يقف المجرم الأمريكي الأرمني أمام الكاميرا قائلًا إنه قد أتى إلى سوريا ليمارس “الاغتصاب الجماعي”، يصعب ترجمة النكتة السخيفة التي يحاول عضو العصابات المدعو “وينو” قولها من الإنجليزية، فتعبير “Gangbang” الذي استخدمه وينو يعني الاغتصاب الجماعي إذا ما ترجم حرفيًا، كما أنه ينقسم إلى Gang وتعني عصابة وBang وتعني تفجير، وهو هنا يشير إلى كونه عضوًا في إحدى كبرى العصابات الإجرامية في الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة بـ Puro-sur 13، وتحديدًا إلى الجماعة الأرمنية فيها والمعروفة بـ “القوة الأرمنية” أو Armenian Power.
يظهر في الفيديو مع وينو صديقه اللاتيني المسمى “كريبر” أو المرعب، كلاهما ينطبق عليه تمامًا الصورة النمطية لرجل العصابات الأمريكي الأصلع الذي تغطي الوشوم مساحة كبيرة من جلده، لا يعلم أحد تحديدًا لماذا قرر هؤلاء الذهاب إلى سوريا أو القتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد مناهضيها من الجماعات المختلفة في سوريا، بل إن وينو قد قام بنشر صورته مرتديًا ملابس قوات حزب الله متوشحًا بوشاح يحمل صورة حسن نصر الله.
بدأ الأمر في التكشف مؤخرًا في الولايات المتحدة فقط بعد أن تم القبض على أحد أفراد العصابة الأرمنية التي ينتمي إليها وينو وإجباره على فتح هاتفه المغلق بالبصمة، لم تبدأ الولايات المتحدة في الحديث عن الأمر بأي شكل جدي إلا بعد أن تم ربط وينو بالعصابة التي اكشفت السلطات قيامها بسلسلة طويلة من الابتزاز والسرقة والاحتيال البنكي ليصل مقدار ما استولوا عليه مؤخرًا إلى 9 مليون دولار، بالرغم من أن الفيديو الذي يتفاخر فيه رجلي العصابات بقتالهم إلى جانب قوات النظام السوري قد تم نشره منذ أسابيع، بالإضافة إلى عدد من صور الرجلين حاملين رشاشات الكلاشنكوف.
لم تبدأ الولايات المتحدة في القلق بخصوص وينو ورفيقه كريبر إلا بعد أن أدركت الأبعاد الدولية للعصابات الأرمنية، فكالعادة مع عصابات المهجر، يحافظ أفراد هذه العصابات على شبكة واسعة جدًا من العلاقات حول العالم، شبكة تعمل في كافة أنواع النشاطات القذرة التي تبدأ بالتهريب ولا تنتهي بالإتجار بالبشر والمخدرات والاغتيالات، كما يلفت الأمر الانتباه بعد وصول عدد من التقارير مع نهاية العام الماضي عن دور المافيا الأرمنية في اليونان بالعمل في سوق تهريب اللاجئين إلى أوروبا بالتعاون مع نظيرتها الصربية، والأخيرة مشهورة جدًا بأذرعها شديدة النفوذ في مشهد الجريمة الأمريكي.
تدعو المشاهد السابقة إلى مجموعة ضخمة وغريبة من التساؤلات، فإذا بدأنا بالتساؤل عما دار برؤوس هؤلاء عند تقريرهم الذهاب إلى سوريا والقتال في معركة تبعد عنهم آلاف الأميال، تشير بعض التحليلات المنشورة من قبل بعض مراكز الأبحاث أن الأقلية الأرمنية في سوريا تعرف بتأييدها الواضح للنظام السوري، هنا يصح التساؤل، هل يكفي مثل هذا التفسير في هذه الحالة؟
التساؤل الثاني هو: لماذا حزب الله تحديدًا، من المعروف بين المهتمين بدراسة التنظيم المسيطر على المشهد السياسي والعسكري في لبنان اليوم أن نشأة حزب الله كانت تعتمد إلى حد كبير على تمويل يأتي من نشاطات لبنانيي المهجر في كل من غرب إفريقيا والأمريكتين، إذ سيطر هؤلاء على قطاعات ضخمة من تجارة الماس والعاج غير القانونية، ويقال إن كلًا من الموساد والمخابرات الفرنسية قد بذلا جهدًا ضخمًا في السيطرة على هذه الشبكات لوقف التدفق التمويلي إلى التنظيم، وبالنظر إلى دور العصابات الأرمنية المعروف في التهريب عبر الأطنلطي والمتوسط، فهل يمكن أن يكون وصول هؤلاء المقاتلين إلى سوريا مجرد عرض على علاقة أكبر وأقدم؟
التساؤل الثالث: هل يتضح من تعامل الولايات المتحدة البارد مع الأمر أن المقاتل الأجنبي في سوريا لا يمثل خطورة إلا إذا قاتل إلى جانب القوى الإسلامية؟ فواقع الأمر أن أغلب الواصلين إلى سوريا للقتال إلى جانب القوى الإسلامية لم يكونوا من ذوي السوابق العنيفة أو الحوادث الضخمة في بلادهم، فكيف لا يتم التعامل مع الأمر بقدر مماثل من التعجل والخطورة، خصيصًا أن هذا المقاتل الأرمني وصديقه اللاتيني قد كانا يمثلان خطرًا حقيقيًا على الأمن الأمريكي قبل ذهابهما إلى سوريا بكثير، فواقع الأمر أنها كانا ومازالا ينتميان إلى واحدة من أخطر وأعنف العصابات الإجرامية على طول الساحل الغربي الأمريكي على الإطلاق.
كيف سيتم التعامل مع وينو وكريبر عند عودتهما إلى الولايات المتحدة – إذا استطاعا العودة أحياءً – يظل سؤالًا مبهم الإجابة، سؤال لا يجاريه في هذا سوى التساؤل عن حقيقة ما كانا يفعلانه في سوريا من الأساس.