أعلن رئيس الجمهورية أكثر مرة في خطاباته أن أولويات حكومته ذات الأركان الستة هي الأمن فالأمن ثم الأمن، وصرّح منذ الأسابيع الأولى أنّه حكومته لن تتهاون مع من يهددون الأمن، ولكن الواقع يشير إلى تدهور الوضع الأمني يوماً بعد يوم، فما هي المشكلة؟ ومن هو المسئول؟
الوضع الأمني في مقديشو
تذكر التّقارير أنّ الصومال تعاني من انفلات أمني مقارنة بفترة حكومتي فرماجو وعبد الولي جاس، فقد أوقفت حكومة عبدي فارح شردون العلميات ضدّ حركة الشباب، ولم تحرر أية مناطق تذكر من قبضة حركة الشباب المجاهدين ذات الصلة بتنظيم القاعدة، بل إن الحركة تشن عملياتّها في قلب مقديشو، وتستهدف المناطق الأكثر تحصيناً، مثل مجمع الأمم المتحدة، والمباني التّابعة للسفارة التركية، وتفخخ سيارات تابعة للوزارت، وفي المقابل، تورّطت الحكومة في أكثر من حرب في الأقاليم الصومالية، ما أدى إلى تخوّف الكثيرين من عودة شبح الحروب القبلية.
الفشل الأمني: لماذا؟
يصعب على كلّ من كانت لديه صلات مع مليشيات مسلحة أن تخوض حرباً ضدّها، ولعل هذا يتضح عند تأمل علاقة الجيش اللبناني مع مليشيات حزب الله، التي تعاونت معه في حصار مسجد الشيخ أحمد الأسير مؤخراً، ورغم عدم مشروعية سلاح حزب الله، لا تحبّذ قيادات الجيش سحب سلاحها، تقديراً لتعاونهما أثناء احتلال جنوب لبنان.
وكذلك هو الوضع في الصومال، مع الفارق، -فحرب ما كان يسمى بـ”اتحاد المحاكم الإسلامية” لم تكن مشروعة- فإن عدنا بالذاكرة إلى الوراء، سنتذكر تخبّط رئيس الحكومة الانتقالية شريف شيخ أحمد في عامه الأول، وتردده في شنّ حرب على حركة الشباب، لأنه كان قائد ما عرف بـ”اتحاد المحاكم الإسلامية” في 2006م، وكانت الحركة فصيلاً محورياً في تلك المليشيا، وعندما أتى رئيس الحكومة “فرماجو” تمكّن في غضون خمسة أشهر من دحر الحركة، لانعدام الرّابط العاطفي أو التّعاون السابق مع أي من المليشيات التي مرّت في البلاد منذ 1991م. على خلاف الحكومة الحالية ذات الصلات والروابط السّابقة مع حركة الشباب، فوزير الدّاخلية ووزير الدّفاع كان ضمن من انشّقوا عن حركة الإصلاح الرّافضة لرفع السّلاح في وجه الصومالين تحت أيّة ذريعة، وأيّدا اتحاد المحاكم في حروبها على الحكومة الانتقالية، كما أن الرئيس حسن شيخ محمود ترأس جامعة دعا أحد إدارييها بجهوزية الجامعة لتقديم (1500) جندي متطوع من طلاب الجامعة، دون أن يعترض أو يحتج، بل كوفئ الرجل بأن أصبح المدير الحالي للجامعة المذكورة.
وأمّا الرئيس الصومالي، فالمقديشاويون يذكرون جيداً أنّه كان مسئول التعليم في دولة “مكة والمدينة” التي اخترعها زعيم الحرب الشهير “موسى سودي”، وربما لهذا صرّح الرئيس بعبارته الشهيرة:”من تعتبره أنت مجرماً، سارقاً، مغتصباً، ناهباً، يُعتبر بطلاً عند غيرك”، وبدأت علاقته مع وزير الدّولة لشئون الرئاسة أثناء عمله لدى “سودي”، وهذا الوزير استخفّ كثيراً بحركة الشباب، وقال: “إن حركة الشباب ليست أولية حكومته، لأنها “مشكلة آنية”، وذلك خلال زيارته للكويت في يناير 2013م.
من كلّ ما سبق، نستنج أنّ هذه الحكومة لم تصنف حركة الشباب “عدّواً للأمن القومي الصومالي” في البداية، ومع كلّ تفجير، تصدر بيان استهجان، ثم تغلق طرقات المدينة الرئيسية.
خطوات لتعزيز الأمن:
لم يكن من المتوقع في أي حال من الأحوال أن تختفي مظاهر الخلل الأمني في بنادر، أو في الصومال عموماً؛ فالبلد خرج للتو من مرحلة انتقالية طويلة، وقد قضت النّزاعات على كافة أشكال الحكم، وخصوصاً فيما يتعلّق بالأمن، فلا الشرطة مؤهلة للقيام بواجبها، ولا الجيش قادر على الدّفاع عن المنشآءات الحكومية الوليدة، والقضاء ليس مستقلاً أو نزيهاً، ويمكن وصفه بمؤسسة صورية. والأدهى من كلّ ذلك عدم امتلاك الحكومة لمصدر دخل قومي كاف لدفع مرتبات وأجور العاملين في المجالات الأمنية. وبناء على ما سبق، فالظن بأن في استطاعة الحكومة تحقيق المعجزة الأمنية التي وعدت بها مجرد هدر للآمال.ولكن كان المتوقّع قيام الحكومة بخطوات صحيحة على الأقل في سبيل خلق بيئة آمنة في بنادر أولاً، والتّقدم نحو هدف بسط الأمن على كافة التّراب الوطني، منها على سبيل المثال:
- إعادة فتح أكاديمية الشرطة والكلية الحربية، بدلاً من الاكتفاء بتأهيل أعضاء المليشيات السابقين، وبدلاً من تعهدّ وزير الدّفاع بتجنيد خريجي الثانويات والجامعات.
- الالتزام بدفع رواتب رجال الشرطة والقوات المسلحة باستمرار.
- عقد دورات توجيهية للشرطة والجيش لخلق عقيدة مفادها: “الدّفاع عن أمن المواطن والوطن” لتحلّ محل العقيدة الحالية:” الشعب عدّوي”
- تحسين الاتصالات بين الجهات الأمنية، والتنسيق بينها، وهو شبه معدوم حالياً.
خاتمة:
لا شكّ أن الحكومة الصومالية بدأت تدرك أنّ التّهديد الأكبر للأمن القومي يأتي من قبل حركة الشباب، بعد أن استخفت كثيراً بها، وبما يمكن أن تقوم به حتى بعد هزيمتها، واختلاف قياداتها. وما يزال أمام الحكومة ثلاث سنوات لتعمل بجدّية على تحسين الأمن وفق خطة واضحة، وتنسى علاقاتها مع الجهاديين، مع الأخذ بالاعتبار أنّ جميع مظاهر الخلل الأمني في مقديشو ليس اشتباكاً بين الفصائل المتنازعة كما في السابق،وإنما هي تفجيرات واغتيالات منظّمة.