ترجمة وتحرير نون بوست
قبل خمس سنوات، أنهت الولايات المتحدة المطاردة التي استمرت لعشر سنوات تقريبًا خلف مهندس هجمات الحادي عشر من سبتمبر؛ ففي صباح 2 مايو، قام فريق من قوات البحرية الأمريكية بمداهمة مجمع أسامة بن لادن في باكستان وقتل بالرصاص مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، المجموعة التي ارتكبت أعنف هجوم أجنبي على الولايات المتحدة في تاريخ البلاد.
كان بن لادن أحد الإرهابيين فقط، ففي وقت وفاته، كان الكثير من الباقين عازمين على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة؛ فخلال إعلانه عن مقتل بن لادن الذي وصفه بأنه “الإنجاز الأكثر أهمية حتى الآن في جهود أمتنا لهزيمة القاعدة”، حذّر الرئيس الأميركي باراك أوباما من أن مقتل بن لادن لن يشكل بحد ذاته نهاية لتنظيمه، وبأنه “ليس هناك شك في أن تنظيم القاعدة سوف يستمر في متابعة الهجمات ضد بلادنا”.
ولكن ومع ذلك، وبحلول عام 2011، قامت الولايات المتحدة بإزالة الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة في أفغانستان، والذي خطط أعضاء التنظيم ضمنه لهجمات 11 سبتمبر، واستهدفت عددًا من القيادات الوسطى والعليا من تنظيم القاعدة، حيث كانت الفكرة تتمثل بـ”قطع رأس الأفعى”، وتفكيك قدرة المنظمة على تنسيق الهجمات المعقدة التي تتطلب قيادة مركزية، وهذا النهج آتى أكله حقًا، ففي حملة إعادة انتخابه في عام 2012، أعلن أوباما بأن القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة قد انتهت.
ولكن أين هو التنظيم الآن؟ منذ أن اجتاح تنظيم داعش الأراضي في العراق وسوريا في عام 2014، قبل أن يعلن “الخلافة” ويطالب بولاء المسلمين في جميع أنحاء العالم، حجب تنظيم داعش التغطية الإعلامية عن القاعدة بخصوص الإرهاب الدولي؛ فالتنظيم التابع سابقًا للقاعدة تجاوز بسرعة حدود التنظيم الأب سواء من حيث الأراضي التي يسيطر عليها أو على صعيد السمعة الوحشية، ولكن وسط الجدل حول ما يجب القيام به حيال داعش، بقي تنظيم القاعدة حيًا ونشطًا، بل وتوسع في بعض الأحيان.
توضّح المرونة التي أظهرها تنظيم القاعدة على مدى السنوات الخمس الماضية، وخاصة بعد انشقاق داعش عنه، كيف يمكن للمنظمات الإرهابية أن تستمر بعد انتهاء قاداتها؛ ففي بعض الحالات، كأوم شينريكيو اليابانية والدرب المضيء في البيرو، عجّلت الإطاحة بالزعيم من أفول الجماعة المتشددة، ولكن من ناحية أخرى، استطاعت جماعات مماثلة، كحماس وحزب الله، أن تنجو من استهداف إسرائيل المتكرر لقادتها، فضلًا عن أن وفاة الزعيم قد تزيد أحيانًا من عنف المجموعة، كما حصل في حالة حركة الشباب في الصومال، حيث تنافس المقاتلون لخلافة قائدهم السابق، أو قد تؤدي هذه الوفاة إلى انهيار الانضباط بين جنود المشاة، مثلما حدث عندما انقسم تنظيم القاعدة تحت قيادة خليفة بن لادن أيمن الظواهري عن تنظيم داعش الذي كان تابعًا له آنذاك لأسباب يعود جزء منها لافتقار المجموعة الأخيرة للانضباط في ممارستها للعنف.
أوضحت دارسة أجراها روبرت بيب وجينا جوردان من جامعة شيكاغو في 2011، تم خلالها معاينة 300 حالة من حالات “قتل قيادات” الجماعات الإرهابية، بأنه وبالنسبة للجماعات الدينية مثل تنظيم القاعدة، فإن قتل أو اعتقال الزعيم لا يعجل بزوال الجماعة، بل قد يكون له تأثير عكسي، “الأمر الأكثر أهمية في المسار على المدى الطويل للجماعات الإرهابية مقتولة الزعيم هو الدعم الشعبي”، كتب الباحثان ضمن بحثهما الذي نشر بعيد وفاة بن لادن في صحيفة الأتلانتيك.
سعى تنظيم القاعدة، في شكله الحالي، لتعزيز قاعدته الشعبية في خضم تنافسه مع داعش في ساحات المعارك المحلية، وهو النمط الذي قد يسفر في نهاية المطاف عن تداعيات عالمية، وأوضح هيو نايلور في صحيفة الواشنطن بوست في يونيو الماضي، التوسع الهادئ الذي مارسه تنظيم القاعدة في سوريا واليمن، حيث كانت المجموعة “تستغل فوضى الحروب الأهلية لزيادة نفوذها” في تلك البلدان، كما ذكر نايلور بأن الجناح السوري لتنظيم القاعدة، جبهة النصرة، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية “تجنبا هذا النوع من الوحشية التي تميز به تنظيم الدولة الإسلامية، ويبدو بأن هذا التحول هو محاولة لكسب التأييد الشعبي ولتجنب نوع من العمل العسكري الدولي الذي يجابهه تنظيم داعش”.
بشكل عام، قد يتبين بأن نجاح داعش في الاستيلاء على الأراضي سيعكس التزامًا مرهقًا على التنظيم على المدى الطويل، وذلك لأن وجود داعش الواضح على الخريطة يجعل من الأسهل استهدافه، فضلًا عن أن حكم دولة بسكانها ومواردها هو أكثر تكلفة بكثير من التخطيط لتنفيذ الهجمات في الخارج، وهو التركيز الإستراتيجي التاريخي لتنظيم القاعدة، حيث نفّذ طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ أواخر شهر أبريل لعام 2014، حوالي 12,000 ضربة جوية ضد أهداف لداعش في العراق وسوريا، وعلى الرغم من أنه التحالف استهدف أحيانًا قادة جبهة النصرة، إلا أن التركيز الطاغي في حملة القصف كان تجاه داعش.
في هذا السياق، كتبت جنيفر سافاريلا من معهد دراسات الحرب مؤخرًا، بأن جبهة النصرة “كانت تلعب لعبة طويلة بهدوء تام؛ فالمجموعة لم تسيطر، بشكل متعمد، على مساحات من الأراضي خاصة بها، مما صعّب من مهمة استهدافها دون أن يستهدف الهجوم باقي جماعات المعارضة السورية الأكثر اعتدالًا التي تنخرط النصرة ضمنهم، كما حصّنت الأخيرة نفسها ضد الانتفاضات القبلية من خلال إعطاء الأولوية لسياسات الدعم المحلي”.
على صعيد آخر، يبدو الوضع في اليمن مختلفًا، حيث استطاع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن يغتنم بشكل مطرد مجموعة من الأراضي ترقى لتكون كما تصفها رويترز “دولة مصغرة مع صندوق حرب متخم بما يتجاوز الـ100 مليون دولار على شكل ودائع مصرفية تم نهبها وإيرادات قادمة من تشغيل ثالث أكبر ميناء في البلاد”، علمًا بأن تنظيم القاعدة اضطر للتخلي عن هذا المنفذ البحري في مدينة المكلا، أواخر الشهر الماضي، متنازلًا عن جزء كبير من مكاسبه.
وفي هذا السياق، يقول دبلوماسي لم يكشف عن اسمه لرويترز: “نواجه في اليمن وضعًا أكثر تعقيدًا لتنظيم القاعدة، فالأمر لا يتمثل بوجود منظمة إرهابية فحسب، بل بوجود حركة تسيطر على الأراضي في ظل ارتياح القاعدة الشعبية هناك لذلك”.
عملُ تنظيم القاعدة بنهج منح امتيازات الاسم “فرنشايز القاعدة” له نقاط ضعفه أيضًا؛ حيث جاء في مذكرة أصدرتها مجموعة صوفان، وهي مجموعة استخبارات استشارية، في أواخر عام 2014 حول استهداف القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية: “اعتماد تنظيم القاعدة على ضرورة تنفيذه لأعماله الإرهابية من مواقع ضعيفة، أجبرته منذ فترة طويلة على بناء مراكز بعيدة مهلهلة، حيث يسعى مشغلو هذه المراكز الطموحين لتحويل توجيهات زعيم القاعدة أيمن الظواهري إلى مؤامرات وخطط تستعمل العديد من الأصول المتحركة للتنظيم المرهق لوجستيًا”، وكانت النتيجة بأن هذه المؤامرات أصبحت هدفًا سهلًا نسبيًا لحملات مكافحة الإرهاب، ويمكن وصف الاستهداف المستمر للعمليات الخارجية لتنظيم القاعدة باعتبارها العنصر الأكثر نجاحًا في جهود السياسة الدولية لمكافحة الإرهاب، مما قضى على توزان المجموعة.
الجدير بالذكر بأن تنظيم القاعدة وداعش لم يتمكنا من تنفيذ أي هجوم كبير على الأراضي الأمريكية منذ حوادث سبتمبر، فالهجومان الدمويان اللذان نُسبا لتلك الجماعات في أمريكا منذ ذلك الحين، هما هجوم عام 2009 في فورت هود وإطلاق النار في سان برناردينو في عام 2015، وهما هجومان يحملان طابع التخطيط والتنفيذ الفردي والمستقل من قِبل المنفذين عن المجموعات التي تصرفوا باسمها.
أخيرًا، اعترف مدير وكالة المخابرات المركزية، جون برينان، يوم الأحد الماضي بأنه وعلى الرغم من تدمير الولايات المتحدة لجزء كبير من تنظيم القاعدة إلا أنه “لم يتم القضاء على المجموعة تمامًا”، أما بالنسبة لداعش وزعيمها أبو بكر البغدادي، فيقول برينان: “إذا وصلنا للبغدادي، فأعتقد أن ذلك سيحدث تأثيرًا كبيرًا على التنظيم”، ولكن كما تبين من مقتل بن لادن، وزعماء العصابات الإرهابية الآخرين غيره، فإننا لن نستطيع معرفة الطبيعة الدقيقة لهذا الأثر إلا بعد سنوات.
المصدر: ذا أتلانتيك