كثيرًا ما نسمع عن منع سفر أحد رجال الأعمال المشتبه بهم أو شخصية سياسية متهمة في إحدى القضايا الكبرى أو مجرم صدرت في حقه أحكام قضائية ومناشير تفتيش، فيتم منعهم من الخروج من أرض وطنهم واجتياز الحدود، لكن أن تسمع وتشاهد في الآن ذاته مواطنًا لا حول له ولا قوة يُمنع من التنقل بحرية في وطنه وبين أحياء مدينته وأنهج قريته، دون أي سبب ولا وجه حق، في تعدٍ صارخ على حقوق الإنسان ودستور الدولة وقوانينها، فاعلم أنك في دولة مازالت تمارس القمع والاستبداد.
ففي تونس بعد خمس سنوات من ثورة نادت بالحرية والكرامة الوطنية يتم منع المواطنين من التنقل بحرية داخل بلادهم، فلكي تعيش مرتاح البال خاليًا من التفكير فمكانك ليس تونس.
عند أول شرطي يعترضك في حيّك ومقر سكنك أو في طريقك للدراسة أو العمل أو البحث عن وظيفة، يتم التثبت من الهوية الشخصية، ومن ثم إلى أقرب مركز شرطة يقتادونك، ما السبب؟ هناك شبهة؟ لا أنت ممنوع من السفر.
من أصدر القرار وعلى ماذا اعتمد؟ لا يهمك فليس من حقك أن تعرف وعليك أن تسكت وألا تتكلم.
تذهب معهم إلى مركز الشرطة القريب منكم في سيارة أمنية وفي بعض الأحيان مدنية وربّما في دراجة نارية، تنتظر بعض الوقت ليس بالقليل ولا بالكثير إلى أن تأتي إحدى الفرق الأمنية لتتحرى معك، فأنت مشتبه به ومصنف خطير حسب تصنيفاتهم المتعددة وصادر في حقك إجراءً حدوديًا يعرف باسم “S17“.
تأتي الفرقة الأمنية بعد انتظار ويحل ركبها الموعود، تجلس أمامهم، يأخذون اسمك الرباعي وأسماء أفراد عائلتك وأقاربك الأحياء منهم والأموات، ثم تبدأ الأسئلة المعتادة التي ظننا لوهلة أنها ذهبت مع الثورة إلى غير رجعة.
هل تصلي؟ منذ متى تصلي؟ ومن علمك؟ هل يوجد من أهلك أو أقاربك من يصلي؟ إخوتك البنات هل يرتدين النقاب وما شكل حجابهن؟ من أفضل الأصدقاء إليك؟ أين تجتمعون وما المواضيع التي تتحدثون بها؟ ما توجهك الفكري والسياسي؟ ما موقفك من وزارة الداخلية وأعوانها؟ وموقفك من نظام الدولة وحكامها؟
يتفقدون هاتفك وحسابك الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، ينظرون إلى كتاباتك وتدويناتك إن كنت من هواة الكتابة الافتراضية، وبعد ساعتين أو ثلاث من أسئلة تظن أن سائلها يوجهها لمجرم خطير متورط في إحدى الجرائم الكبرى، تدون في حقك بطاقة إرشادات فيها اسمك، عمرك، رقم هاتفك، مهنتك وكل شيء متعلق بك.
بعد كل هذا يطلقون سراحك، غير مأسوفين ولا مبالين بما تعرضت له من انتهاك أو تضييق، فكل شيء معهم ولا حق معك، فأنت في دولة المؤسسات والقانون.
كثير من المواطنين التونسيين والحقوقيين عبروا عن استنكارهم لحجم التضييقيات والانتهاكات الأمنية التي تمارس في بلادهم بحجة مكافحة الإرهاب والتوقي من الجريمة المنظمة.
وسبق لمرصد الحقوق والحريات (مستقل) في تونس إطلاق حملة “سيّب لخضر” أي اترك جواز السفر، الداعية إلى احترام حق المواطنين في التنقل إلى خارج حدود الوطن، لكنه اليوم يؤكّد أنّه قد باتت هناك حاجة ماسة لتوسيع نطاق الحملة كي يشمل حق المواطنين في التنقل داخل الوطن نفسه! فقد تلقّى الحقوقيون العاملون به شكاوى عديدة بخصوص تعرّض تونسيين إلى المنع والتضييق من حرية التنقل بين ولايات الجمهورية؛ استجوابات، بطاقة إرشاد، وإيقاف لساعات، قد تتكرّر في اليوم الواحد أكثر من مرة والسبب استشارة حدودية.
ومن المتعارف عليه أن هذا الإجراء الحدودي المعروف باسم “S17“، يُعمل به على الحدود لمنع سفر أشخاص مشبوه بهم أو مطلوبين أمنيًا وقضائيًا وليس داخل ولايات الجمهورية.
العديد من الموظفين أصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة هذا الإجراء، كلّما حاول أحدهم التنقل إلى مكان عمله، حالت بينه وبين ذلك سيارة الشرطة التي تستوقفه للتثبّت من هويته، ومن ثم التحقيق معه بموجب “الإجراء الحدودي” الصادر في حقه.
إجراء يخالف قوانين البلاد ودستورها ولا يكترث لأبسط حق كفله الدستور لمواطني تونس في فصله الرابع والعشرين “(…) لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته”.