تقاسمت كل من واشنطن وموسكو الضغط على طرفي الصراع للضغط عليهما للإلتزام بالهدنة الجديدة المتفق عليها والتي ستشمل حلب وريفها، إذ وبحسب الخارجية الأمريكية في بيان نشرته أمس الأربعاء قالت فيه على روسيا أن تضاعف جهودها للضغط على بشار الأسد للالتزام بالترتيبات الجديدة بينما ستقوم الولايات المتحدة بدورها مع فصائل المعارضة السورية.
فالهدنة التي طُبقت منذ 27 فبراير شباط الماضي بموجب تفاهم أمريكي- روسي والتي احتفى بها المبعوث الأممي ستفان دي مستورا وبنى عليها محادثات في جنيف بين وفدي المعارضة السورية والحكومة لإيجاد حل سياسي للخروج من الأزمة انهارت أواخر الشهر الماضي في حلب ومناطق أخرى مثل اللاذقية والغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد سلسلة هجمات عنيفة قادها النظام وروسيا استهدفت المدارس والمشافي وأدت لمقتل مئات المدنيين في حلب.
وعلى غرار تلك الهدنة رعت كل من واشنطن وموسكو هدنة جديدة في حلب، بدأ سريانها اليوم الخميس منذ الساعة الواحد فجرًا وتستمر لمدة 48 ساعة حيث تنتهي في السادس من الشهر الجاري بعدما توصل الجانبان لاتفاق عليها مساء يوم الثلاثاء الماضي.
ويرى الباحث السياسي معن طلاع هذه الهدنة في حديثه لنون بوست مؤشرًا امتداديًا لملامح التسليم الأمريكي لروسيا فيما يتعلق بإدارة الأزمة السورية وتوكيلًا كاملًا في هندسة عناصر الحل السياسي، وبهذا السياق تأتي الضرورة الأمريكية – الروسية في تثبيت هدنة عامة تشكل مناخًا مواتيًا للعملية التفاوضية التي باتت وفق المفهوم الأوبامي المدخل الأساس للانتقال السياسي.
اتفاق أمريكي روسي
وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أعلن عن اتفاق مع الولايات المتحدة حول توسيع التهدئة لتشمل حلب، مع رفض موسكو أن تشمل التهدئة مواقع جبهة النصرة في المدينة، وحول هذه النقطة سألت نون بوست الباحث معن طلاع عن استثناء جبهة النصرة من القصف في الهدنة، وأجاب أنها المعضلة القديمة الحديثة في تعمد استثناء جبهة النصرة وتيارات القاعدة التي يستخدمها الروس وحلفاؤه برضى أمريكي كمطية لضرب كافة الفصائل الإسلامية والثورية وهي بذات السياق “مستندًا قانونيًا ” للإمعان في تجريد تركيا من كافة أوراقها.
وكانت الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا أمس ذكرت فيه أن واشنطن وموسكو توصلتا لتفاهمات على توسيع نطاق وقف الأعمال القتالية ليشمل مدينة حلب والمناطق المجاورة لها، وأن الجانبين يعملان عن كثب لتعزيز جهود مراقبة تجديد وقف القتال، ودعت الجميع لوقف القتال والتقيد التام بالهدنة في حلب وكل أنحاء البلاد. وعبر كذلك المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “مارك تونر” أن طرفي الهدنة؛ الحكومة السورية والمعارضة اللتين وقعتا على اتفاقية وقف الأعمال القتالية يجب أن يلتزما بتطبيق الهدنة بشكل طوعي للحفاظ على استمراريتها.
وكان المبعوث الأممي دي مستورا أبدى قلقه في الأمس من خرق اتفاق الهدنة الجديد وما سيترتب عليه من أزمات لاحقة وقال إن فشل تطبيق الهدنة في حلب سيكون كارثيًا مشيرًا إلى احتمال نزوح 400 ألف سوري منها نحو الحدود التركية.
وبرأي الدكتور باسل الحاج جاسم وهو الكاتب والإعلامي السوري بعد سؤال نون بوست له عن ظروف الهدنة أن نظام الأسد لن يلتزم بأي هدنة إذا لم تحقق له هدفه الأول في إخماد الثورة، فالنظام واضح من البداية أنه يريد استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية في المفاوضات الجارية في جنيف بعدما حقق مكاسب عسكرية بغطاء جوي روسي، ويرى الحاج أيضًا أن من يسيطر على الأرض أولًا هو من تكون له الكلمة العليا في المفاوضات، وتأتي من هنا أهمية السيطرة على مدينة حلب، لقطع الشريان الذي يربط المعارضة بتركيا والضغط على الأخيرة بموجة جديدة من اللاجئين، والأهم من هذا برأي الجاسم هو توجيه رسالة سياسية عسكرية للمحور التركي السعودي القطري الداعم للمعارضة السورية.
مآلات الهدنة في حلب
قوات النظام السوري لم تتحمل كثيرًا بعد سريان الهدنة وباشرت بقصف مروحي بالبراميل المتفجرة مع مشاركة الطيران الروسي على مناطق في خان طومان بريف حلب كما استهداف حي الراشدين جنوبي حلب ما أدى لوقوع جرحى، واستهدفت دبابة تابعة للنظام السوري سيارة مدنية أدت لمقتل مدنيين إثنين بحسب موقع الجزيرة نت. فصائل المعارضة اعتبرت القصف على مناطق في ريف حلب خرق للهدنة المعلنة، فاستهدفت بدورها تجمعات لقوات النظام في ريف حلب الغربي بينها سيارة محملة بجنود من الجيش السوري.
علمًا أن الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس عمّ الهدوء أرجاء المدينة، إذ لم تسمع أصوات قصف أو انفجارات في المدينة ولم تحلّق الطائرات ليلًا وأفادت العديد من المصادر الداخلية في حلب أن جميع الأطراف أبدت التزامًا بالهدنة، كما صمدت الهدنة في وسط حلب وعادت الحركة إلى الشوارع بعد انقطاع دام أسبوعين بسبب التصعيد العسكري العنيف، وكذلك الأحياء الشرقية من المدينة هي الأخرى لم تسجل غارات جوية ولم تسمع أصوات لتبادل الرصاص والقذائف على الجبهات.
ولدى سؤال نون بوست للصحفي والكاتب السوري إبراهيم العلبي حول فرص صمود الهدنة المرعية من قبل واشنطن وموسكو، قال: أنه من غير الواضح ما تريده موسكو ومن ورائها النظام السوري من إعلان هدنة ومن ثم خرقها، ويبدو أن هناك ضوء أخضر أمريكي سرّي لمواصلة قضف حلب وتركيع المعارضة فيها ويبدو هذا واضحًا بعد نشر وكالة سانا لرسالة بشار الموجهة لبوتين، ويرى العلبي أن استراتيجية النظام ألا يسمح ببناء مجتمع حضري مستقر فيه مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، ولهذا يعمد النظام لقصف المرافق العامة وبشكل خاص المشافي والمخابز.
وعن مآلات هذه الهدنة أجاب طلّاع، يصعب الاستشراف بمآل الأمور ومدى اتساقاها وتماسكها أمام تجيير لا موضوعي لمعادلات الميادين والسياسة بغية الوصول لعملية سياسة شكلية فقط، فالقفز غير الموضوعي للعناصر المهيّئة لنجاح العملية السياسية والاستعجال في تطبيق أجندة القرار 2245 وإغفال الشروط الموضوعية لإنتقال سياسي حقيقي سيكون بمثابة تزمين للأزمة، وتسجيل أهدافًا عسكرية وسياسية تحسن التموضع التفاوضي لطرف دون آخر، وهذا ما تتصالح معه رويدًا رويدًا إدارة أوباما التي أرجأت الحسم في الملف لطاولة الرئيس القادم.