وتسبب في نزاع واسع بين البلدين.
ومنحت السعودية عقب هذه القمة “هبة لا تسترد” للمغرب على شكل ثلاث اتفاقيات تمويل، تصل قيمتها الإجمالية إلى 230 مليون دولار، تخصّص الأولى لمشروع خاص بالري الفلاحي، والثانية لمشروع توفير التجهيزات الطبية للمستشفيات العمومية، فيما تخصّ الاتفاقية الثالثة مشروعًا لدعم المقاولات المتوسطة والصغرى.
ويُعول المغرب على المملكة العربية السعودية لتمتين الخطوات التي قام بها في السنوات الأخيرة على مستوى البنية التحتية وتنمية الاقتصاد، فبعد المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أطلقها في السنوات الأخيرة، كمخطط المغرب الأخضر وسياسة الطاقات المتجددة الطموحة، تبقى حاجة المغرب ماسة إلى تدفق ثابت للأموال بغية تمويل مشاريعه.
يؤكد متابعون أن هذا التقارب السعودي المغربي وموقف السعودية الداعم للمغرب في ملف الصحراء الغربية، إنما هو نكاية في الجزائر، حيث لا يخفى على أحد تململ المسؤولين السعوديين من السياسة الخارجية للجزائر، إذ تشعر المملكة أن واحدة من أكبر الدول العربية تعمل في إطار ما يمكن وصفه بـ”المشروع الإيرانى”.
يقول مراقبون إن السعودية لن تنسى للجزائر موقفها غير الداعم للتحالف الإسلامي وتدخلاته في اليمن وسوريا، وموقفها الرافض لتصنيف منظمة حزب الله اللبنانية كمنظمة إرهابية.
وتحفظت الجزائر على قرار جامعة الدول العربية الأخير بشأن تصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة “إرهابية” كما رفضت المشاركة في التحالف العربي ضد “الحوثيين” في اليمن بقيادة الرياض، واستقبلت منذ أيام وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم كما رفضت المشاركة في “القوة العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب” التي صادقت الجامعة العربية على إنشائها العام الماضي.
وترفض الجزائر أن تشارك بجيشها في تحالفات عربية أو إقليمية أو دولية التزامًا بدستورها الذي ينص على عدم انخراط الجيش الجزائري في أي مهام قتالية خارج الحدود، مما شكّل عقيدة راسخة في السياسة الخارجية، مفادها عدم السماح بخروج قوات مقاتلة جزائرية خارج الوطن، وكان الاستثناء الوحيد في حربي 67 و73، بل إنها اتخذت قرارًا بتعليق تعاونها العسكري والأمني مع جارتها موريتانيا بسبب انضمام الأخيرة للتحالف.
وتزامن الغياب الجزائري عن التحالف الإسلامي مع زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيرى، للجزائر، ولقائه مع مسؤولين بارزين بينهم الرئيس بوتفليقة.
وفي رد على التقارب المغربي السعودي أرسلت الجزائر وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبدالقادر مساهل، إلى العاصمة السورية دمشق، لإعلان تضامن بلاده مع النظام السوري، وتأكيدها أن الحوار هو الآلية الوحيدة لحل الأزمة، وكسرت هذه الزيارة الحظر العربي المفروض على سوريا.
وسبقت هذه الزيارة خطوة جزائرية أخرى تمثلت في استقبال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بدعوة رسمية من نظيره الجزائري، لتكسر بذلك أيضًا حاجز اقتصار زيارات الدبلوماسية السورية على الدول الحليفة وهي روسيا والصين وإيران وبدرجة أقل سلطنة عمان التي تعتبر “دولة محايدة” في الأزمة السورية.
إلى جانب ذلك اتهمت تصريحات جزائرية رسمية المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء تراجع أسعار البترول بشكل مباشر عبر إغراق السوق، في خطوة موجهة بالأساس ضد إيران، وهاجم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر عمار سعداني، صراحة السعودية، واتهمها بأن انخفاض أسعار النفط، مؤامرة من الغرب تنفذها السعودية بهدف تركيع 5 دول هي الجزائر وإيران وروسيا ونيجيريا وفنزويلا.
وفي مسعى لإذابة الجليد أكّد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، أن مواقف الجزائر تجاه بعض القضايا التي تشهدها الساحة العربية نابعة من قناعاتها التاريخية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، موضحًا أن الأمر لا علاقة له بعلاقاتها الثنائية مع الدول العربية، وجاءت توضيحات الرئيس الجزائري، في الرسالة التي حملها وزير الدولة ومستشاره الخاص الطيب بلعيز، إلى ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن الطيب بلعيز المستشار الخاص للرئيس الجزائري، عقب لقاء الملك السعودي قوله أنه جاء إلى الرياض ناقلاً رسالة للملك السعودي من الرئيس بوتفليقة حملت بعض التوضيحات، في إشارة إلى مواقف الجزائر من ملف اليمن وسوريا ورفضها تصنيف الجامعة العربية “حزب الله” اللبناني منظمة إرهابية.
وأضاف مستشار الرئيس بوتفليقة، “قد يبدو للبعض خطأ أن بعض المواقف التي تأخذها الجزائر بشأن عدد من القضايا الساخنة المطروحة على الساحة العربية وحتى الإقليمية تخالف بعض شركائها العرب، غير أن مواقفها هذه راجعة في الأساس إلى موروثها التاريخي منذ الثورة التحريرية القاضي بعدم التدخل في الشأن الداخلي لغيرها من البلدان”.
وأكد الرئيس الجزائري، في رسالته، أن موقف الجزائر يستند أيضًا إلى دساتيرها التي تحظر على قواتها المسلحة أن تتخطي حدود البلاد، وهي إشارة إلى رفض الجزائر الانضمام إلى التحالف العربي الذي يضرب اليمن، ورفض مقترح الجامعة العربية تشكيل قوة عسكرية عربية، غير أن الرئيس الجزائري ذكر بأن “هذا لا يمنع من أن بلاده تقدم مساعدات جد كبيرة في ميادين أخرى”.
كما ذكر الرئيس بوتفليقة، على لسان مستشاره الخاص، بأن الجزائر تتقيد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب، وهي تفضل دائمًا الحلول السياسية السلمية، كما أنها ترفض العنف الذي تؤمن بأنه لا يولد إلا العنف”، في إشارة منه إلى ما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا، وأضاف الرئيس الجزائري أن بلاده تجنح دائمًا لحل المشاكل المطروحة في إطار القنوات الدولية، على غرار هيئة الأمم المتحدة، مضيفًا “وإن كانت تبدو للبعض خطأ، فإنها تختلف في بعض مواقفها مع الدول الشقيقة، فهذا لا يعني على الإطلاق أن هذا الاختلاف يمس بجوهر علاقاتها الثنائية معها’.
ووصفت صحيفة البلاد الجزائرية، إعلان ملك العربية السعودية، دعمه للمغرب في قضية الصحراء، بـ “طعنة سعودية ضد الجزائر”، وأوردت الجريدة ذاتها، أن الدعم السعودي للمغرب، يأتي في سياق برودة العلاقات مع الجزائر، التي تعد أحد داعمي جبهة البوليساريو، وحسب المصدر ذاته، فقد ازداد هذا الجمود الدبلوماسي بسبب موقف الجزائر المتحفظ على تصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية من قبل مجلس التعاون الخليجي وكذا مجلس وزراء الداخلية العرب في اجتماعه الأخير بتونس وهو قرار زكته الرباط.
وتعمل الرباط على استثمار حاجة الجانب الخليجي لحلفاء مؤثرين إقليميًا في حربها المفتوحة مع إيران للعمل على جلب ود الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية والتي تشكل أهمية قصوى للنظام المغربي في ظل اقتصاد مرهون بحاجياته الطاقية للخارج، ويعيش في جزء كبير منه على الديون والمساعدات الخارجية.
وتبقى المساعدات والاستثمارات الاقتصادية الهم والشغل الشاغل للمغرب من الشراكة مع الخليج، حيث بلغ حجم التبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي حوالي ثلاثة مليارات دولارعام 2014، وهو ما يمثل 4.9% من إجمالي التبادل التجاري للمغرب، مقابل 3.6% في 2000، وبلغت واردات المغرب من دول مجلس التعاون الخليجي 2.7 مليار دولار سنة 2014، وهو ما يمثل 6.9% من إجمالي واردات المغرب مقابل 5.3% سنة 2000، وتعتبر المملكة العربية السعودية أول مستورد للصادرات المغربية في منطقة الخليج بنحو مائة مليون دولار، أي ما يعادل 52.4% من إجمالي الصادرات نحو المنطقة.
من جهة أخرى، شكلت مشاركة المغرب في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن الخطوة الأولى في هذه الشراكة المزدهرة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، ففي ظل انسلاخ الولايات المتحدة الأمريكية بشكل تدريجي عن دورها في توفير مظلة أمنية للمنطقة، تبرز حاجة المملكة العربية السعودية وجيرانها من دول الخليج إلى شريك استراتيجي موثوق فيه، يتم اللجوء إليه حين تشتد الأزمات.
وباعتبار العلاقات القوية بين عاهل البلاد وأشقائه في الخليج، فإنه يُنظر إلى الرباط كفاعل مؤثر في معادلة الأمن المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتتكتم الجهات الرسمية في المغرب على عدد من الجنود المغاربة المشاركين في الحرب في اليمن وعن عدد من مات منهم في حرب ليست حربهم، كما أنها تتكتم عن أسباب مشاركتها في هذه الحرب.
ورغم العلاقات المتميزة التي تجمع المغرب بالمملكة العربية السعودية، إلا أنها لم تترجم إلى اندماج قوي لاقتصاد المملكتين على المستوى المؤسساتي، بل ظلت هذه العلاقات مقتصرة على تقديم الدعم المالي للمغرب أو تقديمه الدعم الأمني للسعودية.