تتناقل المصادر الصحفية أخبارًا مسربة تؤكد أنه تم الاتفاق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الحالي ورئيس حزب العدالة والتنمية أيضًا أحمد داوود أوغلو على دعوة الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” إلى مؤتمر عام استثنائي خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، رجح كثيرون ألا يترشح خلاله داوود أوغلو لرئاسة الحزب، على أن يستمر ربما في وظيفته كنائب عن الحزب في البرلمان التركي.
هذه الأخبار التي انتشرت كالنار في الهشيم أتت بعد اجتماع جمع بين الجانبين الرئيس التركي ورئيس الحكومة، يُرجح أنه كان نقطة الانفجار واللاعودة بين الطرفين، ولو أن أطرافًا تركية أخرى تقول إن ثمة محاولات لرأب الصدع قبيل اللحظات الأخيرة لكن فرص نجاحها ربما تكون ضئيلة للغاية.
ولقد كان من المؤكد أن الساعات القادمة سوف تشهد الصورة النهائية الحاسمة للصراع بين الرجلين، بعد أن تأكدت معلومات استقالة أحمد داود أوغلو من منصبه في مؤتمر داخلي للحزب، وقد أعلن بنفسه عن ذلك في المؤتمر الصحفي.
على هذا النسق لن يكرر أردوغان ورجاله نفس الخطأ مرة أخرى على الأرجح بتولية قيادة غير متجانسة في الرؤى معهم، ومن المرجح أن يُصّعد أردوغان أحد رجالاته الثقات لتصدر المشهد في تركيا
هذا وقد أشارت مصادر صحفية تركية أن قرار حزب العدالة والتنمية التركي الأخير، سيكون عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب لجنة مركزية جديدة ورئيس للحزب خلفًا لأحمد داود أوغلو الذي بعد إعلان عزمه عدم الترشح لمنصب رئيس الحزب. وقد نشر موقع سي أن إن ترك معلومات أولية حول خطة حزب العدالة والتنمية التركي في الأيام القادمة من بينها عقد الانتخابات الداخلية للحزب في 22 مايو المقبل، وفيها سيختار أعضاء الحزب رئيسًا جديدًا له، وهو ما يعني ضمنيًا توليه رئاسة الوزراء بعد استقالة أوغلو، بينما سيبقى أحمد داود أوغلو في الحزب كعضو في البرلمان ممثلاً عن حزبه ولن يستقيل من الحزب، بحسب تصريحاته في المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم.
الخلاف ليس جديدًا
هذا الخلاف بين أستاذ العلوم السياسية الأكاديمي داوود أوغلو وبين القائد الفعلي الجماهيري للحزب أردوغان قديم وإرهاصاته معلومة على الصعيد الداخلي لدى أعضاء الحزب، وكل ما حدث أن تزايدت حدة هذا الخلاف مؤخرًا مع بداية صعود نجم داوود أوغلو في الواجهة.
ظهر ذلك في مواطن عدة لعل أبرزها تراجع الحزب في الانتخابات الأولى تحت قيادة أوغلو والتي اضطر خلال جولتها الثانية للاستعانة برجال أردوغان الأقوياء لتخطي هذه المحنة، والتراجع عن بعض القرارات والتكتيكات التي رأها أردوغان وأنصاره سببًا رئيسيًا في تراجع نتائج الحزب.
أما على صعيد الإدارة الداخلية فكان موقف تجهيز مدير الاستخبارات هاكان فيدان من قِبل داوود أوغلو لتصدر المشهد السياسي كوزير مقترح للخارجية، ثم التراجع عن هذه الخطوة بعد تدخل أردوغان دليلًا آخر على اختلاف وجهات النظر في الإدارة الداخلية.
الإشارات الأقوى تتجه نحو وزير المواصلات بن علي يلديريم الرجل صاحب الإنجازات في البنية التحتية التركية لخلافة أوغلو
هذه الخلافات القديمة الجديدة هي التي دفعت أردوغان ورجاله داخل الحزب لتجريد داوود أوغلو من صلاحياته بداية من عدم تمكين أوغلو من تعيين أعضاء الهيئة العليا للحزب وهي اختصاص رئيسي له، نهاية بعدم تمكينه من تعيين القيادات الفرعية للحزب في مختلف محافظات تركيا.
من جانب داوود أوغلو فقد صرح في غير موضع عن معارضته لمشروع الرئيس التركي الحالي الذي يقضي بتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي بدلًا من البرلمان، ومن المعروف أيضًا أن أوغلو في هذه الناحية منحاز لجناح بولنت أرنتش الذي رفض هو الآخر في السابق مسألة تحويل نظام الحكم إلى رئاسي.
هل نقض داوود أوغلو الاتفاق مع أردوغان؟
من هذه الشواهد القديمة الحديثة التي تظهر اختلاف نهج أردوغان عن داوود أوغلو، وتظهر أيضًا أن الرجلين يعرفان بعضهما البعض بما فيه الكفاية، يتضح أنه لم يكن ليصعد داوود أوغلو إلى منصب رئيس الحزب ورئيس الوزراء دون موافقة أردوغان الذي يعرف توجهات أوغلو المخالفة له في بعض الملفات الحساسة.
هذا الخلاف بين أستاذ العلوم السياسية الأكاديمي داوود أوغلو وبين القائد الفعلي الجماهيري للحزب أردوغان قديم وإرهاصاته معلومة على الصعيد الداخلي لدى أعضاء الحزب
الرواية المقربة لأردوغان تقول إنه ثمة اتفاق ضمني تم بين الرجلين ينص على أن يظل أردوغان هو راسم السياسات العامة الأول في الجمهورية التركية، وكذلك في خط أجندة الحزب عبر مجموعاته القوية بالداخل، بينما متروك لداوود أوغلو الأعمال الروتينية وتنفيذ الخطط السابقة، وفي حالة الاختلاف تُرجح كفة أردوغان.
وهذه الرواية تستكمل وتقول إن داوود أوغلو لم يسترح مع هذا النمط من التعامل لذا كان الانفجار أسرع مما توقع الجميع، خاصة وأن داوود أوغلو ليس شخصًا عاديًا مهمشًا داخل الحزب – ولو لم يكن بقوة أردوغان التنظيمية – كما يُحاول البعض تصوريه، إلا أن دوره في رسم الإطار النظري للحزب وتوجيه دفة السياسة الخارجية لوقت طويل معروف ومشهود له في تركيا، وهو أحد أهم دعائم الحزب التي ساهمت في تطويره بسرعة غير متوقعة.
ومع بدايات تحرره من قيود الاتفاق الضمني المزعوم حدث الصدام وخرج للإعلام أكثر من مرة، إلى أن قرر أوغلو الاستقالة من رئاسة الحزب، والتي ربما يتبعها استقالة من رئاسة الوزراء في أقرب وقت بعد ترتيب البيت الداخلي بالحزب.
من المرشح لخلافة أوغلو؟
لا يُعرف بالتحديد حتى الآن مصير أحمد داوود أوغلو الذي سيقرره بنفسه
على هذا النسق لن يكرر أردوغان ورجاله نفس الخطأ مرة أخرى على الأرجح بتولية قيادة غير متجانسة في الرؤى معهم، ومن المرجح أن يُصّعد أردوغان أحد رجالاته الثقات لتصدر المشهد في تركيا، والإشارات الأقوى تتجه نحو وزير المواصلات بن علي يلديريم الرجل صاحب الإنجازات في البنية التحتية التركية، وأحد الذين استعدوا في السابق لرئاسة الحزب في بداية الصدام بين أردوغان وأوغلو، حينما أعلن نيته الترشح لمقعد رئاسة الحزب وقت اشتداد الخلاف بين الرجلين، إلا أنه سحب ترشحه بعد ذلك.
كما يتردد اسم بكير بوزداغ، وزير العدل الحالي كأحد الشخصيات القيادية التي لها دور في حسم الصراع مع جماعة كولن، بجانب طرح اسم بيرات البيرق وزير الطاقة وصهر أردوغان، وبدرجة أقل طُرح اسم عصمت يلماز وزير الدفاع الحالي مستندًا طرح اسمه على التحديات الأمنية التي تواجه البلاد حاليًا، لكن البعض يستبعد أن يتخذ أردوغان هذه الخطوة، ولكن في العموم يُرجح ألا تخرج الشخصية القادمة لرئاسة وزراء تركيا سوى من هذا الفريق الأردوغاني.
تأثير هذا الخلاف على تركيا
بلا شك سيؤثر هذا الخلاف على مسيرة تركيا وسيحسم للتجربة التركية الطابع الأردوغاني بلا منازعة ولا رؤى داخلية منافسة، بعد تنحية عبدالله جول ومجموعته إلى الخلف بطريقة لا تختلف كثيرًا عما يحدث الآن.
ويبدو أن هناك تخوفات بدأت تظهر لدى بعض المحللين من توجه السياسة التركية إلى ناحية أكثر جمودًا بعد غياب أوغلو السياسي من المشهد الذي كان يوازن الكفة مع أردوغان، فيما يرى البعض الآخر على النقيض أن ما حدث هو الأسلم للتجربة التركية التي تذبذت مؤخرًا بين الرؤى الداخلية المتنافسة، حيث يرون أن رؤية موحدة لمواجهات التحديات التي تواجهها تركيا تشق طريقها للتنفيذ أفضل من مجموعات رؤى متنافسة في صراع داخلي وسط المعركة.
كما لا يمكن إنكار انعكاس الأمر سريعًا على الاقتصاد التركي الذي بات يتأثر بأقل الاضطرابات، فبعد الإعلان عن أخبار استقالة أحمد داوود أوغلو من رئاسة الحزب، انخفضت قيمة الليرة التركية عقب ذلك مباشرة، وهو الأمر الذي ربما سيجبر أردوغان وفريقه على سرعة حسم الموقف لإعادة الاستقرار إلى قمة الهرم السياسي مرة أخرى تجنبًا للتبعات الاقتصادية.
فيما لا يُعرف بالتحديد حتى الآن مصير أحمد داوود أوغلو الذي سيقرره بنفسه، علمًا بأنه سيبقى عضو عن حزب العدالة والتنمية في البرلمان حتى وإن استقال من الحزب ورئاسة الوزراء، وهل يمكن أن يعود إلى موقعه السابق كاستشاري موثوق به بعيدًا عن الإدارات التنفيذية أم أن أوغلو سيفضل الرحيل من عالم السياسة بصمت إلى العالم الأكاديمي الذي يتقنه ويحبه؟