شهد الحرم المكي مساء الجمعة في 11 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي في الساعة الخامسة سقوط رافعة حديدية من أعلى سطح الحرم على جزء من منطقة المسعى والطواف، تلك الرافعة تابعة لشركة بن لادن السعودية، والحادث كان نتيجة العواصف والرياح الشديدة التي بلغت 55 كيلو متر في الساعة مع الأمطار الغزيرة التي شهدها ذلك اليوم، وأدى لسقوط 107 قتيل ونحو 238 جريح.
بعد تلك الحادثة واجهت الشركة عقوبات من الحكومة السعودية بأمر ملكي وهي عدم دخول المجموعة في مشاريع جديدة في السنة المالية الجديدة، ومراجعة العقود المبرمة معها ومنع مجلس إدارتها من السفر خارج السعودية، وبحسب تقارير إعلامية كشفت أن الشركة تكبدت خسائر مالية تجاوزت 100 مليار ريال منذ سقوط الرافعة، والشركة في الأساس تعاني من تضخم في الوظائف وعدد العاملين لديها بسبب التوسع في الإنفاق الحكومي والمشاريع المطروحة في السنوات الخمس الماضية.
وبدأت المجموعة التي تعد ثاني أكبر شركة مقاولات في العالم وتشغل 323 ألف موظف تواجه أزمة مالية حادة أدت إلى عدم تسلم موظفيها مستحقاتهم من رواتبهم الشهرية لمدة تتراوح 4 إلى 6 شهور، وعمدت الشركة إلى الإستغناء عن خدمات 12 ألف موظف سعودي ما بين مسؤول إدارة ومهندس وإداري ومراقب، وأصدرت تأشيرات خروج نهائي ل 77 ألف عامل وافد من دول عديدة معظمهم من المصريين إلا أن العمال رفضوا الخروج إلا بعد صرف مستحقاتهم المالية لمدة تصل إلى 4 شهور، وبحسب موقع أخبار 24 السعودي فإنه سيتم صرف رواتب 70% منهم لكي يغادروا السعودية في أقرب وقت، وتقدر قيمة رواتب الشركة سنويًا بحوالي 2 مليار ريال.
مشاريع قامت بها المجموعة
الجدير بالذكر أن الشركة لها فضل كبير في المملكة العربية السعودية إذ قامت بعدة منشآت ومشاريع كبيرة منذ تأسيسها في عام 1931 أبرزها توسعة الحرمين منذ عهد الملك عبد العزيز وإنشاء مطار الملك عبد العزيز الدولي وجامعة الملك سعود وبرج الفيصلية كما قامت المجموعة أيضًا بإنشاء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.
ومن أبرز المشاريع التي قامت بها المجموعة خارج السعودية، فندق الفور سيزن في الأردن وإنشاء مطار كوالالمبور في ماليزيا ومطارا القاهرة وشرم الشيخ في مصر ومطار الشارقة الدولي في الإمارات والجامعة الأمريكية في الشارقة.
وحاليًا للشركة 10 مشاريع في مرحلة التأهيل في السعودية و5 مشاريع خارج السعودية وتقدر القيمة الإجمالية لهذه المشاريع بنحو 140 مليار ريال، ومن أبرز العقود التي حصلت عليها الشركة في السعودية وخارجها هي مشروع برج المملكة بقيمة 4.6 مليار ريال ومشروع مترو الدوحة بقيمة 12.6 مليار ريال. وتقدر القيمة الإجمالية لعقود الشركة تحت التنفيذ بنحو 220 مليار ريال.
قروض مجموعة بن لادن
مجموع القروض المستحقة على مجوعة بن لادن مبينة أدناه، ويظهر أن الشركة مدينة بإجمالي قروض تقدر ب 25 مليار ريال.
مليون ريال
ما هو سبب الأزمة في المجموعة؟
سبب الأزمة المالية التي تعاني منها بن لادن هي العقوبات المطبقة عليها من قبل الحكومة السعودية المتمثلة بمنعها من المشاريع الحكومية وبالتالي عدم الحصول على عقود مقاولات وإنشاءات جديدة وهذا يترتب عليه تجفيف مصادر التمويل التي كانت تحصل عليه الشركة وبالتالي فإن عدد الموظفين الضخم لديها لم يعد له داعٍ وستضطر للتخلي عنه تباعًا، وبحسب مصادر سعودية أفادت أن منع بن لادن من المشاريع الحكومة يعني “إعلان وفاتها” والجدير بالذكر أن الحكومة السعودية بالمجمل قلّصت مشاريع البنية التحتية التي تود العمل عليها في العام الجاري بسبب الصعوبات المالية التي تواجه الحكومة وما لحقها من تقشف على الموازنة المالية والإنفاق الحكومي من جراء هبوط أسعار النفط العالمية إلى مستوى 30 دولار للبرميل، مع العلم أن سعر برميل النفط الموازن للميزانية السعودية يجب أن يكون عند 96 دولار للبرميل، وشركات المقاولات السعودية تعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي فإذا هبط الإنفاق عليها ستعمد في المقابل إلى تقليص نفقاتها بأشكال مختلفة ليس أقلها فصل الموظفين وإلغاء مناصب وظيفية والتأخر في صرف الرواتب.
كما أن شركات المقاولات الصغيرة التي ترتبط مع شركات المقاولات الكبيرة هي الأخرى تضررت من انخفاض الإنفاق الحكومي فهم يعتمدون بشكل مباشر على ما يحصلون عليه من عقود تمنحها لهم الشركات الكبيرة في السعودية مثل سعودية أوجيه وبن لادن وغيرها.
أين الحكومة من هذه الأزمة؟
وزير العمل السعودي “مفرج الحقباني” أكد في مؤتمر في الرياض أمس الثلاثاء أنه سيجري حل أزمة شركة بن لادن وأن الوزارة لن تسمح بتسريح السعوديين وكشف أن الشركة تعهدت بعدم فصل الموظفين السعوديين إطلاقًا، وشدد الحقباني خلال المؤتمر أن أي عقد بين صاحب العمل والموظف يعني أن يعمل الموظف ويتسلم راتبه بلا شروط. وعاد وأكد مرة أخرى أن الوزارة لن تسمح للشركة بأن تسرح السعوديين في حال وجود عمالة وافدة تؤدي نفس الغرض، وقال أن العمال السعوديين سيحصلون على روانبهم بضمان برنامج رعاية الأجور، والعمال الأجانب سيحصلون كذلك على رواتبهم حتى لو غادروا البلاد.
والشيء الذي لم يتسنى لنون بوست التحقق منه هو سبب الاختلاف في التعاطي بين الموظف الوطني والموظف الأجنبي أيا كانت جنسيته. خصوصًا أن وزير العمل لم يتحرك إلا عندما احتج السعوديون على عدم صرف رواتبهم وعن إمكانية الإستغناء عنهم.
واشتكى كثير من الموظفين أن وزارة العمل لا تحمي حقوقهم في الشركات التي يعملون بها إلا فيما يخص معاقبة الشركات بنظام حماية الأجور الذي هو عقاب للموظف الأجنبي وليس للشركة بحسب صحيفة القدس العربي، فآلاف الموظفين الأجانب استبشروا خيرًا بتصريح وزير العمل “الحقباني” بأنه سيتدخل لحل مشاكلهم ولكن التدخل كان لصالح السعوديين فقط أما الأجانب فلم يحصلوا سوى على وعود بسداد كافة مستحقاتهم المالية وتأشيرة خروج، إذ دفعت الشركة خلال الأيام الثلاثة الماضية مستحقات 23 ألف عامل وموظف من الذين تم الإستغناء عنهم وتنتظر الشركة مستحقاتها المالية من وزارة المالية خلال الأيام المقبلة، بحسب ماجاء في صحيفة القدس العربي.
وكان الحقباني في وقت سابق من شهر مارس /آذار قال أنه يحق لأي عامل يعمل ضمن مجموعة بن لادن في حال تم الإستغناء عنه أن ينقل خدماته لصاحب عمل آخر حسب رغبته مع حفظ جميع حقوقه في المجموعة وفي حال رغب العامل بمغادرة البلاد فيمكنه توكيل أحد معارفه لصرف مستحقاته لدى الشركة.
وزارة المالية في الحكومة السعودية خفضت الدفعة المقدمة التي تصرفها للشركات في عقود المشاريع المبرمة لصالح الجهات الحكومية فقلصت الحكومة عدد المشروعات التي تنفذها، كما أن هناك تباطؤ في صرف مستحقات الشركات التي نفذت مشروعات بالفعل، بسبب العجز المالي الذي تعاني منه الحكومة والمال أصبح شبه نادر في الأسواق المالية والمصارف لإن الحكومة أصدرت سندات دين وزاحمت الشركات على السيولة القليلة في الأصل.
ما اضطر الشركات التي عانت من أزمات مالية إلى تأخير صرف المستحقات المالية من تأخير صرف رواتب العاملين وتسريح آلاف العمال وبدأ عدد من الشركات مفاوضات لإعادة جدولة ديونها.
تخيير الموظف السعودي وتأشيرة بلا عودة للأجنبي
شركة بن لادن خيّرت موظفيها السعوديين بين الإستقالة مقابل منحهم راتب شهرين بجانب رواتبهم المتأخرة أو الإنتطار حتى الإفراج عن مستحقات ومستخلصات الشركة، إلا أن وزير العمل أكد للموظفين السعوديين أن الحكومة ستدافع عنهم ضد إجراءات الشركة والتي تتضمن الفصل، بينما لم تحرك وزارة العمل ساكنًا حيال فصل الموظفين الأجانب أو المقيمين عند إقرار فصلهم من الشركة.
فأحرق عمال عددًا من حافلات الشركة بلغ عددها سبع حافلات بعد يوم واحد من صدور تقرير على صحيفة الوطن السعودية أن الشركة أنهت عقود 50 ألف عامل أجنبي وأصدرت لهم تأشيرات مغادرة. ويبلغ عدد العمال الأجانب في الشركة نحو 173 ألفًا توقفوا عن العمل بسبب تأخر تسليم رواتبهم.
والحل!
يكمن حل أزمة شركة بن لادن مما هي فيه من خلال أربعة سيناريوهات حسب تقرير لقناة سي إن بي سي العربية، أولها بيع مشاريع عقارية تحت الإنشاء، وثانيها التخارج أو التخلص من صفقات المقاولات التي فازت بها، وثالثها إعلان الإفلاس، ورابعها التأميم من خلال استحوذ الحكومة على 60% منها
والسؤال الذي يبقى معلقًا وبرسم إجابة الحكومة السعودية هو من شقين الأول كيف ستحل أزمة الشركة؟ والشق الثاني هو طريقة تعاطي الحكومة مع الموظفين الأجانب الذين صرفتهم الشركة والمقدر عددهم بعشرات الآلاف، والتي تنم عن شيء من العنصرية إذا قورنت بطريقة تعاطيها مع الموظفين السعوديين.