يفعل الرجل الوسيم الكثير والكثير، فهو عضو في مجالس إدارة عدد لا ينتهي من الشركات؛ كما يترأس مجلس إدارة ثلاثة من أكثر الشركات شهرة في عالم التكنولوجيا، SpaceX و Tesla Motors و SolarCity.
قد يكون إيلون ماسك هو الشخصية الأشهر على الإطلاق في عالم التكنولوجيا، إذا جعلك تنوع مشاريعه لا تعلم ما يتخصص فيه تحديدًا فلك كل الحق؛ فالرجل الأربعيني تخرج كمتخصص في الفيزياء التطبيقية، إلا أن أغلب ما يقوم به ينتمي لحقول الهندسة والاستثمار واستشراف المستقبل، والحقل الأخير تحديدًا قد يكون هو مجال تفوق ماسك الذي لم يفوقه فيه أحد.
تمتاز مثيرة ماسك بمجموعة من الرهانات المجنونة، إذ غالبًا ما تبدأ مشاريع ماسك كتصور مستقبلي لتغيير شكل صناعة من الصناعات بشكل تام، إلا أن المشكلة التي تتكرر كل مرة أن هذه الصناعات تكون ذات قوة وهيمنة كبيرة في صورتها الحالية، أي أنها قد لا ترحب بالتغيير تمامًا، إلا أن ماسك أثبت في كل مرة أنه قادر على كسب الرهان وتغيير العالم بشكل ما.
كما يعرف ماسك كداعم قوي للتعاون الصناعي والتكنولوجيا مفتوحة المصدر، إذ لم يكتفي بفتح كل ممتلكات شركة تسلا للسيارات الكهربائية لكل من يود استخدامها مجانًا؛ إلا أنه قام بالتبرع بمشروع نقل عام يسمى Hyperloop ووعد بدعم كل من سيعمل عليه، يطمح هذا المشروع إلى خلق أسرع طرق النقل العام وأكثرها اقتصادية في نظام قد تصل سرعته إلى أكثر من 1200 كيلومتر في الساعة.
نحاول أن نبدأ في تتبع مسيرة ماسك ومحاولته لتغيير العالم على حد قوله عبر أكبر مشاريعه وشركاته أثرًا؛ وفقط عبر مثل هذه النظرة نستطيع فعلًا لأي مدى قام ماسك بتغيير العالم
PayPal
عام 2000؛ قبل أن يكمل ماسك عامه الثلاثين، كانت شركته الثانية قد قامت بالفعل بالاستحواذ على خدمة صغيرة جدًا لنقل الأموال عبر الانترنت تسمى PayPal، كانت الخدمة محدودة وشديدة البدائية، كما أنها كانت ذات أهمية محدودة في مشهد تستحوذ عليه البنوك وشركات البطاقات المصرفية العملاقة، إلا أن ماسك صرح بوضوح أنه يريد لباي بال أن يصبح وسيلة الانترنت الأولى في الدفع وتبادل الأموال.
في بداية الأمر استخفت شركات البطاقات المصرفية بتهديد الشبكة التي بدأ ماسك في بناءها، إلا أنه وعبر التغلغل في أحد أنجح مواقع التسوق عبر الانترنت (ebay)؛ تمكن ماسك من تدعيم الاعتماد على باي بال كالوسيلة الأسرع والأقل كلفة في تبادل الأموال في صورة مبالغ صغيرة ومتناهية الصغر.
انتهى الأمر بماسك في العم 2002 –أي بعد أقل من عامين على استحواذه على الشركة- بائعًا باي بال إلى إي باي مقابل أكثر من مليار ونصف دولار؛ لأن ببساطة أصبح وجود إي باي بدون باي بال لا يمكن تخيله، ولأن ماسك الذي نجح بالفعل في تغيير الطرق التي يدفع به العالم الأموال كان يريد أن يبدأ في تغيير العالم في مجال آخر.
SpaceX
عام 2002؛ استخدم ماسك 100 مليون دولار من ثروته الشخصية للبدء في تحقيق حلم قديم له، حلم بدأ في تخيله عام 2001 فيما سماه “واحة المريخ”، وهو ببساطة محاولة لخلق بيئة مناسبة لاستضافة الحياة البشرية على المريخ، أسس ماسك شركة SpaceX بهدف واحد في رأسه، جعل السفر إلى الفضاء واقع لا يحتاج إلى استثمارات جنونية ولا مركبات فضائية لا يعاد استخدامها، وحدد ذلك بقيام شركته بتحقيق هدفين محددين: 1- تخفيض تكلفة سفر الفرد إلى الفضاء عشر مرات، 2- تحقيق تواجد أول مستعمرة بشرية على المريخ عام 2040.
تبدو الأهداف السابقة وكأنها تخرج من رواية أو فيلم خيال علمي، إلا يكفيك أن تعرف أن بحلول عام 2012 كانت SpaceX أكبر وأنجح الشركات المنتجة للمحركات الصاروخية في العالم، سابقة بذلك شركات عملاقة طالما استفادت من عدم اقتصادية تكنولوجيا الفضاء كبوينج ولوكهيد مارتن، كما نجحت الشركة منذ بضع أسابيع في إعادة إطلاق أول صاروخ من طراز فالكون تم إطلاقه سابقًا وإعادة هبوطه آمنًا على سفينة بدون طاقم في وسط المحيط، في السابق كانت كل الصواريخ وكبسولات الفضاء تستخدم لمرة واحدة فقط، نجح ماسك في إنهاء هذه المشكلة وجعل إمكانية السفر في الفضاء واقعًا يمكن تحقيقه اقتصاديًا.
Tesla Motors
آخر رهانات ماسك المجنونة التي فاجئ بها العالم، تواجدت شركة تسلا للسيارات الكهربائية منذ عام 2003، إلا أن ماسك سيطر عليها بعد انهيارها عام 2008 مع الأزمة الاقتصادية، لم تكن الشركة قد بدأت في إنتاج أي سيارة قبل أن يسيطر عليها ماسك، إلا أنها اليوم تنتج ثلاث موديلات هي الأكثر مبيعًا حول العالم في فئة السيارات الكهربائية.
آمن ماسك تمامًا في كون السيارات الكهربائية هي مستقبل السيارات، أي أنها ليست مجرد نوع آخر من السيارات؛ بل إنها ستصبح “السيارة” في المستقبل القريب، ولذلك ومرة أخرى بدأ ماسك في سكب أمواله الخاصة في أصول الشركة مؤمنًا أن واجب تسلا ليس فقط في صنع سيارات كهربائية جيدة، وإنما في خلق واقع كامل للسيارات الكهربائية، واقع وسياق وثقافة كتلك المتواجدة في حالة السيارات البترولية التي نستخدمها بشكل يومي، واقع يمكن لك أن تقوم بصيانة سيارتك فيه عند أي فني سيارات بسهولة أو تقوم بتعبئة خزان سيارتك في أي مكان، لذلك لم يستثمر ماسك في صنع سيارة ممتازة وحسب؛ وإنما في كل ما يتعلق بالسيارات الكهربائية من تكنولوجيا كتكنولوجيا الشحن والبطاريات والتدريب كتدريب أي فني يرغب في تعلم صيانة سيارات تسلا مجانًا.
اليوم يمكن لأي طالب أو مهندس أو حتى فرد طبيعي أن يدخل إلى خزانة براءات اختراع تسلا بشكل مجاني ويقوم بالتعديل عليها والابتكار، وقد فسر ماسك ذلك بأن العالم ما زال لا يرى السيارات الكهربائية كالـ “السيارة”، ولأن هذه المهمة أكبر بكثير من تسلا؛ فإن واجب تسلا أن تدعم الابتكار لا أن تبحث عن المكاسب عبر الإغلاق على الإبداع كأسرار ورؤوس أموال تباع وتشترى.
فالهدف في نهاية الأمر هو تغيير العالم؛ ولا مانع من كسب الكثير من الأموال في الطريق، فكيف يغير ماسك العالم غدًا؟