سيتمكن المواطنون الأتراك من دخول بلدان الاتحاد الأوروبي دون عناء استخراج التأشيرة نهاية شهر يونيو القادم، وذلك بعدما أوصت المفوضية الأوروبية برفع تأشيرة دخول دول الاتحاد الأوروبي المفروضة على مواطني دولة تركيا.
حيث نشرت المفوضية الأوروبية اليوم تقريرها الثالث المتعلق بتطبيق خارطة طريق عملية إلغاء التأشيرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي (دول منطقة شنجن)، حيث كان من المنتظر أن يوصي التقرير برفع التأشيرة نهاية يونيو عن المواطنين الأتراك، انطلاقًا من استيفاء تركيا، إلى حد كبير 64 شرطًا من الشروط الـ 72 التي حددها الجانب الأوروبي.
فيما طلب التقرير من الجانب التركي اتخاذ بعض الخطوات لاستكمال الشروط في نقاط معينة كان أهمها إصدار جوازات سفر إلكترونية (جواز ورقي يحوي شرائح الكترونية دقيقة تتضمن بيانات المسافر)، ورفع أنقرة لتأشيرات دخول مواطني الاتحاد الأوروبي إليها، إضافة إلى حماية المعلومات الشخصية لمواطني الاتحاد.
ضغطت تركيا على الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم ألمانيا لاحترام وعودها بشأن هذه الخطة التي اعتبرتها أنقرة أكبر مكسب لها من خطتها بشأن تنظيم الهجرة.
هذا القرار الصادر عن المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذي للاتحاد) سيدخل حيز التنفيذ حال مصادقة جهتين عليه وهما البرلمان ومجلس الاتحاد الأوروبي، لذلك ستقوم لجنة الحريات المدنية والعدالة والداخلية في البرلمان الأوروبي بمناقشة القرار، وعقب تقديم التعديلات المطلوبة، يعرض بعد ذلك على الجمعية العامة للبرلمان من أجل المصادقة عليه، إذ يكفي مصادقة “النصف + 1” لتمريره، وبعد ذلك يدخل حيز التنفيذ على نهاية شهر يونيو القادم.
الفضل لخطة اللاجئين
يرجع الفضل في المقام الأول إلى خطة إعادة اللاجئين إلى تركيا التي أبرمتها أنقرة مع الاتحاد الأوروبي بعد مفاوضات دامت لشهور، نجحت بعدها تركيا في تحريك ملف انضمامها للاتحاد الأوروبي بهذه الخطوات الأولية (الإعفاء من التأشيرة) بعد استيفاء شروطها.
وكانت تركيا قد اتفقت في إطار الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي باستقبال اللاجئين الذين تتم إعادتهم من اليونان، مقابل قبول أوروبا لاجئين سوريين من المخيمات في تركيا، في اتفاق تم التوصل إليه في مارس الماضي، بالإضافة إلى مساعدات مالية أوروبية لتركيا.
وعلى الرغم من ذلك لم تكن كافة الدول الأوروبية راضية تمامًا عن هذا الاتفاق، وبدأت صحيات أوروبية تنادي بعدم تسهيل أمر إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دول الاتحاد الأوروبي، وانتشرت موجات إعلامية تهاجم سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة.
بينما ضغطت تركيا على الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم ألمانيا لاحترام وعودها بشأن هذه الخطة التي اعتبرتها أنقرة أكبر مكسب لها من خطتها بشأن تنظيم الهجرة.
وقد توقعت تركيا منذ إعادة إحياء المفاوضات في العام الماضي أن العام 2016 سيكون عامًا مفصليًا في العلاقات بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد كان بالنجاح المبدئي في ملف الإعفاء من تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي.
ولإحياء هذه المفاوضات لعبت تركيا على وتر استقبالها لأكثر من مليوني لاجئ سوري و300 ألف لاجئ عراقي، وهو ما أدى إلى موجة لجوء وهجرة كبيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر الحدود البحرية مع تركيا، وهو الأمر الذي اضطر دول الاتحاد للتفاوض مع تركيا والرضوخ لمطلب إعادة إحياء مفاوضات الانضمام للاتحاد بعد توقف دام 11 عامًا.
هل هي بداية حقيقية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
تقدمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بأول طلب منذ 28 عامًا للانضمام إلى دوله، إلا أنه لاقى معارضة شديدة وكانت المفاوضات متعثرة للغاية، إلى أن وصل حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن في تركيا إلى سدة الحكم، وكانت مسألة تحريك هذه المفاوضات ضمن أجندته الانتخابية.
وقد بدأت أجندة الحزب الاقتصادية تستهدف مسألة دخول دول الاتحاد بتحقيق معدلات تنمية فائقة، واعترفت أوروبا بتركيا كمرشح للانضمام إلى دول الاتحال الأوروبي إلا أن أوروبا ظلت تتبع سياسة المماطلة مع الجانب التركي، وكانت تتزعم أنجيلا ميركل في العام 2005 المجموعة الرافضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ولكن أزمة اللاجئين الأخيرة وقبلها أزمة اليونان عضدت من الموقف التركي عند الأوروبيين حيث برزت ضرورة تحريك ملف تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الكاملة، وعليه فإن ألمانيا ممثلة في ميركل تراجعت عن موقفها الرافض وتزعمت الداعين لاستئناف المفاوضات في ملف تركيا، لكن ميركل أشارت إلى أن نتيجة المفاوضات لا يمكن أن تكون محددة سلفًا.
توقعت تركيا منذ إعادة إحياء المفاوضات في العام الماضي أن العام 2016 سيكون عامًا مفصليًا في العلاقات بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد كان بالنجاح المبدئي في ملف الإعفاء من تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي.
ولكن حاجة أوروبا الماسة لمساعدة تركيا جعلت الكثيرين يغيرون من مواقفهم في هذا الصدد، محاولين وقف تدفق اللاجئين عبر بحر إيجة إلى الجزر اليونانية، فهناك تخوفات هائلة لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل من تدفق ملايين من اللاجئين في السنوات المقبلة إذا لم تتخذ تركيا سياسة جديدة لمنع الهجرة، وكانت كلمة السر هي “اللاجئين”.
لكن رغم ذلك فثمة تيار موجود وعريض داخل الاتحاد الأوروبي يخشى من طرح فكرة انضمام أوروبا إلى العضوية الكاملة، والسر وراء ذلك بعيدًا عن الخلافات السياسية مع قيادات الحزب الحاكم في تركيا “العدالة والتنمية” والخلفية التي انحدروا منها، فهناك تخوفات أكثر من دور تركيا في الاتحاد الأوروبي إذا ما نجحت في نيل العضوية الكاملة، إذ إن تركيا ستصبح ثاني أكبر عضو في الاتحاد من حيث عدد السكان بعد ألمانيا ومرشحة لأن تكون الأولى، وهو ما سيعطي لتركيا عددًا أكبر من الممثلين داخل البرلمان الأوروبي، ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه.
لذا تواجه تركيا تشددًا وتعنتًا من قِبل تيارات داخل الاتحاد، أثيرت على خلفيته حملات تهاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياسته وتتهمه بدعم الإرهاب، إلا أنه الواضح في النهاية أن تركيا حتى الآن ما زالت تمتلك أوراق للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل استكمال بقية مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد.
وفي انتظار موافقة البرلمان الأوروبي على الخطوة الأخيرة الخاصة بالتأشيرة ربما تطرح دول أوروبية مسألة إجراء تعديلات تتيح تعليق رفع التأشيرة إن اقتضت الحاجة للبلدان المعفية من التأشيرة بشكل عام، فضلاً عن إمكانية وقف العمل برفع التأشيرة، في حالات مثل ارتفاع أعداد القادمين إلى دول الاتحاد بغرض السياحة ورغبتهم في البقاء فيها بشكل غير قانوني، فضلًا عن زيادة طلبات اللجوء إلى تلك البلدان، وحدوث قصور في اتفاقية إعادة قبول المهاجرين.
وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي سيعطي هذه الميزة لتركيا ولكن سيكون متحفظًا للغاية في انتظار القادم من التطورات.