الجحفة وتسمى كذلك بالهودج، موكب احتفالي في يوم الزفاف لإيصال العروس إلى بيت العريس يختص به أساسًا أهالي الجنوب التونسي وخاصة أهل البدو الذين مازالوا يحافظون على هذه العادة التقليدية القديمة والمتوارثة عن الأجداد والسلف، رغم التغيرات الاجتماعية والفكرية.
وتعتمد الجحفة على عنصر حيواني أساسي لنقل العروس إلى بيتها الجديد وهو “الجمل” الذي يعد من الوسائل البدائية، ويقبل عليه أهل العريس رغم تطور وسائل النقل الحديثة والمكيفة، فالجمل يضفي على الاحتفال ليس فقط منظرًا رائعًا يخلد في البال وإنما كذلك يطبع في النفس الإحساس بعمق الهوية العربية الإسلامية والمتجذرة في الأعماق، لأن الجحفة هي عادة عربية قديمة أتى بها العرب عند فتحهم لتونس وكانت تعرف عند الفاطميين، وقد تناقلها أهل إفريقية جيلاً بعد جيل حتى أضمحلت وبقيت عرفًا معمولاً به عند أهل البادية من الجنوب التونسي، أو بعض المدن التي ماتزال تحافظ على كل عادة لها طابع تقليدي وتجعل للفرح لونًا جميلاً وطعمًا فريدًا وقيمة حسية، فيصبح بذلك الفرح حديث كل لسان، ومصدر تفاخر وتنافس بين العائلات التونسية.
في يوم الجحفة، يشرع أهل العريس في إعداد الموكب فتراهم يجملونه ويزينونه في أبهى صورة ويبخرون الجمل الذي سيأتي بعروسهم، ويقومون بإلباسه جحفة تُصنع إما من أغصان الزيتون اليابسة ومن جريد النخل أو من خشب الجداري أو القصب أو الخشب الذي يجلب من السودان يتم ليه في شكل أقواس متداخلة تربط بعضها البعض في شكل قبة عالية حيث ستجلس العروس ويغطونها بأبهى ما عندهم من فرش وأغطية وستائر بيضاء وحمراء لحجبها عن الأنظار وتزين الجحفة بأحزمة وأشرطة ملونة للعروس ويتدلى من أسفل الجحفة تروس الحلي التقليدي.
ثم يتوجه الموكب لجلب العروس وسط رمال الصحراء الذهبية، في جو احتفالي بهيج وترتفع زغاريد النسوة المتواصلة ودقات الطبول وصوت الزكرة (أداة عزف تقليدية تونسية) وتحيط بهم الخيالة يمنة ويسرة، ومن حين إلى حين ترتفع في السماء أصوات طلقات نارية من سلاح الخيالة للاحتفال بهذا الموكب السعيد ولإعلام أهل العروس بقدوم أهل العريس وقرب وصولهم.
وما يعرف عن عادات البدو في الجنوب التونسي أن العروسان إن لم يكونا من أبناء العمومة، كما جرت العادة، فهما يتصلان بصلة القرابة والانتماء إلى نفس العشيرة.
ولا تعد المسافة الفاصلة وإن كانت طويلة حاجزًا أو عائقًا بين منزلي العروس والعريس، لأنه يقع الالتجاء إلى العربات التي تجرّها الخيول والبغال لحمل الأطفال والنساء وبعض العجائز اللّواتي لا يفوتهن الاحتفال بموكب الجحفة الذي سيمضي ويترك معه ذكريات راسخة في البال.
بعد أن تركب العروس المتحلية في أبهى حلة والمكسوة باللباس والحلي التقليدية المخصصة لها في هذه المناسبة، يقودها في العادة أحد أقرباء العريس من الطفل الذي لم يبلغ الحلم، وقد يتناوب طفلان أو أكثر على هذه المهمّة، لا سيما وأنّ الأطفال المرشحين لهذه المهمة من أقرباء العريس، والسعيد هو الطفل الذي يحظى بهذا الشرف.
ويقاد موكب الجحفة من طريق واحد لأنه لا يعود أبدًا من نفس الطريق الذي أتى منه، فترافقها الصبية بالزغاريد والتصفيق وهن متحليات في لباسهن التقليدي الأخاذ والذي لا يرتكز على لون واحد، بل تتنوع فيه الألوان وخاصة الفاتحة منها، لأن الألوان الزاهية والفاتحة تعبر عن عمق الفرح.
“الحناء والحلي التقليدية للعروس التونسية”
وقد جرت العادة أنه حين تمر الجحفة على موكب العريس، تقوم العروس بإظهار يدها لتتجلى لعريسها، وفي بعض الجهات ترمي العروس إناء من الماء عند كل ممر تمر منه، ومن أهم العادات التي تلفت الانتباه في جزيرة جربة التونسية، أن العروس تقوم بإخراج يدها اليمنى المخضّبة بالحنّاء من فتحة في الهودج بمجرّد وصولها والركب المرافق لها وتنثر عند حلولها ببيت زوجها الشعير والماء يمنة ويسرة على الأرض وعلى الحاضرين.
يبقى مشهد الجحفة مشهدًا احتفاليًا في حد ذاته عند أهل الجنوب، وفي وصف موكب الجحفة تغنى العديد من الشعراء والفنانين وكتبوا فيها أجمل الأشعار البدوية المستلهمة من التراث الشعبي الزاخر بأجمل الكلمات والعبارات:
يا جمل الجحفة يا مقرقب القصــــيـــر ** يا غليظ الدفة يا حايز الـــــــــــــــــــرداع
يا هشوش الخطوة يا شاحب الضميــر ** يا غرام البكرة في البرد والأصــــــــــقاع
هكاك ناي مثيلك دايخ بلا عصـــــيــر ** نبات غير نخمم واقف على كــــــــــــراع
لا نقرب جنبي للفرش والحصــــــيــر ** والعباد حذايا بنوم الهجي شبــــــــــــــــاع
من فراق الصبطة مرصوعة الضفيـر ** فارقت بالنزلة خشت برور الأســـــــــباع
غرضوا بابها مباسط ناس في خيــــــر ** أداه كثر الفاني بنادم الكل طــــــــــــــماع
يعرضوك المحفل متصدرات تصــدير ** بنات بكر صبايا يغنو بصوت شرقــــــاع
الفرسان تلعب راكبين عالمهاجيـــــــر ** كل واحد منهم صاديه نص صـــــــــــاع
مثيل منه سمعا نواش بالباشــــــــــــير ** علي بن خليفة البدوي لجنف بلاه زعزاع
تابعتا سيا هززازت الذكــــــــــــــــير ** إذا يحضروا في ملطم يمشوا العدو قـــلاع