تشتد المعارك يومًا بعد يوم في سيناء بين الجيش المصري وعناصر ما يُعرف بتنظيم “ولاية سيناء” فرع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مصر، ومن طول مدة المعارك المستمرة منذ أكثر من عامين اتضح للجميع قوة شوكة التنظيم على الأراضي المصرية، خاصة بعد إعلان تورطه في حادث تفجير الطائرة الروسية في الأجواء المصرية.
خطورة التنظيم بدأت تظهر للعيان مع عدم مقدرة الجيش المصري وحده على كبح جماحه بالطريقة التقليدية، ورغم كافة الاحتياطات والتعزيزات التي اتخذتها الحكومة المصرية للقضاء على التنظيم منها تهجير مدن حدودية ونسفها بأكملها، إلا أن عملياته تزداد تأثيرًا بشكل مطرد.
وثقت جهات عدة تنفيذ سلاح الجو الإسرائيلي عمليات عدة داخل الأجواء المصرية استهدفت مسلحين من تنظيم ولاية سيناء
أدركت السلطات المصرية أنها لن تستطيع وحدها مواجهة هذه الظاهرة في سيناء المتشعبة، في ظل سياسة حروب العصابات التي يتخذها التنظيم، فكانت الاستعانة واضحة بالكيان الإسرائيلي على الحدود بإمكانياته الاستخباراتية والعسكرية، إذ إن عملية التنسيق الأمني بين مصر والاحتلال الإسرائيلي في أوج قوتها منذ انقلاب الثالث من يوليو وصعود عبدالفتاح السيسي إلى منصب الرئاسة.
وثقت جهات عدة تنفيذ سلاح الجو الإسرائيلي عمليات عدة داخل الأجواء المصرية استهدفت مسلحين من تنظيم ولاية سيناء، كما سمحت دولة الاحتلال لمصر بتعزيز قواتها العسكرية داخل المنطقة “ج” الحدودية بالمخالفة لما تم الاتفاق عليه في معاهدة كامب ديفيد، من أجل تعزيز قدرات المواجهة أمام عناصر تنظيم ولاية سيناء.
التحالف المصري الإسرائيلي دون نتيجة حتى الآن
التحالف بين النظام المصري ودولة الاحتلال الإسرائيلي في سيناء لم يخرج بالنتيجة المرجوة حتى الآن، لأن مسلحي تنظيم ولاية سيناء لم تتوقف هجماتهم حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وكذلك باتت دولة الاحتلال الإسرائيلي ترى أن التنظيم تهديد محتمل لأمن حدودها في ظل فشل الجانب المصري في السيطرة على هجماته التي تزداد جرأة، وقد تنبأ محللون عسكريون من الجانب الإسرائيلي أن تكون إسرائيل الهدف المقبل لعناصر الولاية في حال بقى الوضع كما هو عليه.
استراتيجية الجيش الحالية غير ناجعة في المواجهة على أراضي سيناء، وتعتمد فقط على نوع من القصف العشوائي وسياسة الأرض المحروقة
فيما انتبه المجتمع الدولي لخطر تنظيم ولاية سيناء، وقد صرحت الولايات المتحدة وغيرها بذلك، وشرعت التقارير الاستخباراتية تخرج إلى العلن تؤكد مدى خطورة التنظيم، وتبحث في سبل مقاومته على أراضي سيناء، كما بدأت في البحث عن خطوط إمداده لقطعها.
وظهرت أيضًا احتمالات إدخال القوات الدولية في سيناء على خط المواجهة، ولكن الأمر بدأ الآن بتعزيزها ولا يُعلم ما إذا كان سيتخذ قرار إدخالها إلى المعركة على الأرض أم لا.
ويبدو أن استراتيجية الجيش الحالية غير ناجعة في المواجهة على أراضي سيناء، وتعتمد فقط على نوع من القصف العشوائي وسياسة الأرض المحروقة التي يخشى الجميع أن توفر حاضنة شعبية للمسلحين، خاصة وأن خريطة هجمات تنظيم ولاية سيناء تؤكد تمتع عناصره بحرية حركة كبيرة، رغم إعلانات الجيش المصري شبه اليومية عن ملاحقة وضبط وقتل عشرات من عناصر المسلحين.
الحاجة إلى حماس
لم تنقطع الوفود العسكرية من مصر طوال الأشهر الماضية التي تناقش ملف الأمن في سيناء ومصير قوات حفظ السلام الدولية التي نُقلت إلى جنوب سيناء الأقل توترًا في هذه الأيام، بما يعني أن قضية “ولاية سيناء” باتت تأخذ حيزًا كبيرًا على المستوى الدولي عما كانت عليه من قبل.
تعتقد دولة الاحتلال الإسرائيلي وتشاركها مصر في هذا الاعتقاد أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الحاكمة لقطاع غزة تسهل لمسلحي تنظيم ولاية سيناء العبور عبر الأنفاق السرية من وإلى سيناء، بمعنى أنهم يمتلكون معلومات تشير إلى أن مسلحي الولاية يتخذون من غزة فناء خلفي للمعارك الكر والفر.
تعلم إسرائيل ومصر جيدًا أن ثمة خلافات شديدة التعقيد بين أيديولوجية تنظيم ولاية سيناء وبين الفكر الحمساوي
رغم نفي حركة حماس للأمر مرارًا إلا أن هذه القضية باتت تمثل قطاعًا راسخًا في تفكير العقل المصري والإسرائيلي، ما أدى إلى مزيد من التشديد في حصار قطاع غزة للضغط على حركة حماس.
ومع ازدياد الحالة سوءًا في سيناء اضطرت تيارات داخل أجهزة الأمن المصرية وبالتحديد في المخابرات العامة أن تقترح التحالف مع حركة حماس في ملف سيناء مقابل بعض التنازلات من الجانب المصري والإسرائيلي تجاه قطاع غزة، ومن جانب حماس فإنها تأمل في علاج قضية الحصار بإيجاد متنفس بسبب تفاقم الوضع الداخلي.
تعلم إسرائيل ومصر جيدًا أن ثمة خلافات شديدة التعقيد بين أيديولوجية تنظيم ولاية سيناء وبين الفكر الحمساوي، وقد حدثت مواجهات سابقة في غزة منذ سنوات بين التيارين لكن حماس استطاعت أن تحسم الأمر سريعًا بقوتها في القطاع.
وعليه توالت الوفود الحمساوية إلى القاهرة وبالتحديد مقر المخابرات العامة، وخرجت التكهنات حول مغزى التحول المفاجئ في العلاقة بين الطرفين، بعد أن كانت تتجه مصر إلى تصنيف حركة حماس وذراعها العسكري كحركات إرهابية، ولكن المتابعdن أجمعوا أن كلمة السر في هذا التحول المصري هي “سيناء”.
تحالف مزمع في ملف سيناء يجمع (مصر – إسرائيل – حماس)
نُشرت بعض التحليلات تتكهن بوجود تحالف يجمع بين مصر وإسرائيل وانضمت له حماس بصورة أو بأخرى حول مسألة مقاومة داعش في سيناء، وقد أسندت مصر إلى حماس مهمة ضبط الحدود من جانب قطاع غزة.
ثمة رفع للمستوى التنسيقي بين مصر وإسرائيل في الفترات المقبلة فيما يتعلق بأمن سيناء وملاحقة عناصر ولاية سيناء، وقد أدركت هذه الأطراف ضرورة توظيف حماس للقيام بدور شرطي الحدود لا سيما بخبراتها الواسعة في مجال الأنفاق
أبرز من نُشر في هذا الصدد كان في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية التي تحدثت عن نشر حماس بالفعل لمزيد من الجنود على الحدود مع مصر من جانب قطاع غزة وتشديد الرقابة من جانبهم، فيما اعتبر البعض أن هذه الإجراءات نتيجة للاجتماعات التي حدثت في القاهرة في الأيام الماضية.
حيث ذكرت المصادر الرسمية الفلسطينية أن هناك الآن أكثر من 300 من مقاتلي حماس انتشروا في ثلاث مناطق على طول البحر واثنين من المناطق عند المعابر الحدودية البرية مع سيناء.
بينما ترفض قيادة الحركة التصريح بشيء محدد في هذا الخصوص، وجل تصريحاتهم جاءت في إطار دبلوماسي عام يتحدث عن أهمية أمن مصر وسيناء بالنسبة لحركة حماس والفلسطنيين بشكل عام.
الشاهد أن ثمة رفع للمستوى التنسيقي بين مصر وإسرائيل في الفترات المقبلة فيما يتعلق بأمن سيناء وملاحقة عناصر ولاية سيناء، وقد أدركت هذه الأطراف ضرورة توظيف حماس للقيام بدور شرطي الحدود لا سيما بخبراتها الواسعة في مجال الأنفاق، من أجل منع مسلحي الولاية من اتخاذ غزة ملجأ بالنسبة إليهم، ولا مانع في هذه اللحظة من تقديم بعض التنازلات الغير حيوية لحركة حماس.
لكن هذه الأطروحة رغم واقعيتها إلا أن أطرافًا مصرية وإسرائيلية غير راضية عن هذا الاتفاق، فقد نشر موقع ديبكا الإسرائيلي نفيًا لما نشرته واشنطن بوست، ناهيك عن توارد أنباء داخلية أن أجهزة سيادية في مصر ترفض مشاركة حماس والتنسيق معها في هذا الصدد، وهو يُشير إلى وجود مقاومة لهذه الصورة من التنسيق، إلا أن الاحتياجات الميدانية في هذه المرة ربما تتفوق على الإرادة السياسية الرافضة لحركة حماس في مصر وإسرائيل.