على سرير “الشرف” كان يعريها من كل “حب”، يربطها ويدس في فمها قماشةً مبلولةً تحسبًا لأي “لااا”! ثم يبدأ بإخماد سيجارة مرةً تلو مرة، مارًا بضحكاته فوق تضاريس الجسد!
تبكي هي بصمتٍ وتتوسله بعد كل “موتٍ” أن يعتقها لوجه الله، يتابع هو الضحك ويعلق:” لو كان أهلك يرضون أن تعودي إليهم مطلقة.. لفعلت”.
كان يضربها كثيرًا على وجهها، وحتى هذا الدليل الدامغ سهل البوح، عندما حدثت به أمها أجابت: “كل الرجال عندما يغضبون، يفعلونها”.
في بيت رجلٍ يتلذذ بتعذيب روحها، تلملم مريم أذيال الوقت عائدةً بذاكرتها نحو ثماني سنواتٍ مضت، تحديدًا إلى حيث ذلك اليوم الذي عج بضجيج المطر يطرق سقف “الزينكو”، عندما استيقظت على صوت “صاحبة القول” جدتها لأبيها تناديها: “تجهزي فأهل عريسٍ بالباب”.
– فضل! فضل يا جدتي؟ إنه أمي!! وكل القرية تعرف بأمر تعاطيه.
– وماذا يعني ذلك؟ سيتغير بعد الزواج، والدك موافق فسترة الفتاة بيت زوجها.
– لكن يا جدتي! أخلاقه ليست كما ينبغي، هذا “تبع نسوان”!
– بذكائك تجعلينه خاتمًا في إصبعك، كما أقول لك: سترة الفتاة “بيت زوجها”.
تزوجته! وحتى أمها “أجرت عقلها” لذلك الفرح حيث أخيرًا أزاح الله عن قلبها هم بنتٍ من أربعة!
كانت تلك “الميريمة” كلما نظرت إلى عيني جدتها عند كل زيارةٍ تبتسم، تتحسس ساقها المرقطة ببقايا “الرماد” الذي أقنعتها يوم رأت بعضه في ذراعها بأنه بسبب فرن الطينة، كانت تهم طوال الوقت بأن تقول لها: “شكرًا”، لكنها كانت تنسحب وقت الليل إلى بيتها حاملةً في أحشائها “رائحته”، أنجبت منه ثلاثة أولاد! وكانت تسأل نفسها كل مرة: “أتراه يملك إحساسًا مثلنا؟”، كانت تبصق في وجهها بالمرآة كلما انتهى ذلك الوقت “القذر” المستقطع من حياتها اليومية، أما أبنائها الذين اعتادوا على أمهم تتألم، فما عادوا حتى يبكون!
شاء الله لـ “مريم” أن تتم في بيت فضل “مستورةً” كما أرادت لها جدتها ثلاثة حروبٍ وسنة! منذ 2007م إلى ما قبل وقت، عندما ضربها “فضل” كعادته بعد عودته من العمل “لأنها ترد سلامه من طرف روحها” كما قال! فاض القلب بما يحمله، انفجرت فيه تصرخ دون أن تضع يدها على وجهها ردًا لصفعاته “المتوقعة” هذه المرة: “اتركني يا فضل، اتركني، اذهب وربِ ابن المرحوم أخوك، ذلك الذي يضاجع أخته”!
هذه المرة تلقت “مريم” كل صفعاته واقفة! تمامًا كشجرة سروٍ رأت الغيم يبتعد فشمخت أكثر، مزق ملابسها كلها، وأمسك بحجرٍ دق فيه عظامها! ثم رمى بها نحو الخارج “عارية” إلا من “يا رب”! صرخت بما تبقى من أنفاسها: “استروني” هذا كان آخر ما تتذكر، لتفيق على صوت أمها تقول لها: “الحمد لله على سلامتك”!
“سلامتي؟! سلامتي من ماذا؟” سألت الفتاة، ثم نادت: “أولادي؟”، فأجابتها: “أولادك بخير”.
استأصل الأطباء من “مريم” البنكرياس بعد نزيفٍ حاد، وخرجوها إلى بيت أبيها، حيث هناك جدتها كانت تنتظر، لن تصدقوا أن مريم هذه المرة فعلتها: نظرت في وجهها بمجرد أن دخلت، تعالت على كل وجعٍ وابتسمت ثم قالت لها: “شكرًا”.
تجلس مريم في بيت أهلها منذ عدة أشهرٍ برفقة أولادها الذين قضى لها القانون بحضانتهم بعيدًا عن ذلك الأب الذي حكم أخصائيو علم النفس على وضعه الإنساني بـ “السادية المرضية”! تحمل قلبها الملآن “بما لا يعني أحد”، ولا تواعد أبدًا ذلك الأمس الأسود حيث البطل “نشاز الآدمية” فضل.
صباحات مريم البهية اليوم، تتجلى في ضحكات ثلاثة أطفالٍ قررت أن تربي في عقولهم قيم الخير والحق والجمال، تجلس تحت زيتونةٍ محببة لا يعكر صفو روحها سوى صوت حمار جارهم، وجدتها تصر عليها بضرورة العودة إلى بيت زوجها حيث ظل الرجل أفضل من ظل حيطة، ثم تردد عبارتها المعهودة: “المرة (المرأة) سترتها في بيت زوجها”.
تتدخل أمها في الحديث: “لقد وعدك أن يتغير، لم يبق في البلد أحدٌ لم يتوسط لدى والدك كي تعودي إليه، لو أنه لا يحبك لتزوج عليك منذ أشهر”! تنظر إليهم مريم بعجب، تضحك هازةً رأسها وشريطٌ من الوجع عمره ثماني سنوات يمر سريعًا أمام عينيها، تهمهم من طرف لسانها: “بما أن ظل الحيطة ذاك ستري، فأنا إذًا أختار الفضيحة”، تعود إلى الضحك ثم تصمت، عاهدت نفسها أبدًا أبدًا أنها لن تُلدغ من “عقلٍ” مرتين.
عندما يستبد القهر، تعلن الروح العصيان وتبدأ رحلتها الطويلة مع قول “لا” فقط للبحث عن تلك المساحة الصغيرة بين أن يكون المرء أو لا يكون، وهذا تمامًا ما أدركته مريم عندما فضلت على الستر، “الفضيحة”!
*ملاحظة… بطلة القصة صاحبة الاسم المستعار التقتها الكاتبة في عيادةٍ للطب النفسي داخل قطاع غزة.