لم يكن التصريح الذي أدلى به الدكتور عمر الفاروق قرقماز، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا، قبل بضعة أيام، واتهامه لهم بأن سياساتهم سوف تؤدي إلى تقويض الديمقراطية في تركيا، بجديد، فقط هو عبر صراحةً وعلانية عن أزمة حقيقية تدور في الداخل التركي منذ فترة، ووصلت إلى حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ذاته.
انتقادات قرقماز للإخوان المصريين المتواجدين في تركيا جاءت خلال لقاء تليفزيوني مع فضائية “الحوار” التي تبث من العاصمة البريطانية لندن، ويملكها مكتب لندن التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يدعم ما يعرف بجبهة عزت في تنظيم إخوان مصر، في إشارة إلى الجناح الذي يسيطر عليه القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، الدكتور محمود عزت، والأمين العام للجماعة، الدكتور محمود حسين.
قرقماز أشار في تصريحاته إلى من وصفهم بـ “بعض الأطراف الصغيرة من المتواجدين فى تركيا”، ولكنه لم يصفهم بالاسم، إلا أنه قال: “من يريد أن يساعد أو يخدم المصالح التركية من إخواننا العرب، أتمنى ألا يتجاوز سياسة حزب “العدالة والتنمية” (..) هناك نعرات وشعارات أكثر بكثير من حجم تركيا عند بعض إخوتنا العرب، وبالتالي هذا يجعل بعض الأصدقاء الغربيين يخافون من تركيا أكثر من اللزوم، فتركيا دولة وطنية في نهاية المطاف، دولة ديمقراطية وستبقى ديمقراطية ولن تتجاوز المعايير الإنسانية ولا المعايير الدولية”.
وقال إن ما وصفه بـ”المشروع” الذي نادت به هذه المجموعة “فشل وأفشل المشروع الديمقراطي في بلدهم، ولا أريدهم أن يُفْشِلوا المشروع الديمقراطي في تركيا”.
تصريحات قرقماز جاءت بعد مهرجان حاشد عقدته بعض الأوساط المصرية والعربية، من الإخوان المسلمين أساسًا، وبعض المتعاطفين معهم، في تركيا، تحت عنوان: “شكرًا تركيا”، من أجل “رد الجَميل لتركيا وأردوغان”، بحسب بعض المقالات والبيانات التي صدرت عن الجهات التي أقامت فاعليات المهرجان، الذي حضرته قيادات من جماعات وتنظيمات قُطْرية محسوبة على الإخوان المسلمين، ومن بينهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي ينص ميثاقها التأسيسي على أنها تنظيم الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، ولهذا الأمر أهمية سوف نشير إليها فيما بعد.
ربما يكون صوت قرقماز كان هو الأعلى، إلا أنه لم يكن الوحيد الذي علا في الآونة الأخيرة، فقبله نُشِر تصريح مهم للبروفيسور ياسين أقطاي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية”، قال فيه إن “الأتراك ينتخبون حزبه لأنهم رأوا فيه حزبًا وطنيًّا بالأساس يحرص رجاله على قوة تركيا ومصالحها”، وطالب “العرب الموجودين في تركيا والمعارضين لسلطات بلادهم” بأن “يكون ولاؤهم لأوطانهم أولاً”.
تصريحات قرقماز جاءت بعد مهرجان حاشد عقدته بعض الأوساط المصرية والعربية، من الإخوان المسلمين أساسًا، وبعض المتعاطفين معهم، في تركيا، تحت عنوان: “شكرًا تركيا”، من أجل “رد الجَميل لتركيا وأردوغان”
وربما لا يكون تصريح أو اثنان مُعبِّران بدقة عن حالة عامة، إلا أن هناك الكثير من الخلفيات التي جاءت فيها، أهمها هو موضوع صعود نبرة “دولة الخلافة” في الآونة الأخيرة في تركيا، وأن أردوغان يسعى إلى تعديل الدستور التركي، لتحويل الدولة التركية إلى النظام الرئاسي، يقوده هو لكي يكون “خليفة عثماني” جديد.
وأيًّا كان صحة ذلك من عدمه، فالصورة المتداولة إعلاميًّا في بعض المنابر التي تدعم الشرعية في مصر، وتعمل من تركيا، تروج لهذه الصورة، بجانب أن تصريحات أردوغان نفسه عن هوية بلاده العثمانية وسعيه إلى استعادتها، واضحة وعلنية.
وهو المقصد الأساسي لعبارات قرقماز وأقطاي حول أن تركيا “دولة وطنية” وأن هناك “نعرات وشعارات أكثر بكثير من حجم تركيا (..) وبالتالي هذا يجعل بعض الأصدقاء الغربيين يخافون من تركيا أكثر من اللزوم”، وأن الشعب التركي انتخب حزب العدالة والتنمية لأنه يرى فيه “حزبًا وطنيًّا بالأساس”.
المهم، وبالعودة إلى الإطار العام للصورة وخلفياتها، فمنذ فترة يتداول بعض العائدين من تركيا أو المقيمين فيها، وقائع تعرض لها بعض المصريين والسوريين خصوصًا، والعرب بشكل عام، في تركيا، لحالات سوء معاملة على أيدي الشرطة التركية.
ويقول البعض إن هذه الحالات باتت كثيرة، وتكاد أن تكون شبه يومية، مع تصاعد النبرة القومية في تركيا في الفترة الأخيرة نتيجة غضب بعض الشرائح إزاء سياسات الاستيعاب التي يقف خلفها بالأساس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لملايين الفارين من أوطانهم في العالم العربي والإسلامي، لظروف الأزمات والحروب، أو لأسباب سياسية تتعلق بأردوغان وخصوماته التي تحولت إلى ما يشبه الخصومات الشخصية مع بعض الأنظمة في المنطقة، وهو ما سوف نعود إليه.
المهم أن بعض هذه الحالات، أخذت صورًا عنيفة وعلنية، ومن بينها واقعة شهيرة بعض الشيء قام فيها بعض الطلبة الشيوعيين والقوميين الأتراك، بالاعتداء على طلبة عرب، أمام مسجد جامعة الشرق الأوسط التقنية في العاصمة التركية أنقرة، في ديسمبر الماضي، وقيامهم بإغلاق المصلى الوحيد في الجامعة، ردًّا على سعي الطلبة العرب إلى إقامة مصلَّى آخر، بسبب زيادة عددهم عن قدرة المصلى القديم على استيعابهم، وكان اللافت في هذه الواقعة أنها جرت تحت عين وسمع إدارة الجامعة، من دون رد فِعْلٍ من جانبها.
عبد الله جول وخلفيات أبعد للأزمة
في الرابع عشر من أغسطس من العام 2014م، جرت أول انتخابات رئاسية شعبية في تركيا، وفاز بها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، مما أدى إلى قبوع شريكه في التجربة الحالية في تركيا عبد الله جول، في الظل.
كان وجه الانتقاد الأكبر الذي وُجِّه لأردوغان هو لسياساته إزاء الانقلاب في مصر والحرب الدائرة في سوريا
لم يكن ركون جول في الظل وليد انتهاء مهمته السياسية بانتهاء فترته الرئاسية، ولكنه بسبب خلافات مع أردوغان حول طريقة إدارة الأخير لسياسات البلاد الخارجية، والتي كانت قد بدأت تؤتي ثمارًا مُرَّة بالنسبة لتركيا على المستويَيْن السياسي والأمني، وخصوصًا في الإقليم والمجال الجيوسياسي الحيوي لتركيا.
انتقادات جول التي خرجت إلى العلن، من مجرد كونها نقاشات داخلية انصبت على أثر الطريقة التي أدار بها أردوغان سياسات تركيا في الداخل والخارج، وخصوصًا فيما يتعلق بأمرَيْن، الأول الديمقراطية العلمانية المعمول بها في تركيا، والتي ارتضى بها أردوغان نفسه كأساس لخوضه غمار عملية السياسة والحكم، والثاني، الطريقة التي وجه بها أردوغان دعمه ودعم بلاده للربيع العربي، وخصوصًا في الملفَّيْن السوري والتركي.
في الجانب الداخلي، سعى أردوغان إلى استعادة وجه تركيا الإسلامي، وهذا أمر محمود له، ولكنه قام به بشكل مثَّل انعطافة حادة وغير متوقعة لحكومته وحزبه، واللذَيْن سبق وأن أعلنا التزامهما بهوية البلاد العلمانية التي نص عليها الدستور التركي الحالي.
لم يكن ركون جول في الظل وليد انتهاء مهمته السياسية بانتهاء فترته الرئاسية، ولكنه بسبب خلافات مع أردوغان حول طريقة إدارة الأخير لسياسات البلاد الخارجية، والتي كانت قد بدأت تؤتي ثمارًا مُرَّة بالنسبة لتركيا على المستويَيْن السياسي والأمني
وكذلك كان حديث أردوغان صراحةً عن الخلافة العثمانية كأساسٍ للهوية التركية، يتناقض تمامًا مع الهوية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك للبلاد قبل ما يقرب من تسعة عقود، داعيًا إلى دستور جديد للبلاد، يحولها من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي يقوده أردوغان، مما أثار قلق الكثير من أركان الدولة والمجتمع في هذا البلد، وقاد إلى تصاعد الاحتجاجات في الداخل التركي.
وهنا نشير إلى مظاهرات فضتها الشرطة التركية مؤخرًا لعلمانيين وجمهوريين، اعتراضًا على تصريحات لرئيس البرلمان التركي إسماعيل قهرمان، قال فيها إنه ينبغي على تركيا اعتماد دستور إسلامي، وأنه “لا مكان للعلمانية في هذا الدستور”.
وهو تصريح خطير فعلاً وجزء من الأزمة الراهنة في تركيا حول قضية الهوية، ويُعتبر وجود الإخوان المصريين في تركيا وكذلك ملف اللاجئين السوريين، جزءًا منها، لدرجة أن محللي بعض القنوات الإخبارية الدولية مثل “فرانس 24″، قالوا بأن الأمر قد يقود إلى حرب أهلية في تركيا، أوسع من تلك الموجودة في الجنوب الشرقي للبلاد، مع حزب العمال الكردستاني، حاليًا.
في الخارج، كان لتأييد أردوغان لثورات الربيع العربي، بالشكل الذي تعارض وبشدة مع مصالح أطراف أخرى فاعلة في الإقليم مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، دورًا كبيرًا في خسارة تركيا للكثير من النفوذ الإقليمي الذي كانت قد اكستبته في السنوات الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان نفسه.
مثَّل ذلك فشلاً كبيرًا للصورة الرومانسية المثالية التي رسمها البروفيسور أحمد داوود أوغلو، خلال الفترة الأولى لصعود نجم حزب العدالة والتنمية، لتجربة تركيا تحت حكم الحزب، والتي تصورها أوغلو بعد بضعة سنوات، سوف تستعيد فيها تركيا الحركة الطورانية التي ظهرت في أوخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كحركة قومية متطرفة، كان لها أهم الأدوار مع حزب الاتحاد والترقي في بذر بذور انهيار الدولة العثمانية.
وتمثل هذه الحركة بالنسبة لتركيا مجالها الحيوي الأهم، وتضم القوميات والدول التي تتكلم التركية أو لها جذور تركية، كما أذربيجان والأويجور في تركستان الشرقية ومناطق الشرق الأقصى لأوروبا المتاخمة لتركيا.
وكان وجه الانتقاد الأكبر الذي وُجِّه لأردوغان هو لسياساته إزاء الانقلاب في مصر والحرب الدائرة في سوريا؛ حيث قادت سياساته في الملف الأول إلى تبني تركيا لمواقف أثارت مخاوف الغرب كما عبر قرقماز وبعض قادة حزبه في فترات سابقة، مع ارتباط بعض الإخوان المصريين في تركيا وقنوات دعم الشرعية بمواقف تدعو إلى تبني العنف في مواجهة الانقلاب في مصر.
لكن سياساته في الملف السوري، كانت ربما هي الأهم، وكانت وراء الأزمة الراهنة بين “بعض” الأتراك وبين السوريين والعرب العرب عمومًا في تركيا، ومن ضمنها تأتي أزمة الإخوان المصريين في تركيا.
كان للدعم التركي المباشر والذي أشرف عليه أردوغان شخصيًّا، لأطراف في المعارضة السورية المسلحة، وتبنيه سياسة الباب المفتوح لدخول السوريين إلى الأراضي، دورًا مهمًّا في حدوث مشكلات أمنية عديدة داخل تركيا.
ومع تصاعد نبرة القوميين الأتراك، ولجوء أردوغان إلى أساليب سياسية معينة لاستقطابهم في انتخابات نوفمبر 2015م، بعد أزمة الجولة الأولى، في يونيو السابق عليه، كان تفجر الحرب الحالية مع الأكراد، والتي طالت قلب الأرض التركية، وأدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص، وتشريد 400 ألف آخرين في المناطق الجنوبية الشرقية للبلاد، في تفريط مروع بالفعل في إنجاز سبق لأردوغان نفسه أن حققه، عندما أطلق عملية سلام مع الأكراد، في العام 2013م.
ثم كان تأخر قرار التدخل العسكري في شمال سوريا لإقامة منطقة آمنة، مما مكَّن أكراد سوريا، وتحديدًا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني “بي. واي. دي” الظهير السوري لحزب العمال الكردستاني التركي “بي. بي. كيه”، من السيطرة على مناطق مجاورة لجنوب شرق تركيا الكردي.
هذا القرار قاد الدولة التركية إلى المزيد من القرارات العسكرية والأمنية في الملف الكردي، قاد بدوره لتعميق الأزمة الأمنية في الداخل، وصارت التفجيرات شبه يومية في تركيا، حتى المدن الكبرى ذات الأهمية للقطاع السياحي المهم بدوره للاقتصاد التركي، مما قاد إلى تراجع بنسبة 12.5% في مستوى السياحة الوافدة إلى تركيا، مما أدى لتضرر الاقتصاد التركي، خصوصًا مع العقوبات الروسية على خلفية أزمة إسقاط الدفاعات الجوية التركية للسوخوي الروسية في نوفمبر الماضي.
في إطار مواجهة ملف الأكراد، عمد أردوغان إلى تبني خطاب قومي عميق، دعم من حضور الروح القومية التركية التي كانت قد بدأت تضيق ذرعًا بالعرب ومشكلاتهم التي جلبوها معهم إلى تركيا، كما تقدَّم.
أردوغان وأشباح الخلفيات الإخوانية!
نعود إلى نقطة مهمة أثرناها في البداية، وهي مهرجان “شكرًا تركيا”، وحضور شخصيات مثل خالد مشعل لها.
بلا مراء، ومن دون أية مواربة، كان المهرجان إخوانيًّا بامتياز، وكان حضور مشعل وشخصيات أخرى تنتمي إلى تنظيمات وأحزاب تعرِّف نفسها على أنها الإخوان المسلمين في بلادها، وعلى معرفتنا بتصاعد الضيق داخل الحزب الحاكم في تركيا، قبل أكثر من عامين، بأعباء وجود رموز المعارضة الإخوانية المصرية في تركيا ورعاية أردوغان الشخصية لهم وهو رمز الدولة التركية، فإن ذلك مثَّل قشَّة مهمة قسمت ظهر بعير صبر القوميين والعلمانيين الأتراك.
وكذلك قسمت ظهر بعير صبر قيادات الحزب الحاكم التي ترى تجربتها تتفكك، بسبب خلفيات أردوغان الإخوانية، والتي اتفقت النخبة التي بدأ معها – مثل عبد الله جول – على أن تنحيها جانبًا، عندما انفصلت عن حزب الفضيلة الذي أسسه القطب الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، في التسعينات الماضية، ووصل به إلى منصب رئيس الوزراء في العام 1996م، قبل انقلاب الجيش عليه في العام 1997م.
كان الاتفاق عند تأسيس الحزب في بداية الألفية الجديدة، هو الانطلاق من روح الدستور العلماني لتركيا، والتنصل من جذور أربكان الإخوانية، وتقديم وجه جديد للحزب، يمكن معه التحدث مع الجمهور التركي، وكذلك أوروبا والمجال الجيوسياسي الحيوي لتركيا.
إلا أنه، وكأمور كثيرة في التجربة؛ تعرض هذا الاتفاق إلى انتكاسة بسبب وجود الإخوان المصريين في تركيا، بخطاب وفتاوى لبعضهم، تدعو للعنف وتصور تركيا على أنها سوف تكون هي منطلق استعادة دولة الخلافة الجامعة.
كل ذلك أدخل الإخوان المصريين وأنشطتهم في تركيا، أو التي تنطلق من تركيا، وتتخذ منها نقطة أساس وحشد وتعبئة لها، في أزمة حقيقية، أخذت مظاهرها بشكل علني في تصريحات قرقماز وأقطاي.
وعمَّق من الأزمة، بحسب مصادر خاصة، أزمة الانقسامات الحاصلة في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وظهور جناح أكثر راديكالية منها، يقيم في تركيا بالأساس، وعدم قدرة الجماعة على طرح نفسها كبديل للنظام الحالي في مصر، يمكن دعمه، مما يعني أن أي جهد تركي رسمي في دعم الموجودين في تركيا من الإخوان، سوف يذهب أدراج الريح، ولن يؤدي إلا إلى تعميق أزمة تركيا مع الحلفاء الخليجيين للنظام المصري وأهمهم السعودية والإمارات، في الوقت الذي تعاني فيه تركيا من عزلة إقليمية متنامية، وربما لولا ملف اللاجئين السوريين لدخلت علاقات تركيا مع أوروبا في ثلاجة التجميد!
هذه باختصار غير مخلٍّ، الصورة العامة التي تأتي في إطارها التصريحات الأخيرة، والتي وإن بقي أية دلالات لها، فهي أن هناك خلل حقيقي لدى الإخوان المصريين في رسم سياساتهم في التعامل مع الموقف، حيث لم يتم الوضع في الاعتبار أن تتخلى عنهم تركيا، أو تضيق بهم ذرعًا.
وهذا خطأ استراتيجي فادح، لأنه قاد إلى ارتكان غير رشيد على الحليف التركي، وبالتالي لم يعمل الإخوان على دمج أنفسهم في سياسات المحاور والتحالفات الحالية في الإقليم، وكان أجدى بهم أن يعملوا على أن يضعوا بينهم وبين الحكومة التركية الحالية مسافة، على الأقل تحسبًا لمفاجآت الانتخابات، وهو ما كاد أن يحدث في يونيو 2015م فعلاً.
كما أنهم في المقابل، لم يعملوا على تدعيم عناصر القوة الذاتية للجماعة، وتحملوا في سبيل ذلك، سياسات ومواقف تركيا الرسمية التي تتقارب مع إيران، في إطار ملف من أهم ملفات الأمن القومي التركي، وهو وحدة الأراضي السورية والعراقية، حيث إن أي تفكُّك للدولة القومية في كلا البلدَيْن؛ يعني دولة كردية تقضي بدورها على وحدة الأراضي الترابية التركية.
هذا التقارب التركي مع إيران في مقابل التباعد مع مصر، أدى إلى خسارة الإخوان للسعودية تمامًا، وهذا شديد الوضوح في الحملة الراهنة على الإخوان في الصحف السعودية، بعد موقف الإخوان المصريين المقيمين في تركيا، السلبي من زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود واتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودي.
وكلها أخطاء استراتيجية يبدو أن عوارض الزمن والظروف والملابسات المستجدة والمعقدة في المنطقة، كانت وراءها، وتدلل بوضوح على افتقار العديدين داخل الحركة الإسلامية المصرية، لأية رؤية استراتيجية في إدارة الأمور، ترى عمق الزمن القادم، وتتنبأ بعوارضه المفاجئة!