أعلنت بريطانيا فوز مرشح حزب العمال المعارض صادق خان، بمنصب رئيس بلدية لندن ليكون بذلك أول مسلم يرأس بلدية العاصمة البريطانية، وبهذا الفوز يكون خان أيضًا أول مسلم يرأس بلدية عاصمة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تفوقه على منافسه الرئيسي زاك جولد سميث، مرشح حزب المحافظين الحاكم.
وحصل خان على مليون و310 آلاف و143 صوتًا، مقابل 994 ألف و614 صوتًا، بفارق 315 ألف و529 صوتا، من إجمالي عدد سكان لندن البالغ 8.6 مليون نسمة، من بينهم مليون مسلم.
يعزز هذا الفوز موقف زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، وذلك بعد أن حل الحزب ثالثًا في انتخابات برلمان إسكتلندا، بعد الحزب الوطني الإسكتلندي وحزب المحافظين، وقد كتب كوربين مداخلة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قال فيها “مبروك صادق خان، أنا تواق للعمل معك في سبيل لندن عادلة للجميع”.
كما يعد هذا الانتصار لخان ذو مذاق خاص على جولد سميث، ابن الملياردير والنائب المحافظ لضاحية ريتشموند، بعد أن شن حملة هجومية اتهم فيها خان بالمشاركة في تجمعات يتحدث فيها “متطرفون إسلاميون”.
أقوى سياسي في حزب العمال حاليًا
هذا الفوز للبريطاني المسلم ذي الأصول الباكستانية جعله يحظى بوصف أقوى سياسي في حزب العمال، وذلك بعدما وصفته صحيفة التايمز بأنه أصبح أقوى سياسي لدى حزب العمال بعد فوزه في انتخابات عمدة لندن، بينما قالت صحيفة الجارديان في عنوانها الرئيسي “فوز خان التاريخي يعطى سببًا لكوربين ليكون مبتهجًا”.
يعتبر منصب عمدة لندن من أهم المناصب في بريطانيا بعد منصب رئيس الوزراء
احتفاء عدد من الصحف بفوز خان ونعته بصفات القوة جاء بعد الحملات العنصرية التي شنت ضده من رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، وعمدة لندن السابق بوريس جونسون، وزاك غولدسميث مرشح المحافظين ومنافسه على منصب عمودية لندن وعدد من قيادي حزب المحافظين، ولكن في النهاية استطاع صادق خان أن يحسم المنصب لصالحه.
حيث أكدت صحيفة الفايننشال تايمز في تقريرها عن الحدث أن اللندنيين انتخبوا العمالي صادق خان، كأول عمدة مسلم لأكبر عاصمة أوروبية، متجاوزين ما أسمته الصحيفة “محاولات حكومة ديفيد كاميرون للربط بينه وبين خطر المتطرفين الإسلاميين”.
وأضافت أن انتخاب ابن سائق حافلة باكستاني ليخلف جونسون، كقائد لأكبر المدن الأوروبية يؤشر على القبول الواسع للناخبين في لندن للتنوع العرقي والديني بعد أشهر قليلة من الهجمات التي شنها جهاديون في بروكسل وباريس.
كيف صعد خان إلى منصبه؟
هذا الانتصار الذي وضع حدًا لسيطرة المحافظين المستمرة منذ 8 سنوات على المدينة أضفى عليها لمسة جديدة، إذ تعتبر لندن الآن واحدة من كبريات حواضر العالم الأكثر تنوعًا من النواحي الدينية والعرقية والثقافية، وقبلة لملايين البشر سنويًا من مختلف أصقاع العالم لمختلف الأسباب.
وأثناء تصدي خان للهجمة الشرسة التي كانت عليه من منافسه، اضطر للهجوم بشدة على زعيم حزب العمال جيريمي كوربن بسبب ما اعتبره “بطئًا” في التصدي لاتهامات “معاداة السامية”، كما انتقد عمدة لندن العمالي السابق كن ليفنغستون بسبب تصريحاته بأن هتلر قد دعم “الصهيونية” في ثلاثينات القرن الماضي.
لم ينخرط خان في هذه الجولات فحسب، ولكنه ركز حملته الانتخابية على مشاكل ساكني لندن، كالانخفاض الملحوظ في عدد المساكن وارتفاع إيجارات السكن وقلة فرص العمل وتحسين وسائل المواصلات، إضافة إلى خفض مستوى الجريمة.
ساعده في ذلك أصوله التي تعود إلى أسرة باكستانية مسلمة هاجرت إلى بريطانيا في ستينات القرن الماضي، حيث تلقى خان وإخوته تعليمهم بالمدارس الحكومية، وقد حصل على منحة دراسية لتفوقه ليدرس القانون ويصبح محاميًا كرس جهده للدفاع عن حقوق الإنسان.
هذا الأمر الذي لم يخجل منه خان مطلقًا دعاه يكتب على صفحته بموقع تويتر “انتخبوا ابن سائق الباص الذي يعرف كيف يجعل النقل الداخلي أقل كلفة”.
رحلة إلى منصب العمدة
بدأت رحلة خان خلال انتخابات 2005 عندما تمكن من الفوز بمقعد في مجلس العموم البريطاني عن دائرة “توتيتج” في لندن، كما شغل بعد ذلك منصب وزير المواصلات في حكومة حزب العمال السابقة.
يمكن أن يفتح فوز خان ملف المسلمين في الغرب ومدى قدرتهم على التعايش مع الواقع الجديد الذين أصبحوا فيها مشاركين في حكم هذه البلاد وليس كمهاجرين فقط
لتشكل تجربة خان في العمل السياسي من خلال حزب العمال، ونجاحه في دخول البرلمان البريطاني، وتولي مقعد وزاري في حكومة الحزب السابقة منعطفًا هامًا في تاريخ الأقليات في بريطانيا.
كما رحلته إلى منصب عمدة لندن أثارت تساؤلات عدة حول مدى اهتمام المهاجرين المسلمين بالعمل السياسي وممارستهم له، خاصة في ظل الانتقادات التي كثيرًا ما تتردد في وسائل الإعلام للجالية المسلمة.
فوز خان انتصارًا لمبادئ بريطانيا
اعتبر البعض فوز خان بعد هذه المنافسة الشرسة انتصارًا للمبادئ البريطانية، بعدما استخدم منافس صادق خان من حزب المحافظين استراتيجية “التفزيع” بعد محاولات عدة لخلق صلات متوهمة بين صادق خان والإرهاب لمجرد كونه “مسلم” من أصول باكستانية.
هذا الانتصار للقيم والمبادئ التي يُفترض أن تقوم عليها لندن، حيث إنها مدينة متعددة الهويات والثقافات والعرقيات، ودائمًا ما تنبض بالاختلاف الثقافي والاقتصادي والفني والاجتماعي، ويحكمها في النهاية التعايش بين هذه الأطياف، لذا يمكن اعتبار تصويت أغلبية سكان لندن لخان انتخابًا لمبادئهم وليس لشخص خان بحد ذاته.
كما يمكن أن يفتح فوز خان ملف المسلمين في الغرب ومدى قدرتهم على التعايش مع الواقع الجديد الذين أصبحوا فيها مشاركين في حكم هذه البلاد وليس كمهاجرين فقط، بعيدًا عن التصورات القديمة التي ما زالت تؤثر على طبيعة المجتمعات المهاجرة في بلدان الغرب.
وبينما انصب جل التركيز على هوية صادق خان لا يمكن إغفال تغليب جانب الكفاءة والمصلحة في الاختيار من جانب الناخبين، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الناخبين لم يختاروا صادق خان لأنهم “مسلم” بل اختير على أساس كفاءة أطروحته في برنامجه الانتخابي، وعليه فإن فشل أو نجاح خان في مدته لن تكون على حساب الإسلام أو معه، أي أن هذا البعد ليس الحاكم في العملية الانتخابية هناك.
“لندن اختارت الأمل ضد الخوف” هكذا قال صادق خان بعد إعلان فوزه
يتنبأ كثيرون لخان بمستقبل سياسي أوسع من نقطة الفوز بمنصب عمودية لندن، إذ إن المجال أمامه مفتوح للمضي قدمًا في الطريق إلى رئاسة وزراء بريطانيا، والتي يبدو أنها لن تبعد عن أحلام وطموحات الرجل كثيرًا.
فهو الآن يضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات لسكان العاصمة لندن، ويعتبر الرئيس التنفيذي لحكومة لندن، كما يدير ميزانية تبلغ نحو 14 مليار جنيه إسترليني، من أجل إدارة المواصلات والشرطة وخدمات الإطفاء وتعزيز الاقتصاد في لندن، ويمثل أكبر العواصم الأوروبية في الداخل والخارج، إذ يعتبر منصب عمدة لندن من أهم المناصب في بريطانيا بعد منصب رئيس الوزراء، فلما لا يكون الأمر على مستوى بريطانيا ككل إذا نجح في هذا التحدي الصعب.