تختلف نسبة حرية الصحافة في منطقة المغرب العربي من دولة إلى أخرى، ففي حين سجلت الصحافة الموريتانية والتونسية تقدمًا ملحوظًاعلى المستوى العالمي، فقد شهدت حرية الصحافة في ليبيا والمغرب والجزائر مواصلة التراجع.
وأكدت وزيرة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني في موريتانيا آوا الشيخ سيديا تانديا، خلال حفل نقاش حول أوضاع الصحافة وقضاياها الراهنة على “الدور الحيوي للصحافة في نشر المعلومات وترسيخ ثقافة المواطنة والديمقراطية في ظل عالم يشهد تغيرات متسارعة”، وأضافت الوزيرة أن موريتانيا حققت مكانة متميزة في حرية الصحافة بتصدرها للعام الرابع على التوالي لحرية الصحافة في العالم العربي حسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” الذي نشر قبل أيام.
وجاءت موريتانيا في المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول العربية لحرية الصحافة وفق تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” للعام 2015 وفي المرتبة الـ 48 عالميًا، وواصلت بذلك تقدمها ضمن التصنيف العالمي، حيث كانت في المرتبة الـ55 عام 2015، وفي المرتبة الـ60 عام 2014.
استثناء موريتاني
قالت آوا الشيخ سيديا تانديا “إن الإصلاحات التي تمت داخل القطاع كان هدفها الأساسي هو خلق ظروف ملائمة لمناخ قانوني ومؤسسي لترقية المهنة الصحفية وانسيابية المعلومات وتنقية وتمهين قطاع الاتصال في موريتانيا”.
بدوره وصف نقيب الصحفيين الموريتانيين أحمد سالم ولد المختار حرية الصحافة في موريتانيا بأنها مكسب يجب المحافظة عليه وتعزيزه، ملفتًا إلى ضرورة تكريس حق الصحفيين في الوصول إلى المعلومة.
ويرجع المراقبون تقدم موريتانيا في ترتيب حرية الصحافة إلى الدعم المخصص للصحافة المستقلة وانعكاس الوضع الحقوقي والسياسي في البلاد على الميدان الإعلامي وخلو السجون الموريتانية من الصحافيين.
وأصدرت موريتانيا قانونًا جديدًا للصحافة يمنع حبس الصحافيين في قضايا النشر، كما اهتمت الدولة بجانب التكوين والتأهيل للصحافيين.
ورغم هذا التحسن فإن واقع الصحافة الموريتانية لا يخلو من بعض الانتهاكات؛ فقد تم تسجيل العديد من الاعتداءات على بعض الصحفيين أثناء ممارستهم لعملهم جمعت بين الاعتداء الجسدي واللفظي، ومتابعة بعض الصحافيين قضائيًا إضافة إلى إيقاف برنامجين تلفزيونيين وآخر إذاعي وإنذار قناة فضائية.
وأحالت السلطات الموريتانية الصحافيين با ببكر باي انجاي وجدنا ديده إلى السجن بتهمة نشر أخبار كاذبة تتعلق بنجل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ومثُل الصحفيان أمام قاضي التحقيق بعد أن أمضيا يومين في السجن، ثم أطلق سراحهما بعد تدخل الرئيس الذي دعا في بيان رسمي صادر عن الرئاسة إلى احترام حرية الصحافة والحفاظ على مكتسباتها مع حفظ حق الأفراد في الدفاع عن أعراضهم.
تونس.. رغم التحسّن فالانتهاكات متواصلة
في تونس ورغم تقدمها بـ 30 رتبة في الترتيب العالمي لحرية الصحافة واحتلالها المرتبة الـ 96 من بين 180 بلدًا وفق تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” للعام 2015 إلا أن تقدمها بنحو 30 نقطة عن المرتبة السابقة (133)، فإن ذلك لم يحجب المخاوف من سعي الائتلاف الحاكم إلى الهيمنة على الإعلام وتفشي ظاهرة الفساد في القطاع وتكرر الاعتداءات من قِبل قوات الأمن التونسي على الإعلاميين أثناء أداء عملهم واعتماد نصوص قانونية غير تلك المنظمة للقطاع الإعلامي أي المرسومين 115 و116 لمحاكمة إعلاميين.
وتزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، نبهت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى انتشار ”الفساد” داخل بعض المؤسسات الإعلامية، وقال نقيب الصحفيين، ناجي البغوري، في مؤتمر صحفي عقدته النقابة اليوم لتقديم التقرير السنوي لواقع الحريات الصحفية في تونس: ”كلما تمكنت لوبيات المال من هذه المؤسسات كلما تواجد الفساد”.
ويعاني الإعلام التونسي من بروز مراكز قوى مالية جديدة تحاول التأثير فيه والحدّ من حريته من خلال ما تمتلكه من نفوذ.
وقدمت النقابة التونسية تقريرها اليوم الذي عدد سمات الاعتداءات على حرية الصحافة من قِبل السلطة (البرلمان والحكومة والرئاسة والوزارات) والمواطنين من خلال التصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين والتي تدعو لتتبع الصحفيين قضائيًا، كما عرج التقرير على الاعتداءات بالعنف المادي والضرب التي طالت الصحفيين أثناء مهامهم من قِبل الأمنيين والعسكريين، داعيًا السلطات إلى توفير أكثر حماية خلال التغطيات.
وأكد البغوري على “الوضعية الهشة” لعدد من الإعلاميين من حيث تدهور أوضاعهم المادية والاجتماعية، معلنًا عن الشروع في تركيز مشروع ‘ودادية’ (جمعية) تعمل على إعانة الصحفيين على تجاوز وضعياتهم الهشة وتخصص لها الدولة نسبة من عائدات الإشهار العمومي.
تبقى قضية الزميلين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المختفيين على الأراضي الليبية من أبرز القضايا العالقة في الساحة الإعلامية في تونس، فرغم محاولات المنظمات المحلية والدولية الكشف عن مصيرهما إلا أنهما يبقيان إلى اليوم في عداد المفقودين، وهو ما دفع بالعديد من الأطراف ومنها عائلتي الصحافيين المختطفين إلى اتهام السلطة التونسية بالتقصير في الكشف عن مصيرهما خاصة بعد تواتر أخبار عن مقتلهما، وأخرى نافية لهذه الأخبار لتؤكد أنهما على قيد الحياة وأن أطرافًا ليبية تحتجزهما كورقة ضغط سياسي على الدولة التونسية.
وأوصت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فائز السراج بإبداء التعاون لحل المسألة، وكان الصحفي التونسي سفيان الشورابي، وزميله المصور الصحفي نذير القطاري، قد خطفا في ليبيا 8 أيلول/ سبتمبر 2014، من قبل مجموعة مسلحة أثناء القيام بمهمة صحفية لقناة تلفزيونية تونسية خاصة، وتضاربت بعد ذلك الأنباء حول مصيرهما.
منظمة العفو تطالب الحكومة المغربية برفع القيود عن حرية التعبير
في المغرب قال التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية إن حرية الصحافة في البلاد سجلت “تراجعًا” العام الماضي، وأشار التقرير الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى أن “الاعتداءات على الصحافيين من قِبل السلطات لا تزال مستمرة”.
وعبر نائب رئيس النقابة يونس مجاهد عن شعوره بخيبة الأمل إزاء قانون الصحافة والنشر، وقال في هذا الصدد “لا تمارس حرية الصحافة في المغرب ولم يتم تفعيل ما جاء في الدستور”، وطالب بإلغاء “الخطوط الحمراء” من الصحافة حتى يمكن القول أن هناك حرية تعبير وديمقراطية بالمغرب مثل الدول المتقدمة، منتقدًا تعامل السلطات العمومية مع الصحافيين، وقال إن أغلب الاعتداءات على الجسم الصحافي يكون من السلطات العمومية بـ”سبق إصرار”، كاشفًا عن أن أكثر من 90% من الاعتداءات على الصحافيين موثقة لدى النقابة.
وحمّل مجاهد مسؤولية عدم تطور الإعلام العمومي للحكومة، وقال إنها لم تلجأ إلى إصلاحات قانونية وإدارية، لأنها انخرطت في صراع إيديولوجي حرّف الإشكالية عن مسارها وخلق توترًا كبيرًا تمت شخصنته في الكثير من الأحيان، لاستهداف مسؤولين، وأضاف أنه في العديد من الحالات وجهت الحكومة المغربية اللوم لوسائل الإعلام العمومية، لأنها انتقدت أداءها أو لأنها بثت أو أذاعت أو نشرت، موضوعات اعتبرتها “غير أخلاقية”.
وأضاف: “نحن في المغرب لم نتقدم، بل إننا نتراجع، رغم ارتفاع الحاجيات الديمقراطية للمجتمع، وحاجته إلى الخبر الجيد وصحافة راقية وجيدة”، مشددًا على ضرورة توفير جو من الحرية لتمكين الصحافيين من ممارسة صحافة البحث والتقصي، داعيًا الحكومة إلى تدارك الأمر بسن قوانين ليست “ترقيعية”.
بدورها، طالبت منظمة العفو الدولية في بيان لها، الجمعة، الحكومة المغربية برفع القيود عن حرية التعبير والصحافة، مؤكدة أن “الحقوق لا تتجزأ، ودونما إعمال هذا المبدأ واحترامه من طرف الحكومة، لن نستطيع في يوم من الأيام التقدم ولو خطوة واحدة”، وأعربت عن أسفها من القانون الحالي الذي لا يزال يقيد الحريات الإعلامية وغيرها من أشكال حرية التعبير، في الوقت الذي لا تضمن فيه مشاريع تعديل القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر وأوضاع الصحفيين حماية كافية لحرية التعبير، على حد تعبير البيان.
وقد طالبت النقابة الوطنية للصحافة المغربية مؤخرًا بسحب مشروع “قانون الصحافة والنشر الجديد” من البرلمان، والذي ينص على عقوبات تصل إلى حد السجن خمس سنوات، مؤكدة أن الجهات الرسمية لم تتشاور معها بشأن مشروع القانون.
وصنفت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها الأخير، المغرب في المرتبة 136 بين 197 دولة، في مجال حرية الصحافة، معتبرة أن حرية الصحافة بالمملكة المغربية غير مستقرة.
أكثر من 40 جريدة ورقية مهددة بالاختفاء من الأسواق الجزائرية
رغم تأكيد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، أنه “متمسك” بمبدأ حرية التعبير، فإنّ تقارير حقوقية ونقابية في الجزائر تشير إلى هشاشة قطاع الإعلام في البلاد وسعي السلطة الحاكمة للسيطرة عليه.
وفي تقريرها السنوي حول وضع الصحافة في البلاد، الذي نشرته اليوم، قالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إن “هناك قائمة قيود تكبل مهنة الصحافة من طرف السلطة، وإن تعددت الطرق والأساليب الملتوية (تقصد المبررات)، ومنها: المصلحة العامة، الأمن القومي، حماية النظام العام”، معتبرة أن كل هذه المبررات “ستار تحمي به السلطة نفسها من النقد”.
وحذر التقرير من أن أكثر من 40 جريدة ورقية مهددة بالاختفاء من الأسواق الجزائرية بسبب شح الموارد المالية،
ولفتت إلى أن هناك العديد من العناوين (الجرائد) التي تخضع لمسألة الإشهار (الإعلانات)، حيث تكون الجرائد مطالبة بالسير وفق خط معين يخدم السلطة، وإلا فهي معرضة لسحب الإعلانات منها، التي لا تزال سلاحًا في يد السلطة تنفذ به سياسة العصا والجزرة بامتياز.
وحسب آخر تصنيف لمنظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة في العالم لسنة 2016، تراجعت الجزائر في مجال الصحافة وحرية التعبير عشر مراتب، وحلت في المرتبة 129 من بين 180 بلدًا بعدما كانت في المرتبة 119 العام السابق.
من جهته كشف تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة “فريدوم هاوس” أن العمل الإعلامي وحرية التعبير في الجزائر لا تزال تعاني من العديد من المضايقات والعراقيل في ممارسة المؤسسات الصحفية عملها اليومي، ووضعت الجزائر في الخانة الخامسة من بين الدول التي تقيد العمل الإعلامي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأشارت إليها باللون “البنفسجي” الذي يمثل البلدان التي تعرف انتهاكًا لحرية التعبير.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش: “رغم أن قانون الصحافة الجديد الذي صدر في 2012 ألغى عقوبة السجن للتشهير وغيره من جرائم التعبير الأخرى، مثل ازدراء الرئيس أو مؤسسات الدولة أو المحاكم، فقد استمرت السلطات في اعتقال ومحاكمة وسجن المنتقدين باستخدام أحكام قانون العقوبات، كما هددت أيضًا وسائل إعلام اعتبرت أنها تنتقد الحكومة”.
واستشهدت المنظمة بحجب السلطات برنامج “ويكند”، وهو برنامج حواري ساخر تبثه قناة “الجزائرية” الخاصة، بعدما أشار مقدم البرنامج في إحدى الحلقات إلى شقق عدد من الوزراء الجزائريين في باريس، ملمحًا إلى احتمال وجود فساد واختلاس، وعلى إثرها استدعت “هيئة ضبط السمعي البصري” على الفور منتج البرنامج الحواري كريم قرداش، وحذرته من العقوبات المحتملة ضد القناة التلفزيونية، واتهمت البرنامج علنًا بـ “السخرية والاستهزاء بالأشخاص، بمن في ذلك رموز الدولة”، وبمخالفة أخلاقيات المهنة التي تعاقب عليها قوانين الإعلام والبث التليفزيوني.
ليبيا ضمن الدول الخطرة على الصحافيين
في ليبيا قال المركز الليبي لحرية الصحافة إن حرية الصحافة في ليبيا تأثرت سلبًا نتيجة لما تعيشه البلاد من عدم استقرار وصراعات، وأشار المركز في تقريره السنوي بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، أنه وثق خلال العام الماضي ما يقارب 118 حالة اعتداء ضد الصحافيين ووسائل إعلام، 18% منها صنفت كشروع في القتل والتهديد و19% منها كانت اختطاف وتعذيب و21% منها كانت بين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري و13% من الحالات اعتداء بالضرب ومنع من العمل و22% اعتداء على الوسائل الإعلامية.
وأضاف المركز أنه وثق أيضًا 27 حالة اعتداء طالت صحافيين ووسائل إعلام خلال الربع الأول من العام الجاري، سجلت منها حالتا اعتقال تعسفي وحالة واحدة سجلت كاعتداء على وسائل إعلام، وصنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” ليبيا بالمرتبة 164 ضمن الدول الخطرة على الصحافيين، وأنها تعد ضمن أخطر 30 دولة في ممارسة الانتهاكات كافة ضد الصحافيين.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت خلال عام 1993 يوم الثالث من شهر مايو من كل عام للاحتفاء بـ “اليوم العالمي لحرية الصحافة” والذي يوافق ذكرى “إعلان ويندهوك التاريخي في نامبيا”، وذلك إثر توصية منظمة اليونسكو في دورتها الـ 26 خلال عام 1991، وتهدف المناسبة إلى تعزيز حق الشعوب في حرية الرأي والتعبير والتي تعد أساسية لتحقيق الديمقراطية والشفافية والمساءلة وسيادة القانون، ويعد هذا اليوم مناسبة لحث الحكومات على ضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة والتركيز على قضيتي تعزيز حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة في مختلف وسائل الإعلام.