ترجمة وتحرير نون بوست
الأخبار القادمة من أنحاء العالم ليست وحدها التي تدعو إلى الاكتئاب، بل حالة وسائل الإعلام في العالم تدعو أيضًا للقلق على نحو متزايد.
اليوم الثلاثاء، هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، وإذا نظرت إلى كل مكان في العالم، سترى بأن حرية الإعلام مهددة سواء من الحكومات، المنظمات الإرهابية، عصابات الجريمة، أو مصالح الشركات.
وجد تقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة فريدوم هاوس، بأن حرية وسائل الإعلام العالمية اليوم هي عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من عشر سنوات؛ فوفقًا للوكالة التي يقع مقرها واشنطن، تتمتع 13% فقط من الإنسانية بحرية الصحافة، وحتى في البلدان التي تُصان فيها حرية الصحافة وتُقدس، تشهد وسائل الإعلام ضغوطًا متزايدة، من خلال استغلال الحكومات لخطر الإرهاب بغية سن تشريعات تقييدية، في الوقت الذي تعمل فيه الأحزاب الشعبوية اليمينية على استمالة أو تكميم أفواه وسائل الإعلام.
مناخ من الخوف
رددت منظمة مراسلون بلا حدود، التي تتخذ من فرنسا مقرًا لها، ذات رسالة فريدوم هاوس، حيث سجل أحدث مؤشر لحرية الصحافة صدر عن المنظمة تزايدًا في الانتهاكات يصل إلى 14% منذ عام 2013، وهذا، وفقًا للمنظمة، يكشف عن “التراجع العميق والمثير للقلق في احترام حرية وسائل الإعلام على المستويات العالمية والإقليمية على حد سواء، مما يدل على تنامي مناخ الخوف والتوتر جنبًا إلى جنب مع زيادة السيطرة على غرف الأخبار من قِبل الحكومات والقطاع الخاص”.
يمكن لهذه الانتهاكات أن تصل إلى حدود سخيفة ولا معقولة، والمثال الشهير على ذلك، هو القضية التي تم رفعها أواخر العام الماضي ضد رجل تايلاندي أُلقي عليه القبض بتهمة “إهانة الذات الملكية” بعد أن زُعم “إهانته”، ليس للملك بوميبول ذاته، بل لكلبه المحبوب في سلسلة من مشاركاته على الفيسبوك!
ولكن، وكما هو الحال في كثير من الأحيان، السبب الحقيقي لغضب المجلس العسكري التايلاندي هي الاتهامات التي نشرها هذا الرجل حول الفساد المستشري في أعلى المناصب.
من الملاحظ بأنه وفي كلا التصنيفين، تصنيف فريدوم هاوس ومراسلين بلا حدود، كان الشرق الأوسط المضطرب يقبع في نهاية النصف السفلي من التصنيف العالمي؛ فوفقًا لمنظمة مراسلين بلا حدود، هذه المنطقة “هي إحدى أكثر المناطق صعوبة وخطورة في العالم بالنسبة للصحفيين”.
الأنظمة القمعية
تتفق مؤسسة فريدوم هاوس مع ما جاء في تقرير مراسلون بلا حدود، مشيرة إلى أن “ضغوط الحكومات والميليشيات تتزايد على الصحفيين ووسائل الإعلام للانحياز لطرف معين، لخلق مناخ من “إما معنا أو ضدنا” في العمل، ولتشويه صورة الأطراف التي ترفض إرهابهم”.
يعمل الصحفيون في الشرق الأوسط تحت خطر الأنظمة القمعية، الأجهزة الأمنية، الميليشيات المسلحة، الجماعات الإرهابية، والمتطرفين الدينيين، ناهيك عن التهديدات التي يتعرضون لها من القوانين التقييدية، سلطة الأشخاص الأعلى من القانون، أو حالة انعدام القانون، حيث يختلف ذلك باختلاف البلدان في الشرق الأوسط.
وفي ظل جميع هذه المخاطر على الحياة والمعيشة التي يقاسيها مهنيو وسائل الإعلام المستقلة بالمنطقة، من الإعجاز حقًا أن نرى أي شخص يختار الصحافة كمهنة احترافية لحياته.
أهم خبر سار حول وسائل الإعلام في المنطقة ينبع من تونس، البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي ارتقى ضمن تصنيف مؤشر حرية الصحافة، ولكن حتى في ظل الدولة التي حققت أكبر نجاح في ثورات الربيع العربي حتى الآن، ما زال الصحفيون يواجهون المضايقات الاعتيادية وغالبًا ما يمارسون على أنفسهم نوعًا من الرقابة الذاتية.
أسفرت الحرب الشرسة التي تجري ضد حرية الإعلام في العالم العربي عن صياغة حقيقة رئيسية وربما متناقضة؛ فلم يسبق للعرب وأن تمتعوا بحرية أكبر من الآن في الحصول على المعلومات، كما لم يسبق وأن شن صحفيو ومواطنو المنطقة هجومًا كالهجوم الحالي، المستمر والمتناسق والشامل، على هيمنة الدولة على وسائل الإعلام ، وهذا ما نراه على وجه التحديد في دول المواجهة ضمن بلدان الربيع العربي.
أحد أكثر الأمثلة روعة واستحقاقًا للثناء على ما تقدم، هو عمل الصحفيين والمواطنين الصحفيين على تسجيل وبث الحقيقة من المناطق التي تنهشها الحرب في المنطقة، كسوريا والعراق واليمن وليبيا؛ فعلى الرغم من أن سوريا تعد البلد الأكثر خطورة على الصحفيين في العالم، لا زال العديد من السوريين يضعون حياتهم على المحك لنشر جرائم وانتهاكات نظام الأسد وداعش وغيرها من الجماعات المسلحة، وأحد أكثر الأمثلة إثارة على ذلك هو مجموعة الرقة تُذبح بصمت، وهي مجموعة من المواطنين الصحفيين الذي يقدمون التقارير بشكل مستقل من الأراضي التي تسيطر عليها داعش.
على الرغم من أن قمع الحكومة ضيّق مساحة التعبير الحر وأخاف وأبعد الكثيرين عن هذا المجال، إلا أن الصحفيين المستقلين الشجعان في المنطقة فتحوا عنوة طرقًا للعمل في ظل القمع الجاري.
الصحافة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي
في هذا الصدد، شكّلت وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية شريان حياة للصحافة، والمثالان البارزان على مواقع الصحافة الاستقصائية الجريئة هما موقع إنكيفادة في تونس ومدى مصر في مصر.
من جانبها، حاربت الأنظمة هذه المنصات، فلم تعمد الحكومات العربية للاستثمار بكثافة في أنظمة المراقبة وتقنيات الرصد فحسب، بل سعت أيضًا للتغلب على النشطاء والثوار في لعبتهم من خلال تأسيس منصات دعاية ديناميكية تابعة لها على شبكة الإنترنت.
ولكن الأمر المحبط للطغاة والمستبدين العرب، هو أنه وبغض النظر عن مدى تضييق الخناق على حرية التعبير ومحاولات إسكات أو تخويف أو استمالة وسائل الإعلام، ظلت الأصوات الصاخبة والناقدة الجديدة، سواء من تحت الأرض أو في وضح النهار، تتوافد وتظهر بشكل دائم.
رغم أن أيام احتكار الأنظمة العربية لتدفق الأخبار والمعلومات داخل حدودها قد ولّت بلا رجعة، إلا أن تلك الأنظمة لا تزال تتصرف كما لو أنها تستطيع السيطرة على عقول ووعي مواطنيها؛ ففي السابق، كان قادة العرب قادرين، مجازيًا، على التبختر دون ثياب أمام وسائل إعلامهم الودودة والمطواعة، بدون أن يجرؤ أحد أن يقول لهؤلاء الأباطرة بأنهم عراة.
ولكن بغض النظر عن رغبة قادتنا الطاغية لنغض الطرف عن شهوتهم المجردة للسلطة، لم يعد ملايين العرب مستعدين للإشادة والتصفيق لملابس أباطرتنا الجديدة،، ولم يعد الجمهور العربي مستعدًا لقبول الوهم والتضليل كبدائل عن التغيير الفعلي.
لقد حان الوقت لتدرك الحكومات العربية وغيرها من الجهات الفاعلة القمعية بأن الطريقة الحكيمة للتعامل مع الانتقادات ليست بإغلاق وسائل الإعلام الناقدة وإسكاتها، بل بالرد والتعامل مع المعارضين والمنتقدين، وبتطبيق إصلاحات عميقة وحقيقية.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية