يوجد في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، أحد أكبر وأخطر الأسلحة الاستراتيجية والترسانة النووية التي تملكها إسرائيل في الوقت الراهن، وهو مفاعل “ديمونا”، التي تُحاط عملية تطوير العشرات من القنابل النووية بداخله بالسرية الكاملة، ويعد بالنسبة لإسرائيل سرًا يُحظر كشفه، ومن المحرمات في السياسة الدولية.
هذا الملف الذي تحرص إسرائيل دائمًا على أن يكون محفوظًا بدرج السرية منذ العام 1963، يعتبر وبحسب مراقبين وخبراء من أكثر الملفات خطورة وأشدها على فلسطين والدول العربية المجاورة، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية كبيرة في حال تسرب الإشعاعات والغازات من المفاعل الإسرائيلي.
ولعل ما أظهر هذا الملف على الساحة مجددًا بعد غياب لسنوات طويلة، ما أوردته صحيفة “هآرتس” العبرية، حين كشفت ونقلاً عن دراسة حديثة عن وجود 1537 عيبًا في أسس الألمنيوم في مفاعل “ديمونا”، وأن خطر تسريب الإشعاعات النووية منه اقترب كثيرًا.
خطر وكارثة كبيرة
الخبير في الملف النووي والأسلحة الاستراتيجية، الدكتور ناصر السواح، أكد أن مفاعل ديمونا الإسرائيلي، هو من أشد المفاعل خطورة على المنطقة العربية بأكملها وخاصة دولة فلسطين التي يقام المفاعل على أراضيها المحتلة في صحراء النقب.
وقال السواح لمراسل “نون بوست”: “ما كشفت عنه صحيفة هارتس حول الأعطاب الكبيرة في مفاعل ديمونا، حدثًا في غاية الخطورة، ويشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة المحيطة بالمفاعل النووي، وإذا لم تتم معالجة تلك الأعطاب بشكل فوري فالكارثة تكون اقتربت كثيرًا”.
وأوضح أن: “الأعطاب التي بلغ عددها 1537، تم كشفها من خلال التصوير بالموجات فوق الصوتيّة، وتلك الموجات دقيقة للغاية ونتائجها دائمًا تكون صحيحة”، مشيرًا إلى أن الخطر الحقيقي من مفاعل ديمونا يكمن الآن في تسرب الإشعاعات النووية في أي لحظة قادمة”، وأضاف السواح: “ستكون فلسطين والدول العربية المجاورة عرضة لخطر الإشعاعات النووية والغازات السامة التي ينتجها المفاعل النووي، وفي حالة حدوث أي خطأ أو انفجار في قلب المفاعل فإن الملايين مهددون بالموت والدمار”.
وكشف الخبير في الملف النووي أن إسرائيل ترفض وبشدة نقل المفاعل النووي لمكان آخر، أو حتى إدخال أي بعثة أوروبية ودولية لمراقبة ما يجري داخله، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول المشاريع النووية التي تقوم بها إسرائيل، والصمت الدولي الكبير على هذه المشاريع التي باتت تهدد المنطقة بأكملها.
ولفت السواح، إلى أن إسرائيل زادت في سنوات الأخيرة من نشاط مفاعل ديمونا بنحو (200) قنبلة نووية من كل الأنواع والأحجام وإنتاج مادة “اليورانيوم” و”البلوتونيوم”، التي تستخدم لتركيب السلاح النووي المتطور للغاية، موضحًا أن فلسطين والدول العربية المجاورة أمام مخاطر كبيرة لوجود هذا المفاعل، الأمر الذي يهدد حياة أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في الدول المجاورة، مطالبًا بالتحرك والسعي الجاد من قِبل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة لوقف التجارب النووية لإسرائيل وحماية الوطن العربي.
تستر إسرائيلي
وبقي المفاعل النووي الإسرائيلي بقرة مقدسة منذ بنائه لا يجرؤ أحد على نشر معلومات حوله، لكن القناة العاشرة مست بهذه البقرة للمرة الأولى بتحقيق عنونته بـ “السر المعتم فرن ديمونة” كشف عن إصابة المئات من عمال وموظفي المفاعل بـ السرطان، وعن محاولة السلطات طمس الحقيقة وملاحقة ذوي الضحايا.
ونقل التحقيق صرخة عشرات من ضحايا الإصابة بالمرض القاتل، ومنهم الإسرائيلي دانئيل شرودكير الذي قال إن والده الراحل سيمون ضحى بنفسه من أجل إسرائيل لكنها أهملته ولم تحترمه كإنسان وأبقته فريسة للمرض حتى الموت.
وقبل أيام عبّر عدد من علماء الفيزياء الذرية عن تخوّفهم من وضع المفاعل، بعد مرور أكثر من 50 عامًا على إنشائه، وهو المفاعل الذي منحته فرنسا لإسرائيل في نهاية خمسينات القرن الماضي، وشغل أواخر عام 1963م.
وقد نشرت وسائل إعلام دولية تقاريرًا إعلامية عن هذا المفاعل المصنوع من معادن صلبة ومتينة، وقلبه مغلّف بباطون، وتوضع داخل القلب أعمدة الوقود النووي، حيث تحدث عملية الانشطار النووي، ويمتص قلب المفاعل حرارة هائلة وإشعاعًا ضخمًا، من شأنهما أن يؤثّرا على بنيته بعد مرور سنين على عمله، ومن هنا جاء تحديد عمر هذه المفاعلات بـ 40 عامًا فقط، تحسبًا لأي تسريبات نتيجة تصدع بنية قلب المفاعل.
وتشير التقارير الإعلامية إلى أن إسرائيل لأسباب سياسية واقتصادية لا تستطيع تبديل قلب المفاعل، وهو نشاط يعني بناء مفاعل جديد، وبسبب حالته المهترئة يشغل أقل من السّنوات السّابقة، تحسبًا لزيادة الأعطاب في قلبه.
وتبين التقارير الحديثة أن البنية المعدنية التي تغلف مفاعل “ديمونا” تآكلتْ بسب مستوى الإشعاعات العالي، حسب إفادة الخبير النووي الأمريكي هارولد هاو، الذي لم يستبعد حدوث انهيار في المفاعل في أي لحظة، أما الخبير النووي الإسرائيلي عوزي إيفن أحد مؤسسي مفاعل “ديمونا” فلم يستبعد – حسب ما ذكرته صحيفة هارتس العبرية – إمكانية حدوث تسرب إشعاعات نووية منه.
يشار إلى أن المفاعل لم يعد يعمل بنفس الوتيرة في الآونة الأخيرة، حيث تطلب عمليات التشغيل فحوصًا جديدة على مستوى الأمان النووي في كل مرة، فيما يبلغ متوسط عمر المفاعلات النووية 40 عامًا، بينما يبلغ عمر ديمونا أكثر من نصف قرن.