رصدت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب (منظمة غير حكومية) في أحدث تقرير لها ما يقارب 250 حالة تعذيب وسوء معاملة أغلبها في السجون ومراكز الإيقاف خلال سنة 2015 في تونس.
وبينت رئيسة المنظمة راضية النصراوي في ندوة صحفية أقيمت اليوم بمناسبة صدور التقرير أن أهم سبب لتواصل التعذيب في بلادها هو الإفلات من العقاب وأن القانون يعاقب من قام بالتعذيب من 8 سنوات لتصل العقوبة إلى الإعدام.
ويكشف التقرير الذي وزعته المنظمة اليوم بمناسبة اليوم الوطني لمناهضة التعذيب أن التجمعات السكانية الكبرى في البلاد على غرار تونس العاصمة تستأثر بـ 51% من مجموع الحالات، وفسر التقرير الظاهرة بامتداد ”أحياء الصفيح” أين يتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كما فصل التقرير الجهات والمؤسسات المسؤولة عن التعذيب واستأثرت الشرطة بـ 65% من الحالات التي وصلت المنظمة، وأكدت النصراوي أن التعذيب في تونس ليس ”سياسة ممنهجة ولكن عدد الضحايا كبير، وإذا صمتنا يمكن أن يكون سياسة ممنهجة”.
وقالت النصراوي، في وقت سابق، إن هناك عشرات الأشخاص توفوا في مراكز الاعتقال وفي السجون التونسية ولكن ليس هناك إحصائية رسمية للأعداد.
من جهتها اعتبرت منظمة العفو الدولية في آخر بيان لها حول التعذيب في تونس أن استمرار تعذيب موقوفين وسجناء في تونس يشوّه ما أحرزته البلاد من تقدم في مجال حقوق الإنسان بعد الثورة، وأوردت المنظمة في البيان أن “استمرار استخدام السلطات التونسية للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء الاعتقال، يشوه التقدم المحرز في السنوات الأخيرة في مجال حقوق الإنسان”.
وأضافت “على الرغم من أن السلطات اتخذت إجراءات للقطع مع الممارسة المعممة للقمع العنيف الذي ميز فترة حكم الرئيس السابق بن علي، فإن التعذيب ما زال منتشرًا في البلاد، ويبدو أن الحكومة ليست في عجلة من أمرها لتعزيز الضمانات واعتماد إصلاحات جديدة لمنع ومعاقبة هذه الأفعال”، ونبهت إلى أن التهديدات المتزايدة التي تواجه تونس في المجال الأمني، ينبغي ألا تكون ذريعة للعودة إلى الأساليب الوحشية المعتمدة سابقًا”.
من جهتها أبدت منظمة العفو الدولية، في ملخص للمذكرة المقدمة منها إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي، قلقها بخصوص تطبيق تونس لأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحسب الملخص فإن من دواعي قلق المنظمة المسائل المتعلقة بتعريف التعذيب في القانون التونسي وعدم اتساقه مع التعريف الوارد في الاتفاقية إضافة إلى استمرار استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز والعنف الجنسي والعنف بسبب النوع الاجتماعي على أيدى فاعلين تابعين للدولة أو غير تابعين.
وقالت المنظّمة إن لديها بواعث قلق أخرى حول تقاعس السلطات التونسية عن إجراء تحقيقات وافية في هذه الانتهاكات ومضايقة وترهيب أهالي الاشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم إرهابية.
وتلقت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، في شهر أبريل الماضي، تسع ملفات توزعت بين التعذيب والعنف الأمني وسوء المعاملة.
وقالت المنظمة “في ظل حالة الطوارئ ومكافحة الإرهاب يستغل بعض الأعوان الوضع لممارسة العنف المفرط في حالات لا تستدعى ذلك، ولم ينج أطفال من حالات العنف الأمني وكذلك من الترويع أثناء التدخلات العنيفة”.
وسجلت المنظمة حالات يتشارك فيها عدد كبير من أعوان الأمن في الاعتداء على شخص واحد أو شخصين، وخاصة في الحالات التي يحصل فيها ردّ فعل من الشخص المعني تجاه إهانة لاحقته.
كما سجلت المنظمة صدور أحكام قضائية ضدّ ضحايا العنف الأمني من طرف المحاكم ويكون الملف القضائي خال من كل ما يدل على تعرض المحكوم عليه إلى العنف أو التعذيب وخاصة الشهادات الطبية.
ومن حالات العنف الأمني التي رصدتها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب بتاريخ 2 أبريل 2016 تم إيقاف الشقيقين حفيظ وجمال من داخل مقهى بمنطقة حمام بورقيبة من محافظة جندوبة شمال غرب البلاد من قبل أعوان حرس وطني، وحال ضبطهما تعرض حفيظ إلى الصفع والركل في حين تعرض جمال إلى إصابة بواسطة مؤخر الرشاش حسب المنظمة، وواصل الأعوان الثمانية الاعتداء بضراوة على الشقيقين أمام أنظار رواد المقهى إلى أن فقد جمال الوعي، وعندما حاول أحد أجوارهما التدخل تعرض بدوره إلى العنف والإيقاف، وبعد ذلك نقل الموقوفون الثلاثة إلى منطقة الأمن بمدينة طبرقة أين منح الشقيقان حفيظ وجمال تسخيرا طبيًا وكانت أضرار جمال البدنية فظيعة حسب المنظمة.
وبتاريخ 4 أبريل 2016 أحيل المحتفظ بهم أمام النيابة العمومية بمحكمة جندوبة دون أن يكون الملف الطبي لحفيظ وجمال مضافَا بملف القضية، وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمًا بسجن كل من الشقيقين مدة عام وشهرين في حين أسعف الطرف الثالث بتأجيل العقاب البدني.
ويعاني جمال حاليًا من خلع على مستوى فكي فمه وأجريت له عملية جراحية بتونس أوائل مايو 2016 بعد أن نقل إلى سجن المرناقية، وحتى هذا التاريخ لم تتمكن عائلته من الحصول على ملفه الطبي لتقديمه إلى محكمة الاستئناف، حسب ما تضمنه تقرير المنظمة.
ونبّهت المنظمة أعوان القوة العامة إلى عدم استعمال القوة المفرطة في الحالات التي لا تستوجب ذلك، كما نبّهت أعوان الدوريات والمداهمات إلى الامتناع عن التلفظ بالكلام البذيء والتهديد بتلفيق القضايا ضدّ المفتش عنهم والتعامل بمهنية وحرفية مع الوضعيات الصعبة، وأوضحت كذلك أن الأعمال المنافية للقانون من قِبل بعض الأعوان تشوه صورة الشرطة ولا تساعد على إصلاح العلاقة بينها وبين المواطنين.
ويبلغ عدد السجون التونسية 27 سجنًا بالإضافة إلى 6 مراكز إصلاح من بينها 19 وحدة سجنية معدة كمراكز إيقاف، و8 وحدات سجنية مخصصة لتنفيذ العقوبات.