خلفت مشاركة تونس الهزيلة في فعاليات الدورة الثلاثين لمعرض جنيف الدولي للكتاب والصحافة كضيف شرف، استنكارًا كبيرًا في قطاع النشر في تونس واستهجانًا من قِبل العديد من الكتّاب التونسيين ومنظمات المجتمع المدني، حتى إن بعضهم وصف هذه المشاركة بـ “انتكاسة للدولة” و”الفضيحة”.
وكان من المنتظر أن تكون هذه الاستضافة التي اختير لها موضوع “مكتشفات الثورة” وخُصّص لها جناح مساحته 650 مترًا مربعًا مهداة من المنظّمين، فرصة استثنائية لعرض المنشورات التونسية الخاصة بالخمس سنوات الأخيرة وباكتشافات ما بعد 14 يناير 2011 والوقوف على تطور المضامين وسياسات النشر في تونس، وفتح باب الحوار والتعاون مع الناشرين في العالم، غير أنه لم يحصل أي شيء من هذا.
وسجّل الجناح التونسي “مكتشفات الثورة” غياب لكل كاتب أو كتاب له علاقة بالثورة، وحضرت في مقابل ذلك المداخلات مثل “مئوية الطاهر الحداد” أو “التناوب الثلاثي الزراعي” أو “إلغاء الرّق”، ومحاضرات حول الدستور وجائزة نوبل للسلام أو أخرى تتعلق بـ “السينما التونسية عبر الزمن” و”تونس بول كلي عبر المنسوجات”.
وقالت العديد من دور النشر التونسية في رسالة لوزيرة الثقافة إن “هذا الغياب للناشرين التونسيين سيوحي للجميع بأنْ ليس لتونس جديد على قدر من الطرافة والتميز يمكن أن تُقدّمه في المجال الذي دُعيت لأجله ونقصد به مجال الكتاب، بل يمكن أن يوحي بغياب حركة نشر خاصة ومواطنة وهو ما يعطي لتونس صورة الدولة المهيمنة والمحتكرة لإنتاج المعنى وإمكانيات التعبير”.
وبرر عادل خضر، مسؤول الجناح ومدير معرض تونس الدولي للكتاب حضور مداخلات عن إلغاء الرق والاحتفال بمئوية الطاهر الحداد أن هذه الأحداث تعكس تغلغل التعطش للحرية والمناداة الدائمة للسلم في تاريخ البلاد، مما يخلق ترابطًا بين الأحداث التاريخية والأحداث الراهنة المرتبطة بالثورة، حسب قوله.
من جهتها اتهمت جمعية الجالية التونسية بسويسرا، مدير معرض تونس الدولي للكتاب عادل خضر والمكلف الرسمي برئاسة الوفد التونسي إلى جنيف، بالتنكر لتونس، وكتب رئيس الجمعية محمد الجريبي الجبالي “للأسف ومن اللقاء الأول مع المكلّف رسميًا بهذا الملف، عادل خضر، تبيّن أن غايته لم تكن تونس وإشعاع تونس بل إشعاعًا أيديولوجيًا موغلاً في اليسارية والإقصاء والراديكالية، عبّر عنها من خلال المقترحات التي حملها معه والقائمة أساسًا على دعوة لون واحد من المثقفين والكتّاب التونسيين”، في إشارة إلى أن هذا المسؤول اختار الكتاب وكتب اليسار دون غيرها من الكتب، حتى إنه حسب كلام الجريبي الجبالي تفاخر أمام مسؤولي معرض جنيف بغلقه باب معرض تونس الدولي للكتاب ومنذ 2013 أمام الكتاب الديني وكل ما يتعلّق بالدين وبأنه أخذ على عاتقه منذ تولي المهمّة محاربة الإسلام السياسي.
ووجّه كتّاب تونسيون النقد إلى نوعية الكتب المعروضة، واعتبروها ذات توجه واحد ولا علاقة لها بتاريخ تونس وثقافتها وحضارتها، إضافة إلى بعض الكتب المدرسية وقصص الأطفال الصغار.
وتمثل الدعوة لمعرض جنيف الدولي للكتاب والصحافة، حسب العديد من المتابعين فرصة حقيقية للتعريف بقطاع النشر في تونس ما بعد الثورة على نطاق دولي واسع، ورغم ذلك تم التخلي عنها واستغلالها لأغراض شخصية وفكرية.