يتواصل سقوط ضحايا قصف نظام الأسد على المدنيين العزل في مناطق سيطرة المعارضة السورية بمدينة حلب، عشرات من القتلى ومئات من المصابين الذين لا يجدون مستشفيات للتداوي من آثار قصف النظام، الذي وضع المشافي ضمن لائحة استهدافاته فزدات فداحة جرائمه.
وفي خضم حملة التعاطف العالمية مع مدينة حلب، وبالتحديد الجزء الذي يقع تحت سيطرة المعارضة الذي يصبح ويمسي على أنغام التفجيرات والقصف، يُحاول النظام السوري أن يُظهر أنه في حرب متكافئة.
إذ إن مشاهد قصف المستشفيات من قِبل طائرات النظام كانت هي الأبرز هذه المرة، فأراد النظام أن يقول أنه ليس وحده من يقصف المشافي، بل ثمة قصف للمعارضة على المستشفيات في المناطق الخاضعة لسيطرته في مدينة حلب؛ حيث اتهم التليفزيون السوري فصائل المعارضة بقصف مستشفى الضبيط الواقعة بحي المحافظة الواقع بمناطق النظام بحلب، وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى.
الحقيقة أن هناك قصف بالفعل حدث أمام مستشفى الضبيط، لكن لا أحد يعلم مصدره حتى اللحظة، ومن الطبيعي أن يُسارع إعلام النظام باتهام المعارضة وتسويق الخبر بصورة أن المعارضة تستهدف هي الأخرى مستشفيات المدنيين.
عاجل | التليفزيون السوري يتهم فصائل المعارضة بالهجوم على مستشفى الضبيط في مناطق النظام بحلب وأنباء عن قتلى وجرحى pic.twitter.com/mDgY2NLrDf
— نون بوست (@NoonPost) May 3, 2016
الصورة الأخرى
الصورة الأخرى التي يخفيها النظام وراء هذه الحوادث هي ما نحاول الوصول إليه، فبمثل هذه الحوادث يكسب النظام مزيدًا من التأييد في الحواضن الشعبية بهذه المناطق، فيما تشوه صورة المعارضة بشكل تام أمام المدنيين، بعد أن رأوا بأعينهم استهداف المعارضة لمستشفياتهم.
هذه الدوافع وغيرها ربما تكون السبب الرئيسي في اتهام النظام بالضلوع في مثل تلك الاستهدافات والتفجيرات بمناطقه الشعبية، ليظل أمام العوام هو حامي الحمى، ولتغذية نظرية مواجهة الإرهاب.
هذه الخطة النظامية جعلت قطاعات شعبية واسعة تصدق رواية النظام بأن المعارضة هي التي تتعمد استهداف المدنيين، فهي محاولة واضحة للتملص من المسؤولية تجاه ما يحدث من مجازر في الجانب الآخر من حلب
فالواقع يقول إن كتائب المعارضة المختلفة لا تمتلك الصواريخ الدقيقة إلى هذه الدرجة التي يمكن أن تستهدف بناية بعينها، والمتعارف عليه من استهدافات المعارضة لمناطق النظام أنها تكون بقذائف بدائية لا تحدث كل هذا الضرر الذي يتحدث عنه النظام، وتكون استهدافات أقرب للعشوائية منها إلى الدقة لقلة إمكانيات التوجيه.
ويمكن أيضًا أن نستشف بسهولة استغلال النظام لسياق المكان الذي وقع به الحادث لإلصاق التهمة بالمعارضة، فمنطقة مشفى الضبيط بها فرع للأمن السياسي وكذلك يقع بها قصر المحافظ، فلماذا لا تستهدف المعارضة هذه الأهداف الاستراتيجية بدلًا من استهداف واجهة مستشفى مدني.
كما أن النظام استغل سياق تحركات عسكرية للمعارضة على حدود مدينة حلب ليقول إن المعارضة تقصف المدينة بتمهيد نيراني قبيل الاقتحام، والواقع يقول إن هناك اشتباكات على أطراف المدينة بالفعل بين الجيش النظامي وكتائب للمعارضة مستمرة، مكنت النظام من استغلالها في صناعة حادث كهذا.
هذه الخطة النظامية جعلت قطاعات شعبية واسعة تصدق رواية النظام بأن المعارضة هي التي تتعمد استهداف المدنيين، فهي محاولة واضحة للتملص من المسؤولية تجاه ما يحدث من مجازر في الجانب الآخر من حلب باعتبار أن المعارضة تمارس نفس “الأسلوب” هي الأخرى كما يُريد أن يصور النظام الأسدي، رغم أن الواقعة لم يتبنها أي فصيل معارض حتى اللحظة.
لا يمكن الاعتماد على روايات النظام بالتحديد في هذه الوقائع إلا بعد تحقيق مستقل على عكس ما يمكن فعله في مجازر النظام المرتكبة في حلب يوميًا، وهو لا يحاول إنكارها أو إخفائها بل يفتخر إعلام النظام بها دومًا.
كما أن شاهدًا آخر يؤكد ضلوع النظام في مثل هذه الاستهدافات أو على الأقل تغاضيه عنها لاستخدامها، هو أن المنطقة الأقرب المرتفعة عن مناطق النظام التي يمكن أن تقصف مثل هذا المكان هي منطقة “بني زيد”، وهي مُسيطر عليها من قِبل مجموعات محسوبة على المعارضة إلا أن نشطاء سوريين أكدوا وجود تفاهمات بين هذه المجموعات وقوات النظام.
سوابق النظام
في الوقت الذي يمتلك فيه النظام السوري سوابق في استخدام هذه الاستراتيجية باستهداف مناطقه بنفسه من أجل تحقيق أهداف بعينها، والمتابعون للشأن السوري لديهم دراية جيدة بالحوادث التي أشارت فيها أصابع الاتهام إلى النظام السوري بالضلوع فيها.
ربما يذكر منها تفجير القزاز بدمشق، وكذلك تفجير ساحة سعد الله بحلب “نادي الضباط”، وهي تفجيرات يصعب أن تتم بصورتها وكيفيتها دون وجود يد للنظام فيها، إذ إنها تتم في عقر داره وتمر على حواجزه الأمنية المنتشرة بصورة رهيبة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
كل هذه الشواهد تشير بوضوح إلى محاولات للنظام تستهدف إثارة الرعب في حواضنه الشعبية من المعارضة رغم علمه جيدًا بتواضع إمكانيات المعارضة العسكرية، وهي محاولات أخيرة لتسويق مجازر حلب عبر اتهام المعارضة بالوقوف معه بنفس المربع.
لذا لا يمكن الاعتماد على روايات النظام بالتحديد في هذه الوقائع إلا بعد تحقيق مستقل على عكس ما يمكن فعله في مجازر النظام المرتكبة في حلب يوميًا، وهو لا يحاول إنكارها أو إخفاءها بل يفتخر إعلام النظام بها دومًا.