تعاني الثورة السورية منذ خمس سنوات من تقلبات المسار نحو الحرية خاصة بعد دخول عدد من القوى الإقليمية والدولية إلى جانب كل من الثورة والنظام؛ فأصبحت الثورة صراع سياسات القوى الإقليمية والدولية وخلفت أزمة إنسانية عالمية لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، في كل يومٍ يزداد أطراف الأزمة صلابة وتمسك بالخيارات على الأرض ومع الزمن أتضح أن لكل طرف خطوط حمراء قد تخضر لضعفه بعد مدة وقد تُصبح من المحرمات.
وضع الأمريكيون خطوطًا حمراء لأنفسهم ولكل طرف على اعتبار أن الولايات المتحدة هي الضابط الذي يضبط إيقاع المعركة، فقد وضعوا للأسد خطًا أحمر هو عدم استخدام السلاح الكيمياوي في قتل الشعب السوري وقد انتهكه عدة مرات قبل أن يُنتزع منه، وسُمح له ضمنيًا بقتل الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة الأخرى وبالتجويع والحصار والبراميل، بينما وضعوا خطوطًا حمراء لتركيا والسعودية والدول الصديقة للمعارضة السورية من تزويدها (المعارضة السورية) بصواريخ أرض – أرض وأرض – جو لتتمكن من السيطرة على الأرض والتقدم ومقاومة الطائرات التي تفتك بالسوريين كل يوم، وعندما قررت تركيا تجاوز بعض القواعد التي رسمتها الولايات المتحدة وزودت المعارضة السورية بالأسلحة المضادة للطائرات بتجاوز للفيتو الأمريكي، استخدمت سلاح الأكراد ووظفتهم ضد تركيا، وغالبًا ما تحذر رعاياها ومواطنيها قبل الانفجارات التي حصلت في إسطنبول أو أنقرة في رسالة وضيعة لتركيا بالالتزام بالقواعد المفروضة في سوريا وعدم تجاوزها، علمًا أنها مطبقة على المعارضة السورية وحلفائها فقط تاركين الروس والإيرانيين يدعمون النظام بالأسلحة والمرتزقة من دون رادع، إضافة للتنصل من الوقوف إلى جانب تركيا بأزماتها كأزمة اللاجئين وكحالة إسقاط الطائرة الروسية وكأن تركيا ليست عضوًا في الناتو، إضافة لتخليهم أو تجاهلهم لرحيل الأسد وبدون سقف زمني، فهم يصرحون فقط أن الأسد فقد شرعيته وليس له مستقبل في سوريا في مفاوضات جنيف وفي المؤتمرات الصحفية، لكن متى سيكون تاريخ هذا المستقبل؟ فربما بعد 20 سنة، لا تستغربوا فالإجراءات الدولية رحيمة بمن يَخدم المشاريع الدولية.
أما الروس فخطهم الأحمر بشار الأسد ومصالحهم الاستراتيجية المرتبطة به وبنظامه المجرم وأمن إسرائيل الذي يضمنه الأسد بالدعم الروسي؛ فهم ينسقون أعمالهم وقد صرحوا بذلك عدة مرات، فهم على ما يبدو خارج القواعد المرسومة أمريكيًا لوجود إسرائيل معهم ويتقدمون على حساب قوى المعارضة مقابل مشاهدة الولايات المتحدة كطرف دولي لا يضبط الإيقاع إلا على الأطراف الإقليمية الصديقة للمعارضة وتكتفي بالتصريحات الإعلامية التافهة ضد حلفاء الأسد والأسد نفسه من أنه فقد الشرعية واخترقوا الهدنة من دون عقوبات رادعة ومسؤولة تضبط الكفتين، فالأسد وحلفاؤه يتقدمون مقابل تراجع المعارضة في بعض المناطق وخاصة في معقل المعارضة والثورة “حلب” .
إن رحيل بشار الأسد يعني قطع الاتصال بين سوريا والضاحية الجنوبية للبنان مما يعني نهاية خط الإمداد لحزب الله وقطع الهلال من المنتصف وهو خط أحمر إيراني ستنفق عليه الكثير ليستمر رغم ضعفه.
أما تركيا فلا تستطيع أن تواجه وحدها دول متعددة ومتحالفة مع بعضها وتحيطها جغرافيًا كروسيا وإيران والعراق، وهي متحالفة مع الأسد، والجزء السوري القريب منها خاضع لسيطرة القوات الكردية المعادية لها إضافة لسيطرة تنظيم الدولة، فالممر الوحيد الذي يمكن من خلاله القيام بدعم المعارضة هو شمال حلب الواصل بتركيا والذي يتعرض لقصف روسي عنيف مع تقدم لقوات الأسد؛ مما يعني حصار تركيا من الجنوب والشرق مما قد يضطرها للدخول لساحة المعركة بدون الغطاء الدولي أو الأمريكي، فسقوط حلب خط أحمر تركي لكن لا تستطيع عمل شيء وحدها والضغوط الإقليمية والدولية توقف تحركاتها، ولكن قد تفعل السعودية ما ترغبه تركيا ومن دون ضغوطات عليها مباشرة لبعدها جغرافيًا ومن دون الانتظار للغطاء والضوء الأخضر الأمريكي.
إن المعارضة السورية وفصائل الثورة التي أخذت على عاتقها تحرير الشعب السوري ليس من الاستبداد فقط بل من الروس والإيرانيين الذين دنسوا أرض وسماء سوريا لن يتنازلوا عن الحرية مطلقًا ولن يتنازلوا عن رحيل الأسد ومحاكمته على جرائمه الوحشية، وفي كل يوم يُجدد الثوار من أنهم لن يتوقفوا إلا في القرداحة، مما يعني استمرار الأزمة وحرب الاستنزاف للأطراف الإقليمية والدولة ورواج تجارة الحرب التي تعود على أصحابها المليارت فعائداتها أكبر بكثير من عائدات النفط والغاز وعلى حساب دماء الشعب السوري ومستقبله.