ليس من قبيل القسوة على الجماعة الصحفية المصرية، هذا العنوان، في الحكم على ما جرى ولا يزال يجري على قارعة رصيف وسلم النقابة، وداخل أبهائها العامرة، في أعقاب تصاعد أزمة اقتحام قوات من الشرطة المصرية لمقر النقابة، وإلقائهم القبض على كل من عمرو بدر رئيس تحرير “بوابة يناير” الإلكترونية، والصحفي محمود السقا المحرر في نفس الموقع.
كما أنه من قبيل الواقعية وضرورات التحليل السليم، أن نؤكد على أن الأزمة الراهنة بين الحكومة وبين نقابة الصحفيين، وجماعة الصحفيين بشكل عام، ليست وليدة هذا الموقف، وإنما كان هذا الموقف – اقتحام النقابة – ذروة من ذرى مسلسل الأزمة المستمرة، منذ أن وضح أن النقابة تتحول – كمقرٍّ ونشاطٍ وعضوية – إلى بؤرة خارج سيطرة الدولة، تدعم من النشاط الاحتجاجي في مصر، بشكل شديد الكفاءة والفاعلية، يقدم إسنادًا إعلاميًّا وجماهيريًّا وحقوقيًّا ضخمًا يكسب هذا النشاط الزخم الذي رأينا بعضه في مشهد النقابة الفريد من نوعه، في جمعة “الأرض هي العرض”، يوم 15 أبريل.
وفي موضوع سابق، ذكرنا أن الدولة – بشكل مبدئي وعام – لن تترك الأمر يمر؛ حيث إنها سوف تعمل على احتواء الموقف بشكل يمنع تكراره مرة أخرى بأية صورة من الصور.
نقاط تأسيسية في بواعث الأزمة!
قبل تناول بعض تفاصيل وخلفيات الموقف، فإننا سوف نشير إلى واقعتَيْن، تقفان – ضمن أمور أخرى – خلف الأزمة الحالية بشكل مباشر.
الواقعة الأولى، قيام بعض الصحفيين من أعضاء النقابة، وهنا لفتة مهمة أن نقول هذا التوصيف عنهم “بعض الصحفيين من أعضاء النقابة”، لأن الأزمة كلها تصب في هذا الاتجاه كما سوف نرى، نقول قيام بعض الصحفيين من أعضاء النقابة، وهم في الغالب من صحفيي الإخوان المسلمين، بتمرير بعض الأنشطة التي لا تتعلق بالوسط الصحفي ولا بالنقابة، مثل مآسي المعتقلين وأسرهم، من الإخوان وأنصار الشرعية، في السجون المصرية.
ثم انتقل هذا الأمر، إلى نقطة تصعيدية أبعد من ذلك، وهو استضافة أبهاء النقابة لأسر المعتقلين نفسها، في ظل القيود المشددة التي تفرضها الداخلية على الزيارات، وهو أمر مزعج للغاية بالنسبة للنظام.
وهنا تجب تنويهة مهمة، وهي أن هناك تمييزًا كاملاً من جانب النظام الحاكم في مصر – كما ذكرنا ذلك في موضوعات سابقة – بين أية احتجاجات تتم في الإطار القانوني والسياسي الحاكم في مصر حاليًا، أو بالمعنى السياسي والقانوني، “الشرعية” الحالية في البلاد، وتلك التي تتم من جانب الإخوان المسلمين وأنصار الشرعية، تحت شعارات خارجة عن ذلك مثل “يسقط يسقط حكم العسكر”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”.
في النوعية الأولى من الاحتجاجات، لا توجد أية مشكلة للنظام الحاكم في مصر في الوقت الراهن، وهو على استعداد – حتى – لأن يجعل رئيس الحكومة نفسه، المهندس شريف إسماعيل يجلس مع الصحفيين لبحث “أزمة النقابة مع الداخلية”، وهي بدورها لفتة مهمة سوف نوضح أهميتها في موضعٍ تالٍ.
والنظام يقصد بذلك بطبيعة الحال، خلق حالة من الفوبيا بين الجماعة الثورية المصرية وبين الإخوان المسلمين، وعزل الأخيرين عن أية احتجاجات ذات طابع مدني أو جماهيري أو ما شابه، والقضاء على أهم خطر يهدده وهو الاصطفاف الوطني وتوحُّد جبهة الجماعة الثورية المصرية.
الواقعة الثانية، حدثت يوم الجمعة 15 أبريل، عندما بدأت وقفة النقابة في التفرق، بموجب اتفاق بين خالد علي المحامي والناشط المعروف، وبين الشرطة، وكانت هناك عناصر من النشطاء تنتظر قوات الداخلية انصرافها للقبض عليها، فتم إدخالها إلى النقابة لأجل تفويت الفرصة على الشرطة للقبض عليها.
وهم بدورهم كانوا عناصر ناشطة “من غير أعضاء النقابة”.
هنا نصل إلى النقطة المهمة التي تنصب وتدور حولها الأزمة الراهنة.
أزمة ضمن مخطط أكبر!
بدايةً، فإنه من هزل الهزل، القول بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لم يكن على دراية بما جرى، وأنه حَكَمٌ بين السلطات، كما تروج بعض الأوساط الإعلامية المحسوبة على السلطة في مصر، حيث كل شيء في الأمر تم بعلمه وضمن استراتيجية أوسع للدولة لاستعادة هيبتها أو لنقل جبروتها الذي زال في السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير.
فعلى أبسط تقدير ووفق شهادات عدة، فإن محيط نقابة الصحفيين قد تم إغلاقه يوم 25 أبريل، ويوم تفجر أزمة الاقتحام مساء يوم الأحد 1 مايو، كما تم إغلاق شارع عبد الخالق ثروت حيث يقع مقر النقابة، وهو أحد أهم شوارع وسط القاهرة، ومعلومة لا يعرفها الكثيرون، فإن أية خطوة من هذا القبيل، لا يمكن أن تتم إلا بمعرفة القيادة السياسية.
فوفق خطط تأمين العاصمة، لا يمكن لوزير الداخلية أو محافظ القاهرة نفسه – بالرغم من أن الأول هو المسؤول التنفيذي الأول عن الأمن الداخلي، والثاني يحظى بصلاحيات رئيس الجمهورية في محافظته – أن يأخذ قرارًا بهذه الحثيثية من دون معرفة القيادة السياسية وكذلك القيادة العسكرية وبالتحديد قيادة المنطقة المركزية العسكرية، وهي التي تتبعها العاصمة ويقع في نطاقها التأميني قطاع القاهرة الكبرى بالكامل.
وتكرر المشهد في الأيام التالية للاقتحام، حيث تم غلق شوارع رئيسية في وسط القاهرة، ولو أن ذلك كان بعيدًا عن السيسي، فهذا يعني انقلابًا صريحًا عليه، خصوصًا وأن وزارة الداخلية لا يمكنها إطلاقًا أخذ قرار بهذا الحجم من دون موافقة القوات المسلحة، وإلا كان رأس الوزير هو ثمنه، وهو كلام لا مبالغة فيه بالإطلاق.
فلو تجاوز الوزير شخص الرئيس في هذا الأمر، فإنه لن يمكنه أخذ قرارٍ بهذا الحجم من دون إعلام قيادة المنطقة العسكرية المركزية، وبالتالي فإن تنفيذه هذا القرار من دون علم السيسي يعني أن القيادة العسكرية المركزية تتحرك خارج علم السيسي، لأن ذلك يرتبط بخطط أخرى عسكرية تأمينية للعاصمة، لا يمكن أن تحدث من دون علم وموافقة القيادة العامة وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المصرية.
لذلك يمكننا استبعاد فرضية أن الموضوع لـ “توريط السيسي” ضمن ما يُطلق عليه مصطلح “صراع الأجنحة” في الدولة المصرية؛ حيث إن هذا الصراع لا يرتبط بالأجهزة التنفيذية، وإنما يتعلق بالأساس بصدامات مصالح بين رجال الأعمال وبعض المؤيدين للرئيس المخلوع حسني مبارك أو تحديدًا نجله جمال، وقيادات سابقة في الحزب الوطني المنحل.
وهذه كلها شواهد أن الأمر مُدبَّر ومرتب، ولكن الأهم من ذلك ويؤكد هذا، هو المعلومات المتعلقة باستراتيجية الدولة لمحاصرة أية بؤر أو كيانات أو هيئات، تعمل في غير إطار السياسات الرسمية وخارج إرادة الدولة، ولا تخضع لسلطان الحاكم.
والحاكم هنا – لتحديد المفاهيم – ليس السيسي، بل الأمر يتعلق بمؤسسات يمثلها السيسي في رئاسة الجمهورية، وتشمل هذه المؤسسات، المؤسسة العسكرية، وأجهزة وقوى أخرى، تمثل عصب الدولة المصرية، وتعبِّر عنها في الذهن، أول ما تعبر عنها، عندما تُذكَر كلمة الدولة.
فترتبط هذه “الثورة” الرسمية – إذًا – ضد نقابة الصحفيين بملف أكبر، كان محل “احتكاك” بسيط، دبلوماسي وإعلامي، خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى مصر مؤخرًا، وهو ملف السيطرة على المجتمع المدني في مصر.
في حينه قال السيسي جملة لافتة للغاية، عندما تم فتح هذا الملف في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع هولاند، وفحواها أن المعايير الغربية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني لا تنطبق على مصر، وهو ما أيده فيه هولاند، وما دفعه فقط للقاء ممثلين عن المجتمع المدني المصري، هو الحرج الذي ظهر به “رئيس “فرنسةِ” حقوق الإنسان والحريات”، عندما أبدى كامل التفهُّم لموقف الحكومة المصرية في هذا الصدد.
ولم يكن هولاند ليكون على هذا الموقف، إلا لو كان هناك ترتيبات ومحادثات سرية خاصة جرت بينه وبين السيسي ومسؤولين من الحكومة المصرية، وبين الرئيس الفرنسي “أقنعوه” فيها بـ “حجم المخاطر” التي تواجه الدولة المصرية، والتي “تورط” فيها نشطاء حقوق إنسان في مصر.
في هذا الإطار، لا يمكن إطلاقًا إغفال تفجير وسائل إعلام وصفحات محسوبة على الدولة المصرية، لذكرى قضية 250 حصر أمن دولة عليا، والمتعلقة بتلقي عدد من الشخصيات المصرية العامة ومنظمات حقوق إنسان ومجتمع مدني، تمويلاً أجنبيًّا، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، واتهامهم بالتخابر.
ومن بين هؤلاء سياسيون وحزبيون وقانونيون وإعلاميون، وحتى من بين أعضاء المجلس العسكري القديم الذي تسلم السلطة من مبارك بعد الثورة، مثل الفريق سامي عنان رئيس الأركان، واللواء حمدي بدين، قائد الشرطة العسكرية، في ذلك، وكذلك رجال أعمال من عهد مبارك، وعلماء دين وسياسيين أيدوا 30 يونيو.
نقابة الصحفيين في عين العاصفة!
هنا نأتي إلى مفصل مهم في أمر نقابة الصحفيين، ذكرنا في صدده بعض التنويهات والوقائع في القسم الأول من الموضوع.
بدايةً في هذه النقطة، يجب التأكيد أن النظام يلعب بورقة القانون بشكل جيد.
فعلى سبيل المثال؛ عندما تم اعتقال مجموعة من النشطاء عشية وأثناء جمعة الأرض، وكذلك عشية وأثناء أحداث يوم 25 أبريل، كان المبرر أن من تم اعتقالهم “كانوا يسعون إلى قلب نظام حكم شرعي بطرق غير شرعية”، أي من خلال “احتجاجات وفوضى”، بينما النظام – من المفترض – أنه قد جاء بواسطة انتخابات “نزيهة، وحرة”، وفق دستور تم اختياره باستفتاء شعبي “مباشر، ونزيه”.
وعندما وضح دور النقابة في أحداث جمعة الأرض، بدأ تنفيذ خطة احتواء النقابة، وإفراغها من أهم محتويات أدوارها، وهو رعايتها لنشطاء وشخصيات “غير نقابية” مثل أسر المعتقلين، ومثل بدر والسقا!
فلمَّا صدر قرار النيابة العامة بضبط وإحضار كلٍّ من بدر والسقا، في إطار موضوع جمعة الأرض، كان الأمر – أولاً – يرتبط بالجانب السابق الإشارة إليه، وهو تورطهم في أنشطة تدعو إلى أمور تتجاوز فكرة الاحتجاج في إطار “الشرعية” السياسية والدستورية والقانونية السابقة، والتي يعني التعامل معها، تجاوز كل شيء وكل اعتبار، كما يتم مع مسيرات ومظاهرات الإخوان وأنصار مرسي.
ولما ضاقت عليهما الأرض بما رحبت، كانت النقابة مفتوحة الأبواب أمامهم للاعتصام، وهنا يظهر الجانب القانوني والسياسي لأمر نقابة الصحفيين، من أنها في النهاية، ووفق القانون المنشئ لها (القانون رقم 76 لسنة 1970) فهي كيان نقابي يخص أصحابه، ويعبر عنهم وعن مصالحهم أمام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة، ولكنه لا يخص غيرهم، كما لا يجوز له أن يقوم بأي نشاط سياسي.
فكل ما كانت وما زالت النقابة تقوم به من نشاط حقوقي وسياسي – وهي حقيقة قانونية وسياسية – إنما هو بعين رضا الأنظمة والحكومات المتعاقبة، أو حتى بغضاضةٍ منها، لاعتبارات هي مجبرة عليها، مثل تجميل الصورة أو حرصًا على مصالح سياسية وأمنية داخلية وخارجية.
المهم، تم اعتقال بدر والسقا بموجب القانون، ولكن بإجراءات غير قانونية، وبطريقة أثارت كل هذه الضجة، وهي ضجة مقصودة، لأجل تحقيق مجموعة من الأهداف، وإيصال مجموعة من الرسائل إلى المجتمع المدني بشكل عام، والنقابة بشكل خاص.
قبل التعرُّف على هذه الأهداف والرسائل، فإن وزارة الداخلية فيما تم من إجراءات، لم تخالف المواد: (69) و(70) و(71)، من القانون المنشئ والمنظِّم للنقابة، هي فقط خالفت المادة (70)، والتي تنص على أنه “لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بموافقة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلها”.
أما المادة (69) التي تنص على أنه “إذا اتهم الصحفي بجناية خاصة بعمله الصحفي فللنقيب أو لرئيس النقابة الفرعية أن يحضر التحقيق بنفسه أو من ينيبه عنه”، والمادة (71) التي تنص على أنه “للنقابة وللنقابات الفرعية حق الحصول على صور الأحكام الصادرة في حق الصحفي والأحكام والتحقيقات التي تجري معه بغير رسوم”، فلا تنطبقا على حالة بدر والسقا، لأنهما ليسا عضوَيْ نقابة، فقط بدر على قوائم الترشيح للعضوية.
تبعًا لهذا العرض القانوني السريع للموقف، فإن أحد أهم أهداف الحكومة من وراء ما جرى، هو تحديد النقابة بحدود عضويتها، وتحديد نشاطها بحدود القانون الخاص بها، وهو أمر شديد الأهمية بالنسبة للنظام، في ظل الوضع السابق الذي أشرنا إليه، وآلت إليه النقابة، كـ “بيت حكمةٍ” أو “بيت أمةٍ” جديد للمصريين المعارضين للنظام.
وبدت أول وأهم مؤشرات ذلك، عندما قام النقابيون اليوم، باعتراض بعض الصحفيين الإلكترونيين، في صدد المشاركة في الفاعليات التي تمت، باعتبار أنهم ليسوا صحفيين، أو بمعنى أدق، ليسوا أعضاء في النقابة، وهو ما يشير إلى أن هذا الأمر، تم طرحه في الكواليس على مجلس النقابة من جانب وسطاء وممثلين عن النظام وعن وزارة الداخلية.
ماذا بعد؟!
يمكن القول دون خطأ كبير في التوقُّع أن الأمر سيتم تهدئته وامتصاصه من جانب النظام الذي لم يتوقع رد الفعل هذا، خصوصًا وأنه من المعروف أن مجلس النقابة، والنقيب يحيى قلاش، لنقُل إنهم على “علاقة طيبة بالحكومة والنظام”، وأن أكثر من نصف أعضاء النقابة من مؤسسة “الأهرام” الصحفية نفسها، وهي مؤسسة قومية، تخضع لقبضة الدولة في كل شيء، بما في ذلك التعيينات والتمويل.
ولكن موقف الداخلية، لم يسمح لـ “أصدقاء” الدولة في المؤسسات الصحفية بعمل أي شيء، وربما لا يكون من قبيل المبالغة القول أن يحيى قلاش “اضطر” إلى ما قام به من حشد ودعم.
كما استقطبت الاحتجاجات كذلك بعض أعضاء النقابات المهنية الأخرى، ولكن بدرجة لا يمكن معها القول أنها حالة احتجاج نقابي شاملة.
ومن المعروف أن الدولة لها أسلوب في التعاطي مع هذه الأزمات، يعتمد على تفرقة الحشد، والاجتماع بأطراف الأزمة، والاستعانة ببعض “الأصدقاء” في النقابات، من أجل تنفيس الدخان الأسود الذي في الصدور وتهدئة الموقف، تمامًا كما جرى مع احتجاجات الأطباء بسبب اعتداء أمناء الشرطة على بعضهم في مستشفى المطرية العام، في فبراير الماضي، ومن قبل ذلك، احتجاجات أمناء الشرطة في محافظة الشرقية ومحافظات أخرى في 2015م.
وهو السيناريو الذي تم في أزمة النقابة؛ حيث تمت الدعوة إلى اجتماع بين رئيس الوزراء وممثلين عن النقابة، سيتم فيه طرح كل ما سبق على مجلس النقابة، وسوف يضطر المجلس إلى أخذ بعض القرارات التي ترتبط بالصورة القانونية والسياسية السابقة، لأن الخطوة التالية لو لم تتم الاستجابة إلى مطالب الدولة في هذا الصدد، هو فرض الحراسة على النقابة لمخالفتها القانون، وهذا حقيقي؛ فهي في النهاية تخالف القانون، والقضاء يمكنه بموجب ذلك فرض الحراسة عليها.
وثمَّة أمور أخرى هنا تسترعي الانتباه، تقول إن الأمر لن يستمر في التصعيد، الأمر الأول، هو عودة بعض الوسط الصحفي إلى آفة في الاحتجاجات في مرحلة ما بعد الانقلاب، وهي رفع شعارات فئوية، ومن بين ذلك، سماح بعض صحفيي الإخوان لمصورين من قناتَيْ “الشرق” و”الجزيرة” بنقل الفاعليات، وهو أمر لم يكن من الضروري، لأنه سوف يدخِل الاحتجاجات في سياق ثنائية جهيمة، وهي ثنائية “الدولة / الإخوان”، وفيها معايير التعامل من جانب الدولة، مختلفة تمامًا كما تقول كل الحوادث التي تلت انقلاب 3 يوليو 2013م.
الأمر الثاني، هو أن هناك شريحة ضخمة من الصحفيين ضمن مؤسسات صحفية قومية وحزبية موالية للنظام، وأكثرهم صراحة في مخالفة التوجه العام في الوسط الصحفي، هو صحيفة “الوفد”، والصحف القومية، بعد يوم الأربعاء 4 مايو، يوم الجمعية العمومية غير العادية للنقابة، عندما بدأ النظام في استغلال قبضته على المؤسسات الصحفية القومية، وتنظيم صفوفه من جديد في الأوساط الأخرى غير القومية.
الأمر الثالث، هو أن الاحتجاج نخبوي بالأساس، ولا يخص الجمهور العريض في أي شيء، والجمهور الذي لم يخرج في 25 أبريل لأجل تيران وصنافير، لن يتحرك لأجل الصحفيين، خصوصًا وأن قطاعًا لا بأس به من الوسط الصحفي – خصوصًا غير النقابي – عليه الكثير من الملاحظات بسبب سلوكه ومواقفه وقناعاته، لدرجة أن أحد شيوخ الصحفيين الإخوان، قال: “نتفق أو نختلف حول الدوافع والأسباب، ومَن يستحق الدعم ومن لا يستحق، لكن هذا اليوم له ما بعده”، في إشارة إلى بدر والسقا، وإلى ما جرى يوم الجمعية العمومية.
ارتباطًا بذلك، أبدت بعض الأوساط المتعاطفة مع الصحفيين امتعاضها من محاولات بعض المنتفعين من ركوب موجة الاحتجاجات ليس لأي شيء، إلا لاستعادة البريق، أو تصفية حسابات مع النظام الحالي، لا تخص أية مصلحة عامة، مثل حمدين صباحي الذي حاز تعليقات أكثر من غيره، على ظهوره أمام النقابة.
لا نقول بذلك، ولكن ننقل وجهة نظر البعض في هذا الصدد.
وفي الأخير؛ فتبقى الحوادث القادمة خارج أي إطار للتنبؤ السليم الكامل للأمر، لكنه في النهاية يمكن القول أن الأمر “احتجاج تحت مظلة النظام”، ولن يخرج من تحت مظلة النظام، فكيف نتوقع أن يتمخض عنه أي تغيير؟!