ها هي الجزائر المُدافعة عن القضايا العربية العادلة، والتي طالما عُرفت بنصرتها للشعوب المستضعفة، والتي ضَجّت أسماع العالم وصفحات التاريخ بمواقفها المشرفة، تمتطي اليوم سُفنًا أشرعتها شرائع إيران وروسيا، لتجري بها على بحار من دماء الأبرياء، فيذهب مساهل ليتساهل مع سفاح سوريا، ويضع يده في يده النجسة، دون حياءٍ وعلنًا دون خلسة.
الجزائر التي كانت هيبتها تقاس بهيبة قادتها وساستها كهواري بومدين الذي كانت تهتز لرؤيته الفرائسوالذي كان شامخًا لا يهاب حتى أمام أمريكا التي انحنت أمامها ظهور كل العرب، هذا الرجل الذي حين أرسل له جمال عبد الناصر في الخامس من شهر جوان 1967، ليطلب نجدته بإرسال بعض من الطائرات الحربية، أرسل له على عجل كل ما تمتلك الجزائر من طائرات، وقابل في اليوم التالي السفير الأمريكي بالجزائر الذي أبلغه رسالة رئيسه قائلاً: “كلفني الرئيس الأمريكي بأن أنقل إليكم بأن حكومته لا تنظر بعين الارتياح لإرسال الجزائر للطائرات الحربية إلى عبد الناصر”، فأجاب بومدين بنبرة غاضبة على الفور:“أولاً انتهى ذاك الزمن الذي كانت فيه أمريكا تأمر والبلدان الصغيرة تطيع، وثانيًا انتهى وقت المقابلة”.
أما الأمير عبد القادر الذي يقبع حفيده اليوم في سجون الأسد، فقد قال: “لو جمعت فرنسا سائر أموالها وخيّرتني بين أن أكون ملكًا عبدًا، أو أن أكون حرًا فقيرًا معدمًا، لاخترت أن أكون حرًا فقيرًا”.
أما عن فرنسا التي يذهب رئيسنا إليها في كل وعكة، وكأنه يتبرك بمكة، فالأميرعبد القادر قال عنها:
“أنا لست كخديوي مصر، إن إبراهيم باشا يرى باريس وغيرها من أمصار فرنسا مهدًا له يمرح فيه كيف يشاء، أما أنا فلا أرى فرنسا إلا سجنًا لي ولمن معي ، فلا فرق عندي بين طولون وباريس”
والآن تضع الدبلوماسية الجزائرية يدها بيد فرنسا وأخواتها، لتصافح قذارة يد الأسد، هذا الذي جمع بأسه وجبروته كل الغزاة، والذي وصفته جريدة تايمز البريطانية بأنه مجرم حرب، ويقتل ببراميله طفلاً كل 25 دقيقة، الأسد الذي أباد حلب كما لم يفعل طاغية في أي بلد، حلب التي قال عنها صلاح الدين الأيوبي: “ماسررت بفتح قلعة أعظم من سروري بفتح حلب، فإذا سقطت حلب سقط الشام كله”.
أسفنا على الجزائر بعد كل ذاك المجد، فبدبلوماسيوها اليوم في سباق لتصل مستنقع ضفادع النفاق، وتبحث عن تصفيق بعد أن أطربت روسيا وأمريكا بأعذب نقيق.
وقد يخيل للكثيرين أنّ أمريكا ليست داعمة لروسيا في حربها على سوريا، والحقيقة خلاف ذلك؛فأمريكا باتت لها عقيدتها الجديدة، التي تجعلها تأمر بالقتل دون أن تتلطخ بدماء سيشهدها الرأي العالمي كله، فتذهب بذلك سمعتها وتذوب شمعتها، التي تشعلها زيفًا بما تدينه عن الإرهاب، فعدّلَت سياساتها بالانتقال من نموذج الحروب بالإنابة عن الأنظمة، إلى نموذج الحروب بالوكالة عن الدول الكبرى نفسها.
وموقف الجمهوريين الأمريكيين هو الآخر يدعم هذا التحليل، حيث تحدث زعيم صقور الجمهوريين في مجلس الشيوخ “جون ماكين” والداعم للتدخل العسكري في سوريا عن عدم عمل إدارة أوباما ما يكفي لمنع التدخل الروسي في سوريا، وعن عدم تقديمها أي حلول أو إجراءات يجب عليها عملها.
ويكفي ما تفعله الأمم المتحدة كدليل واضح على تواطؤها الصارخ، فكيف وهي التي بيدها الأمر والنهي تستشير الأسد حتى في مساعدات تقدمها لشعب سوريا، في حين لم تستشره في إدخال جنودها على ترابها، وما قاله أوباما: “الإطاحة بنظام الأسد سيكون خطأ كبيرًا” يؤكد ذلك.
وزبدة القول أنّ كل ما يحدث في العالم العربي لا يمكن حله إلا بسيادة كلية غير مجزّأة،أولاً: الانفصال عن الأمم المتحدة التي تكيل بمكيالين، وثانيًا: هدم جامعة الدول العربية التي تخدم كل دول العالم إلا الدول العربية، واستبدالها كما قال أردوغان بـ “جامعة الدول الإسلامية”، وثالثًا: على الدول العربية المتواطئة مع أمريكا وروسيا الاستفاقة من غفلتها، لأن تلك الدول من قواعد سياستها أنه إذا تساوى المبدأ والمنفعة أن تُؤثر المنفعة، كما أنه لا يمكن أن تثقوا كثيرًا بمواقعكم، لأنها في أي لحظة ستقع بكم، فسياستهم الجديدة هي سياسة التموقع ثم التخطيط وليس التخطيط للتموقع، فأنتم بذلك تقفون على شفا جرف هار سينهار حتمًا بكم، وأما إرسال تحالف كتحالف الحزم لسوريا فهو إطفاء للنار بالنار وتبقى بعد الحلول الدبلوماسية كآخر قرار.