للعام الثاني على التوالي، تحرز الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس فوزًا في انتخابات اتحاد مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، لتحصل على 25 مقعدًا من أصل 51، مقابل 21 مقعدًا للشبيبة الذراع الطلابي لحركة فتح، و5 مقاعد لليسار.
لم يكن فوز الكتلة الإسلامية اكتسب بعدًا نقابيًا، بل سياسيًا وجماهيريًا أيضًا، حيث مثّل صدمة لحركة فتح ولذراعها الطلابي، والتي سخرت كل مؤسساتها وأركانها لتحقيقه، رغم محاولاتها المتعددة لاجتثاث الكتلة الإسلامية باعتقال عناصرها وملاحقة مناصريها، ليعكس الفوز من وجهة نظر بعض كوادر فتح تقدمًا في حركة الشبيبة الطلابية، فقد عبر رئيس اللجنة الإعلامية في مفوضية التعبئة والتنظيم، منير الجاغوب، في صفحته على الفيس بوك قائلًا، “انتخابات مجلس الطلبة الدورة الماضية في جامعة بيرزيت حصلت الكتلة الاسلامية على 3400 صوت مقابل 2545، بينما هذه الدورة 3481 صوتًا لصالح الكتلة الاسلامية مقابل 3035 للشبيبة، وبهذا تقرأ نتائج الانتخابات تقدم الشبيبة الطلابية بـ490 صوتًا عن الدورة الماضية وتقدم الكتلة بـ81 صوتًا عن الدورة الماضية”، بينما اعتبرت حركة حماس فوز الكتلة الإسلامية انتصارًا لتيار المقاومة والثوابت والتمسك بالأرض.
وفي حديث لموقع نون بوست، أشار الكاتب ياسين عز الدين بأن انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في جامعات الضفة عمومًا و”بيرزيت” خاصة، أكثر من مجرد نشاطات نقابية، بل لها دور سياسي ومقاوم محوري، ويشير إلى أنه منذ عام 2005 قررت مخابرات الاحتلال تبني مشروع الضفة فتحستان، وغزة حماستان.
ويتابع عز الدين، بأن الاحتلال حرص على مشروع تحويل الضفة إلى مزرعة فتحاوية، ليس حبًا في فتح ولا كرهًا في حماس، بل لأن فتح تمثل الخيار القابل للانقياد لأوامر وسياسة الاحتلال، في الوقت الذي تمثل فيه حماس خيار المقاومة، وفي مرحلة لاحقة سيتخلص الاحتلال من دولة “فتحستان” من أجل ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني وتعزيز المشروع الاستيطاني.
ويلفت بأنه ضمن هذا المشروع كان يجب القضاء على كل ما له صلة بحركة حماس في الضفة بما فيه نفسيات وعقول الناس، وهذا يبدو واضحًا بإغلاق المؤسسات والهيئات العاملة، ملاحقة نشطاء حماس، وتشجيع الهجرة إلى خارج فلسطين.
ويشير بأنه في ضوء هذه المعادلة، بقيت الكتلة الإسلامية هي الجسم الوحيد المتبقي لحماس في الضفة، ولهذا كانت مشاركتها بالانتخابات غير مقبولة صهيونيًا، حيث يعني ذلك استمرار وجود حماس ومشروع المقاومة في الضفة، فمشاركة الكتلة الإسلامية وفوزها يعني المزيد من أنصار حماس، والمزيد من أنصار المقاومة، وهؤلاء الأنصار يصبحون قاعدة للتجند في حماس والقسام وتنفيذ عمليات فردية وغير ذلك، والجو العام في الضفة يتحول نحو المزيد من المقاومة؛ لهذا نفسر سبب صدور قرار عسكري من الاحتلال عام 1992 يعتبر الكتلة الإسلامية منظمة خارجة عن القانون، وبهذه التهمة حوكم عشرات الآلاف من أبناء الكتلة خلال السنوات الـ25 الماضية.
في السياق ذاته، يرى الكاتب ساري عرابي بأن فوز الكتلة الإسلامية ينتظم مع انتفاضة القدس وإضراب المعلمين؛ كمحاولة جادة من الفلسطينيين لامتلاك المبادرة بما يتجاوز السلطة السياسية، ويأتي تعبيرًا عن الضيق الشعبي بالسلطة وسياساتها، ليقدم الفوز معنى جديدًا يفيد استحالة استئصال التيار الإسلامي، باعتباره تيار شعبي متجذر في مجتمعاتنا، وقد سبقت محاولات استئصال حركة حماس في الضفة الغربية، عمليات استئصال الإسلاميين الجارية الآن في الإقليم العربي.
ويتابع عرابي، “الكتلة قطفت في النهاية ثمرة نضالها المثير للإعجاب في مواجهة حملات الاستئصال المركزة، وقدمت أداءً نقابيًا مقنعًا للطالب، وتمكنت من الفصل بين أدوارها المتعددة بين ما تمثله من تصور إسلامي وموقف سياسي ودور نقابي، فخففت من أدلجتها حيثما وجب ذلك، وباتت أكثر قدرة على استيعاب الجميع بما يليق بها ككتلة نقابية، وامتداد لحركة تحرر وطني، ثم هي الكتلة التي قدمت العديد من كوادر صفها الأول معتقلين لدى الاحتلال، بما في ذلك رئيس مجلس الطلبة، بعدما قادت عبر رئاستها للمجلس الفعاليات الشعبية الأهم في انتفاضة القدس، في استعادة رائدة للدور القيادي الذي لعبته الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت في هبات وانتفاضات الشعب الفلسطيني منذ ما قبل الانتفاضة الأولى وحتى نهاية الانتفاضة الثانية.”
وفي محاولة لتفسير نتائج انتخابات بيرزيت، لفت عرابي أن “انتخابات هذا العام كرست نتيجة العام السابق، بالرغم من انعدام الحدث الفارق الذي يمكنه أن يمنح حماس الدفعة الكبيرة التي أخذتها بفضل الحرب السابقة، وهو ما يعني أن وعي الشرائح الشابة في الضفة الغربية، قد أخذ بالتجدد والتحرر خطوة فخطوة من الوعي الزائف الذي خلقته أحداث الانقسام في غزة عام 2007، وبكلمة أخرى عادت حماس بالتدريج لتحتل موقع حركة المقاومة في الوعي الفلسطيني، أكثر من موقعها كحركة تنافس على السلطة، في مقابل الحركة التي قادت مشروع السلطة السياسي وتماهت معها وارتبطت بها عضويًا”.
وحول خطاب كل من كتلتي التنافس، ينوه أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل دكتور بلال الشوبكي، بأن خطاب الشبيبة الفتحاوية يتجاهل قدرة الطلبة على إيجاد الفروق بين خطاب القيادة الطلابية والقيادة السياسية، والذي شكل مأزقًا للشبيبة التي تغلّب الجانب السياسي على النقابي في خطابها، فرغم محاولة إحياء مفردات ذات صيغة مناوئة للاحتلال بل وصيغة تتبنى العنف بصورة لا تنسجم إطلاقًا مع الحركة “فتح” الأم، لا سيما في ظل التنسيق الأمني ومحاولات الأجهزة الأمنية الفلسطينية الإجهاز على المقاومة ومنع العمليات الفردية.
وبهذا يصبح الخطاب الكلي لحركة الشبيبة محل تشكيك من الطلبة، وربما هذا الأمر أدركته الشبيبة جزئيًا حين استخدمت مفردات قديمة ورموز قديمة وتجاهلت رموزها الحالية، “أي أنها تنبهت إلى الفجوة الماثلة بين خطاب قيادتها ونبض الشارع لكنها لم تحاول بناء الجسور، بل عملت على إنكار الفجوة”.
ويضيف الشوبكي، بينما الكتلة الإسلامية تسير باتجاه آخر، تقوم باستدعاء إنجازات المقاومة إلى ساحات الجامعة، بالإضافة إلى الاعتداءات على أفرادها من قِبل الأجهزة الأمنية والاحتلال، لتطرحها في ساحة المنافسة كمؤشر على الصوابية والمظلومية، وإن حققت منفعة حين استدعت الانجازات، إلا أنها قد تضر بنفسها حين تستدعي الاعتداءات عليها خصوصًا حين الحديث عن العلاقة مع السلطة، فالفئة المستهدفة من الخطاب هي الفئة المترددة اللافظة لكل ملامح الانقسام، والتي ترى في تصريحات المظلومية مناكفة فصائلية؛ لهذا يبدو خطاب الكتلة لدى هذه الشريحة مبالغًا فيه.
وفيما يتعلق بجدوى “المناظرة” الطلابية التي تسبق الاقتراع في تحقيق الفوز، يشير الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، بأن مناظرة بيرزيت تخترق كل المناطق المحرمة، وتخرج عادةً عن اللياقة العامة، حيث تتناول المواضيع بصورة قاسية بعيدة عن التملق، لتكون أقرب إلى الانفتاح المضبوط، ويتابع بأن أكثر من 60% ينخرطون ويتابعون المناظرة إما بشكل مباشر أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فالمناظرة تؤثر بنسبة 20-25% على المستقل أو المتردد.
وحول العوامل الداعمة للعملية الانتخابية يلفت الريماوي بأن هناك عوامل أخرى كحيوية نشاطات الكتل الطلابية والمزاج السياسي العام، ويبدو ذلك واضحًا في انتخابات بيرزيت السنة الماضية، وكيف أثرت حرب غزة الأخيرة ” العصف المأكول” ومفاهيم المقاومة على مجرى العملية الانتخابية، بالإضافة إلى “الماكينة” الانتخابية كالتواصل مع الطلبة، والتنسيق في العمل وغيرها، والتي لها يد في مدى نجاح الانتخابات.
وينوه بأن “هناك عاملان ظهرا مؤخرًا بالإضافة إلى ما سبق، والذي يتمثل بإدارة السلطة الحاكمة باستخدامها أدوات التخويف والترهيب، وزعزعة مزاج الحريات العام، عدا عن عامل استعادة كل أدوات السلطة السياسية، كالأجهزة الأمنية، والوزارات بما فيها الداخلية، والتدخل من خارج الجامعة في العملية الانتخابية“.
وكانت 4 جامعات فلسطينية قد خاضت انتخابات مجلس الطلبة من بينها، جامعة القدس، جامعة بيت لحم، وجامعة الخضوري في طولكرم، وجميعها لم تشارك فيها حماس، لتفوز فيها حركة فتح فوزًا ساحقًا، إضافة لجامعة البوليتكنيك في الخليل، والتي شارك فيها الذراع الطلابي لـ”حماس” وخسر أمام الشبيبة “الذراع الطلابي لفتح“.
وكانت انتخابات بيرزيت قد حظيت باهتمام كبير قياسًا بالجامعات الأخرى، فمن وجهة نظر الكاتب عرابي بأنها جامعة ليبرالية أسستها أسرة مسيحية، تتوسط الضفة الغربية مما يجعلها ملتقى طلاب وطالبات الضفة الغربية كلها، عدا عن حرص إدارة الجامعة على تحررها من ضغوط وإكراهات السلطة، بعدما تمكنت السلطة من إعادة هندسة بقية جامعات الضفة، إلى الدرجة التي حولتها فيها إلى ملحقات بالسلطة السياسية، تمارس فيها الإدارات ما تمارسه السلطة خارج الجامعات، فظلت جامعة بيرزيت الجامعة الأكثر قدرة على إدارة انتخابات نزيهة، ومع الجمود السياسي الذي فرضته السلطة الفلسطينية باتت هذه الجامعة المتنفس السياسي الوحيد للفلسطينيين.