تتسارع عملية التحول الإداري السعودي بعد إقرار رؤية السعودية 2030 والتي تقوم على تحويل الاعتماد الاقتصادي للدولة من النفط إلى الاستثمار والتي شملت خططًا شاملة تتمحور حول عدة نقاط أساسية، منها إنشاء أضخم صندوق استثمارات بالعالم والخصخصة والصناعات الجديدة والسياحة الدينية وتوفير المزيد من الوظائف.
فمساء الأمس السبت كان حافلًا بالأوامر الملكية؛ إذ شهد سلسلة قرارات إدارية جريئة أقرّها الملك شخصيًا لدعم رؤية المملكة، تقرر بموجبها إعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يتفق مع متطلبات المرحلة القادمة، حيث تم إقرار 46 قرارًا وأمرًا ملكيًا تضمنوا إلغاء وزارات ودمج وترتيب اختصاصات وزارات وهيئات وأجهزة حكومية وإعفاءات لوزراء وتعيين غيرهم، ولعلّ أبرز من تم إعفاءه علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية وتعيين المهندس خالد الفالح وزيرًا للطاقة والصناعة والثروة المعدينة بدلًا عنه.
النعيمي طلب إعفاءه من منصبه
في 17 أبريل/ نيسان في الدوحة، كان مكان انعقاد اجتماع وزراء النفط من داخل منظمة أوبك وخارجها بهدف التوصل إلى اتفاق حول تجميد الإنتاج وإعادة الاستقرار لأسعار النفط، إلا أنّ شيئًا حدث في ردهات الاجتماع جعل النعيمي يخرج قليلًا بعد تلقيه اتصالًا مهمًا ويقرر قبل توقيع اتفاق تجميد مستويات الإنتاج عند يناير/ كانون الثاني الانسحاب من الاجتماع، وخرج وزير النفط القطري بعد الاجتماع في مؤتمر صحفي معلنًا فيه الحاجة لمزيد من الوقت للتشاور حتى وقت انعقاد مؤتمر أوبك القادم في يونيو/ حزيران القادم.
النعيمي شعر بالحرج كثيرًا وقتها واعتبر أنه أهين أمام زملائه الوزارء من داخل أوبك وخارجها مثل روسيا والمكسيك، فطلب إعفاءه من منصبه بعد تلك الحادثة حسب مصادر لموقع الرأي اليوم.
الاتصال كان من ولي ولي العهد محمد بن سلمان طالبه بالانسحاب والوفد المرافق معه من المؤتمر والعودة فورًا إلى الرياض، وأبلغت الرياض الآخرين أنها ترغب في مشاركة جميع أعضاء المنظمة في اتفاق التجميد بما في ذلك إيران التي تغيبت عن الاجتماع وأعلنت رفضها تثبيت الإنتاج سعيًا لاستعادة حصتها السوقية بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها، وبحسب مراقبين فإن أحد أهم أسباب فشل اجتماع الدوحة هو إصرار المملكة السعودية على حضور إيران ومشاركتها في الاتفاق.
دلالات إعفاء النعيمي
تحظى وزارة النفط والثروة المعدنية في المملكة بهالة وأهمية كبيرة بحكم أن النفط هو المورد الأساسي لميزانية الدولة، ففي أفضل الأحوال تحتل إيرادات النفط نسبة 70% من عائدات السعودية من الصادرات حسب إحصائيات 2015.
النعيمي كان أحد ركائز السياسة النفطية السعودية ومهندس استراتيجيتها في الـ 20 سنة الماضية منذ عام 1995 والتي أثارت لغطًا وجدلًا واسعًا خلال العامين الماضيين بين أعضاء أوبك حتى تكلمت تقارير عن “شهادة وفاة” لأوبك بسبب ذلك الخلاف، إذ أصرّ النعيمي على الحفاظ على مستويات الإنتاج المرتفعة على الرغم من تخمة أسواق النفط بما يقرب من 2 ونصف مليون برميل يوميًا وانخفاض الأسعار كثيرًا، إلا أن هذه السياسة قادت ولا تزال لاختلال في الأسعار تدفعها للانخفاض أكثر تبعًا لمتوالية العرض والطلب.
وبقي النعيمي مهندس وزارة النفط والثروة المعدنية والأكثر نفوذًا في قطاع النفط السعودي الذي تتأثر أسواق العالم بتصريح منه أو حتى بتلميح له بشأن سياسة بلاده النفطية واستراتيجيات منظمة أوبك التي تعد السعودية أكثر الدول نفوذًا بها، حتى جاء العام الماضي وحمل معه صعود نجم الأمير محمد بن سلمان الذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة والذي بحسب مراقبين يعد مهندس السياسة النفطية السعودية الجديدة في مرحلة ما بعد النعيمي.
ولعل من دلائل إقالته أنه كان من مؤيدي التوقيع على اتفاق الدوحة ومن معارضي بيع حصص من شركة أرامكو والتي تقرر بيع جزء منها في الأسواق العالمية بحسب الرؤية، إلى جانب امتعاضه من تصرف الأمير محمد بن سلمان والذي أشعره بالإهانة أمام الوزراء، كما أنه فيما يبدو أن الوزارة لا تمشي بمهندسين اثنين لكل واحد منهما رأي يخالف، لذا وللحفاظ على سير خطة 2030 تمت إقالة النعيمي.
النعيمي في سطور
انضم النعيمي إلى شركة النفط السعودية أرامكو في الثانية عشرة من عمره كأي عامل عادي، وقد نال إعجاب مديري الشركة بعد فترة بسبب اجتهاده ومواظبته على العمل، تدرج في المناصب إلى أن أصبح رئيسًا للشركة في العام 1983 ورئيسًا تنفيذيًا لها عام 1988، علمًا أنه أول سعودي يتولى المنصبين بعدما كان المنصب يتولاه أمريكيون، وفي عام 1995 أصبح النعيمي رابع وزير للبترول في السعودية خلال 40 عامًا.
خلال مسيرته واجه أزمات كثيرة من تهاوي أسعار النفط أولها بعد توليه المنصب بعامين بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية في دول شرق آسيا ففي أواخر عام 1997 وعام 1998 دفع النعيمي إلى اتفاق مع إندونيسيا لزيادة الإمدادات متجاهلًا تأثير الأزمة الاقتصادية في دول شرق آسيا وقلة الطلب على النفط فانخفضت الأسعار بشكل حاد ما اضطر منظمة أوبك في العام 1999 إلى تخفيض إنتاجها بمقدار 3 مليون برميل يوميًا لتعاود الأسعار للارتفاع مجددًا وتصل إلى 25 دولارًا للبرميل.
وفي السنتين الأخيرتين واجه النعيمي أزمة أخرى تتعلق بالإمدادات بدأت بمنتصف عام 2014 وهوت بالأسعار إلى 26 دولارًا للبرميل في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأصر النعيمي في صراع مع دول أوبك ومن خارجها على عدم تخفيض الإنتاج بهدف إزاحة أصحاب التكاليف المرتفعة من شركات النفط الصخري مستغلًا بذلك إمدادات بلاده الضخمة من النفط، إذ تنتج 10% من النفط العالمي وقدراتها المالية الضخمة التي تحوزها من احتياطيات في الصناديق السيادية.
وزير النفط الجديد
خالد بن عبد العزيز الفالح، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أرامكو السعودية، وعضو في مجلس الأعمال الدولي للمنتدى الاقتصادي العالميIBC، ومجلس رجال الأعمال الآسيوي، والمجلس الدولي لشركة “جي. بي. مورغن”، والمجلس الاستشاري لرئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
التحق بالعمل بشركة أرامكو في العام 1979 ومن ثم ابتعث للدراسة إلى الولايات المتحدة ليحصل من هناك على البكالورويس في الهندسة الميكانيكية والماجستير في عام 1991، وفي العام 1999 استلم الفالح منصب رئيس شركة بترون المشروع المشترك بين أرامكو السعودية وشركة البترول الوطنية الفلبينية، وفي عام 2003 عُين نائبًا للرئيس لشؤون التنقيب، وفي العام 2004 عين نائبًا أعلى للرئيس لأعمال الغاز وبعد ذلك عُين بمنصب النائب الأعلى للرئيس للعلاقات الصناعية في العام 2005 وكان حتى تعيينه في منصبه الجديد وزير الصحة في المملكة.