ترجمة حفصة جودة
عادة ما يكون تركيز احتجاجات الطلاب في السودان على السياسة، لكن الاحتجاجات في جامعة الخرطوم التاريخية عام 2016 تختلف هذه المرة؛ فهي تتحدث عن فن العمارة والتراث.
كان الطلاب قد ثاروا بعد ظهور ادعاءات تقول إن المباني التاريخية للجامعة في شارع النيل قد تم بيعها للقطاع الخاص، هذه الادعاءات لم يتم التحقق منها حتى الآن؛ لكن التقارير تشير إلى أن هذه المنطقة التي تقع فيها مباني الجامعة التراثية منذ عام 1902؛ سوف تصبح مركزًا سياحيًا.
إذا حدث هذا الأمر؛ فسيكون بسبب مجموعة الوثائق المثيرة للجدل التي تُسمى “مشروع تخطيط الخرطوم -05” (KPP-05)، حيث صدرت أول دعوة للمناقصة في هذا المشروع عام 2005، لكن التفاصيل أُحيطت بالسرية التامة وقامت وسائل الإعلام بنشر تقارير ضعيفة عن نتائج هذا المشروع؛ بطريقة غير دقيقة وسيئة للغاية، إلا أن الناس قد بدأوا مؤخرًا في فهم عواقبه.
فهم واقع الخرطوم
للمدن والفراغ والبيئة العمرانية قوة لا تُصدق؛ والتي من الممكن تسخيرها بصورة إيجابية أو سلبية، لكن الخطط والمشاريع تقول أن المستقبل المكاني في الخرطوم يتجه -للأسف- نحو السلبية والتدمير، إنهم يدّعون إن المشروع حول إعادة تشكيل وتنشيط الخرطوم الكبرى، لكن يبدو أنهم يجهلون واقع المدينة.
على سبيل المثال؛ يعتبر معظم سكان المدينة من ذوي الدخل المنخفض، ومع ذلك فلم يتضمن مشروع “KPP-05” أي مقترحات للحد من الفقر في المناطق الحضرية، كما أنه لم يتعامل مع حقيقة أن معظم المناطق السكنية والمنازل لا تتوافق مع المعايير العالمية لما يمكن اعتباره سكنًا ملائمًا، كما تجاهل المشروع أيضًا تقديم حلول للمناطق السكنية التي تم تطويرها مؤخرًا؛ والواقعة في السهول الفيضانية لنهر النيل، حيث يتعرض سكان تلك الأحياء لخسائر سنوية حادة.
يبدو أن الخطة قد بدأت أيضًا في تقديم تنازلات مجانية عن الأماكن العامة، وتعتبر الأنهار وجزيرتي توتي والمقرن (مكان التقاء النهرين الأبيض والأزرق) هي التي تحدد الملامح الرئيسية للخرطوم، ويبدو أن القصد هو تخصيص تلك الأراضي بطول الأنهار للمباني الشاهقة من أبراج وفيلات خاصة.
يثير هذا الأمر العديد من الأسئلة، فهذه المناطق كانت “مساحات تنفس” لسكان الخرطوم؛ فهل ستبقى متاحة مجانًا للجمهور؟ هل هذه الخطط مناسبة من حيث الشكل والحجم والأهمية الاجتماعية والمناخية ويمكن الوصول إليها؟ أم أنها ستصبح بعد ذلك أراضٍ قيمة لقلة قليلة من الناس، يطردون منها أصحاب الأعمال الصغيرة وآلاف الناس الذين يستفيدون منها بطرق مختلفة من خلال حرية الدخول لضفاف النيل؟
أصبحت الأحياء القديمة عرضة للخطر أيضًا، فمراكز المدينة؛ وبالأخص المركز القديم لأم درمان يبدو معطلًا في الطريق الرئيسية، ويبدو من صور المخطط أنهم سيقومون بطرد أصحاب الأعمال الصغيرة من تلك المناطق لصالح رأس المال الكبير، وسوف تتضرر الأسواق الموجودة منذ عقود جرّاء ذلك.
تنص الخطط على أن تلك المباني سوف تصبح مزارات ثقافية وترفيهية وسياحية، وسوف يتم نقل الوزارات الحكومية التي تعمل في تلك المباني إلى مكان آخر، لكن لا شيء في الخطة يؤكد وجود إستراتيجية واضحة للحفاظ على تلك المباني التراثية.
أما جامعة الخرطوم فلم يأتِ ذكرها بالتحديد في الخطة، وغيابها هو نذير شؤم لتلك الخطة- وربما غياب شفافية التفاصيل بشأنها هو سبب غضب الطلاب الشديد.
السريّة هي سبب الاحتجاجات
أحد أكبر المشاكل في الوثائق المتاحة من الخطة؛ هي أنها ببساطة لم تقم بتعريف المصطلحات المستخدمة أو الخطوط العريضة للآثار المترتبة على ذلك؛ فمثلًا، تم تعريف قطاع كبير في الخرطوم بأنه “منطقة استثمارية”، لكن هذا التعريف لم يتم تفسيره أبدًا، هل يتم بيع تلك الأراضي للقطاع الخاص؟ هل يتم مصادرتها من الملّاك والمستخدمين الحاليين؟ وحتى الصور المستخدمة في الخطط لم توضح الأمر كثيرًا.
تم إطلاق تلك الوثائق على شكل أجزاء عبر وسائل الإعلام، وليس من خلال حملة توعية مناسبة، ولم تكن هناك أي عملية تشاور مناسبة، وقد أدى ذلك بلا شك إلى تدفق الاحتجاجات والغضب، دائمًا ما يستجيب الناس للشائعات، فهم لا يستجيبون لمعلومات محددة، لكنهم يستجيبون لقلة المعلومات، كما أن الاحتجاجات كانت سلمية تمامًا، فقد كان الطلاب يرددون كلمة “سلمية” خلال الاحتجاجات؛ لتأكيد أنهم لا يدعمون العنف.
وبالرغم من التزامهم بعدم العنف؛ تم اعتقال بعض النشطاء ممن يقودون الاحتجاجات دون توجيه أي تهمة، وفي أول شهر مايو؛ كان هناك طالب رهن الاعتقال لمدة شهر، وتم أيضًا اعتقال مجموعة من متخصصي البيئة العمرانية- من خريجي الجامعة -أثناء محاولتهم تنظيم وقفة صامتة تدعو لحماية تراث الحرم الجامعي.
واعتبارًا من 3 مايو؛ تم اغلاق الجامعة لأجل غير مسمى، وتم طرد الطلاب –رغم أن بعضهم أوشك على إنهاء دراسته- ولن يُسمح لهم باستكمال دراستهم؛ وأصبح مستقبلهم المهنيّ في خطرٍ الآن.
هذه الردود الخرقاء ليست أمرًا جديدًا؛ لكنها تثير قلق الطلاب الذين يطالبون الحكومة ومخططي المدن بالأفضل، فهم يخاطرون بحياتهم من أجل ذلك.
المصدر: كوارتز