مع اشتعال الأوضاع في سوريا وليبيا وتحدي إيران للخليج للتمكن من المنطقة وتراجع أمريكا عن دورها بوصفها الضامن النهائي للاستقرار، كان يجب أن يكون كل هذا فرصة لجامعة الدول العربية لإثبات ذاتها، وبدلاً من ذلك، يبدو أن هذا الكيان ينجرف بشكل أعمق، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حالة من الضياع وفقدان الأهمية والمعنى، كما كتبت مجلة “إيكونوميست” البريطانية في عددها الأخير، ومفهومها للتجديد أن يُستبدل أمينها العام الثمانيني بعجوز سبعيني، في تغيير فارغ بلا قيمة.
كان الهدف من تأسيسها، كما كتبت المجلة، ربط مختلف الدول العربية ببعضها ببعض وبناء قوة عظمى، كما ما فعل “بسمارك” لألمانيا أو “ريسورجينتو” لإيطاليا، وقد تأسست في عام 1945 في القاهرة عندما كانت مصر منارة لمناهضي الإمبريالية، وأسهمت في بروز شخصيات القرن العشرين، من أمثال جمال عبد الناصر وهواري بومدين، حينها حشد العديد من قادة الجامعة العربية الجماهير ضد الحكم الاستعماري البريطاني والفرنسي وأرسلوا جيوشهم في موجات متتالية ضد إسرائيل.
أما اليوم، فصارت بالكاد قادرة على جمع دولها للتصويت، فعندما أصرت مصر على تعيين وزير خارجية آخر متقاعد، أحمد أبو الغيط، أمينًا عامًا للجامعة العربية، فإن دولاً عربية أخرى، قادتها قطر، طالبت ببديل آخر.
ذلك أن أفضل مرشح هو من كان أقرب إلى متوسط العمر العربي، بدلاً من تعيين سبعيني غير جذاب من بقايا عهد مبارك المترهل، والذي خُلع من الحكم بعد أسابيع من الربيع العربي، ومع ذلك، اختير أبو الغيط بالتزكية.
وكتبت أن المشاحنات العربية ليس شيئًا جديدًا، وقد انتُقدت الفجوة بين الخطاب والواقع منذ البداية، حتى إن معركة الجامعة العربية الأولى، حرب فلسطين عام 1948، كانت سيئة التنسيق، كما أن المحاولات المتتالية لتوحيد الأعضاء والقوى ضد إسرائيل تبدَدت بسرعة.
ولكن الآن، وفقًا للمقال، يبدو أن أمرًا ما متعفن، ليس في المؤسسة، وفقط، ولكن أيضًا في فكرتها الأولى، ذلك أن “القومية عفا عليه الزمن”، وفقًا لما نقلته المجلة عن المحلل اللبناني، خير الله خير الله، مضيفًا: “ظهرت استجابة لتحديات الأربعينات من القرن الماضي، ونحن الآن في القرن 21، وعلى هذا، من الواضح أن فكرة القومية العربية قد ماتت”.
اقتصاديًا، لم تتحقق وعود منطقة التجارة الحرة العربية مُطلقًا، إذ لم تتجاوز حجم التجارة ما بين الدول العربية نسبة 10٪، سياسيًا، ما عادت مواجهة إسرائيل، شعارها الأول، تُغري كثيرًا، وأصبحت مقاطعة الكيان الصهيوني في أوروبا أقوى منها بكثير في مناطق الشرق الأوسط، حتى إن بعض الدول العربية سهلت دخول الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين.
كما عاد المستعمر الأجنبي عسكريًا أيضًا، فطائرات أمريكا تسيطر على سماء العراق، وجيرانه من غير العرب يبسطون سيطرتهم على بعض مناطقه والأكراد استقلوا بحكم أنفسهم، إضافة إلى عودة البريطانيين شرق قناة السويس بقاعدة عسكرية في البحرين سيجري تشغيلها في وقت لاحق من هذا العام، وفي القمة الأخيرة لجامعة الدول العربية، انتقد أحد الساسة أن لغتهم هي الأمر الوحيد الذي لا يزال يجمع العرب.
وحتى هذا يبدو الآن تحت التهديد، فبعد ستة عقود من برامج التعريب، تخلت المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال إفريقيا عن هذا الجهد، مما أثار استياء رئيس وزراء الإسلامي للمغرب إزاء الاعتماد مجددًا على الفرنسية كلغة تدريس العلوم والرياضيات، كما أعلنت الجزائر اللهجة الأمازيغية، لسان البربر الأصليين، لغة رسمية، وربما تُكتب بالأحرف اللاتينية.
ويظهر أن المستعمرات البريطانية السابقة في الشرق الأوسط تفعل الشيء نفسه مع اللغة الإنجليزية، وقد أظهر استطلاع أخير في العام الماضي أن الشباب العربي في الخليج يستخدم اللغة الإنجليزية بشكل متكرر أكثر من العربية.
ورأت المجلة أن الجامعة العربية ليست وحدها في صراع مع نهاية عصر الأبطال وتآكل الأيديولوجية الجامعة بعد تنامي المدَ الوطني، ولكن على عكس الاتحاد الأوروبي، فقد فشلت في إيجاد آلية لإدارة الخلافات، وهي مشلولة أيضًا بسبب الخلافات الطائفية والإقليمية.
ومن الدلائل التي تحدثت عنها المجلة لإبراز موت الجامعة وفكرتها القومية، هو دعوة مناهضي الاستعمار، سابقًا، القوى الأوروبية لترتيب الفوضى في البلاد العربية، وفي ليبيا، علت الأصوات التي تطالب القوى الغربية بإرسال طائرات حربية، كما رفض المغرب استضافة قمة ميتة آخر مارس الماضي، ولعل الاستخدام الحقيقي الوحيد الذي تصلح له جامعة الدول العربية في هذه الأيام أن تتحول إلى دار للسياسيين المتقاعدين في مصر.
المصدر: العصر