“العربي لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم وإذا فهم لا يطبق”، “العرب جهلاء لا يعون الحياة”؛ جمل مغرضة صرفها المحبطون المثبطون لأمتنا العربية، لتفتير هممها وحل عزائمها وإبقائها في ذيل الأمم، غير قادرة على تسطير أروع سطور التطور الحضاري الذي كان يومًا من الأيام منوط بأجدادها وماضيها.
هؤلاء المثبطون لا يعلمون بأن الشاب الموريتاني ما زال محنكًا بلغته العربية مفتخرًا بها، تلك اللغة التي تعتبر اللغة الأغنى على سطح البسيطة والتي تباري الأمة العربية بها كافة اللغات الأخرى.
هؤلاء لا يعلمون بأن الشاب المغربي شاب ذو عزيمة صلبة يبني لبائن الحضارة ويرفض سوط الضيم ويهدم صرحه، هذه العزيمة التي اكتسبها من جده بن زياد الذي تدرس خططه العسكرية وتكتيكاته في أعرق الجامعات الشرقية والغربية.
إنهم يجهلون بأن الشاب الجزائري الثائر الذي مرغ أنف المستعمر ودحره خائبًا من بلاده، قادرًا على بناء حضارة ورقي ولكن انعدام القيادة الحكيمة تحول دون توفر الفرصة السانحة.
إنهم لا يعرفون بأن الشاب التونسي المهذب اللبيب على قدرة كبيرة لإظهار أفضل الاختراعات التكنولوجية البرّاقة على السطح، واسألوا المخترع “عمر الهوائي” عن ابتكاراته الإلكترونية التي أبهر بها العالم في المسابقة العالمية للاختراعات التي أُقيمت في جنيف عام 2010، كما أنه يخفى عليهم أن التونسي الديمقراطي رسخ مفهوم الانتفاض ضد الظلم وتأسيس النظام الديمقراطي المتماسك كمثال نموذجي للثورات الحديثة على مستوى العالم.
إنهم بعيدون كل البعد عن الإلمام بالشاب الليبي الأصيل الكريم الذي يكرم ضيفه ويأوي الضال ويقنع بالقليل ويمنح الباحث عن العمل الفرص والإمكانيات، وأين ذكر أن من زار جنة الصحراء خرج منها متذمرًا.
إنهم لا يعون فكاهة الشاب المصري وتاريخه العميق في الهزل والكوميديا، ذلك التاريخ الذي تفوق على شكسبير، ولا يعملون بأن إنتاجه السينمائي الفني العريق يُعد من أقدم السينمائيات بعد السينما الإنجليزية، ويحتل المرتبة الثالثة من حيث قدرته الإنتاجية بعد السينما الأمريكية والهندية.
وما ذنبنا إن كانوا جهلاءً لا يدرون بأن الشاب السوداني المنصف المستقيم النقي هو ابن الأجداد الذين ساهموا في بناء الكثير من الحضارات عندما توفرت لهم الإمكانيات، وليسألوا محمد علي باشا عن مسانديه في بناء دولته.
وما ذنبنا إن كانوا يريدون أن يتغاضوا عن أخلاق وقدرات الشاب الفلسطيني الصابر المرابط المثابر الذي يقاوم محتله بأخلاق تحرم قتل الأبرياء وبعزيمة تهز الجبال الشامخة، وهذه زكيم فليسألوها عن أخلاقه وصلابته عندما يفيقون من عماهم المتعمد، ورغم ضيق الحال وشح الفرص إلا أن ذلك الشاب يتحلى بصفات الإبداع والإنجاز، وليسألوا أروقة قناة الجزيرة عن بُناتها، وليسألوا، عن “حنان الحروب” أفضل معلمة في العالم وليسألوا عن الدكتور “رياض جدّال” أفضل رجل في إدارة المخاطر المؤسساتية على مستوى العالم، وليسألوا عن الكثير من الفلسطينيين الذين بنوا حضارات وهم محرومون الوطن فكيف ولو وجد الوطن؟
إنهم لا يدرون بالشاب الأردني الشهم الذي يصون الكرامة ويساند المظلوم ويأبى الانكسار أمام المعتدي ومعركة الكرامة 1968 مثال ما زال يُرعب الصهيوني ليومنا هذا.
إنهم لا يدرون بالشاب اللبناني مثال الحضارة والتفاهم، ذلك الشاب الذي حافظ على وطنه الفسيفسائي لسنوات على الرغم من مكائد الأعداء وأبقى وطنه قائمًا شامخًا يرفع رايته في وجه المغتصبين.
إنهم أصغر من أن يعلموا بالشاب السوري وحضارته الأموية والزنكية والأيوبية وغيرها الكثير من الحضارات التي انطلقت من الربوع السورية وبنت الحضارات العريقة التي تركت أروع الأمثلة النموذجية للبنيان المادي والقيم الأخلاقية المعنوية.
إنهم أصغر من أن يعلموا بالشاب العراقي وأجداده العباسيين وحضارتهم التي بنت أول جامعة ومستشفى في العالم، محتضنةً بذلك العلم والعلماء ومفندةً الأقاويل الكاذبة التي تتهم العربي بهتانًا وزورًا بالخمول وعدم الإنجاز.
إنهم لا يصغون إلى تاريخ الشاب الحجازي الذي ناصر أجداده النبي الأكرم ودعوته الكريمة التي شكلت نموذجًا فريدًا في القيم والأخلاق وبناء الحضارات المتكاملة الشاملة، إنها دعوة الدين الإسلامي الذي حكمت العالم لسنوات ولم يتمخض عنها إلا الاختراع والابتكار والتطور، وبينما كانت أوروبا تعيش في عصورها المظلمة كان الإسلام في أوجه يبني ويقيم ركائز الأصالة التقدمية التي اقتبستها أوروبا وتنكر فضلها اليوم.
إنهم لا يصغون إلى تاريخ الشاب العماني المنتمي لبلد الآداب والذوق والشعر بلد الفراهيدي أحد أئمة اللغة والأدب الذي وضع علم العروض وشكل بذلك قاعدة شعرية عجز من سبقه ومن تبعه من الشعراء حول العالم أن يجدوا لها مثيلاً، وإلى يومنا هذا ما زال الشاب العماني يشكل القامة الأدبية التي تسير بذوقها ورونقها.
إنهم أعجز من أن يصدقوا بأن الشاب اليمني ابن إحدى أعتق الحضارات في العالم، حيث علمنا بسبأ العريقة عبر الكتب السماوية، وما لم نعلم ونبلغ به كان أعظم وأروع.
إنهم أعجز من أن يصدقوا بأن الشاب الإماراتي الثري لم يهدر ماله كما يصفونه، بل أحسن استغلاله وشيد المدن الضخمة التي أصبحت قبلة الفن والأدب والاقتصاد والعمل.
إنهم لا يريدون أن يقتنعوا بأن الشاب القطري أحسن استخدام ثراءه بتشكيل حاضنة للخبراء والمبدعين، وبذلك أصبحت قطر مثل عالمي يُحتذى بها في مجالات عدة، أبرزها مجال أساليب ترسيخ الهيمنة السياسية باستخدام القوة الناعمة، مثل الإعلام “الجزيرة”، والدبلوماسية العامة “دعم المشاريع التطويرية في البلدان الفقيرة”.
إنهم لا يريدون أن يقتنعوا بأن الشاب البحريني شاب ذو قدرة على العمل والإبداع، ولكن يُريد إلى محفز وموجه، وذلك ما تنحرم منه البحرين على الرغم من حجم الثراء العظيم الذي تتمتع به.
نعم إنهم المثبطون الذين لا يريدون أن يقتنعوا بأن الشاب الكويتي أصيل متواضع لم يغره الثراء، بل دفعه للعمل والجد وبناء المشاريع.
وفي هذه الإطار وحسب ما يبيّنه علماء الاجتماع، تتشكل الحضارات من عنصرين أساسيين هما:
ـ الأخلاق: هذا المصطلح مصطلح نسبي يختلف تعريفه من منطقة لمنطقة، فبينما الحضارة الغربية تعتمد على الأخلاق المادية التي ترى المصالح أساس للتعامل مع الآخرين، تقوم الحضارة العربية الأثيلة على الأخلاق الحميدة القائمة على الأصالة بعيدًا عن المصالح، فالشهامة والكرامة والكرم والجود ومساندة المظلوم والعزة وغيرها من الأخلاق الفريدة شكلت الحضارة العربية لسنوات مديدة.
ـ الثراء: الثراء المادي هو أساس قيام كل قائمة، ويعتبر العنصر الأساسي لتحويل أخلاق وصفات مجتمع ما لحضارة تليدة، ولكن الثراء دائمًا بحاجة إلى توجيه عقلاني يسخره للبناء والتعمير وليس الإسراف والتبذير، وعند النظر إلى المجتمع العربي نجد أنه مجتمع ثري بشكله العام.
السؤال الذي يخطر على بال كل شاب عربي في وقتنا الحالي هو: ما دام هناك توافر لعناصر تأسيس أعرق الحضارات لماذا لا تُعد الحضارة العربية في أوجها كما في الماضي؟
حسب قناعتي، العوامل التي تحول دون تدشيننا لحضارة مجيدة هي:
ـ انعدام الإدارة العقلانية: الشاب العربي لديه قدرات ومواهب دفينة، ولكن لا يجد الفرصة أو الإمكانيات لإخراجها، الشاب العربي لديه طموح ولكن لا يجد مركز أبحاث يمد له يده لتحقيق طموحه، الشاب العربي لديه انتقاد بناء ولكن بدلاً من أن يجد آذان صاغية يجد زنازين الظلام أمامه، تحتضنه تلك الزنازين لسنوات طويلة وكأنه جاسوس لدى العدو.
انعدام الفرص ومراكز الأبحاث والنطاقات الممكنة سببها الرئيس هو انعدام أسس الإدارة العقلانية لدى زعماء الدول العربية، إذ إن هؤلاء الزعماء أسسوا نظام حكمهم بناءً على توجيهات الدول التوسعية التي تحرص حرصًا شديدًا على إعدام كل ذرة طموح أو إرادة تظهر للسطح في منطقة الشرقة الأوسط، لذا تُبقي هذه الدول المنافقة والمدعية دعمها للديمقراطية والحرية والليبرالية والتقدم الزعماء المتسلطين على سدة الحكم، لسهولة إدارتهم كبديل عن النظام الديمقراطي الحضاري المبدع المستقل الذي من الصعب إدارة بنيانه، إذ إن تأسيسه يعني صدور القرارات من ظهراني الشعب بشكل يخدم مصالحه، وهذا الأمر الذي ترفضه الدول التوسعية بشكل قاطع.
ـ انعدام الرؤية المجتمعية الفردية: ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الرؤى الاستراتيجية في قطر والسعودية، ولكن عند النظر إلى هذه الرؤى نجدها رؤى اقتصادية بحتة تهتم فقط بالنمو أو التنمية الشاملة المتعلقة بتنمية الثروة البشرية “صحة، تعليم” والاقتصاد المعرفي المعتمد على الاختراع والثقافة الاقتصادية الإنتاجية ونجد المبادئ المتعلقة بها تكاد معدومة.
تعاني الدول العربية منذ استقلالها وحتى الآن من انعدام الرؤية التنموية الشاملة التي تعدم بدورها الرؤية المجتمعية وتدمر التفكير الإبداعي والطموح المستقبلي العالي لدى الشاب العربي، وإن كان لنا أمل فهو نهضة الأمة العربية.