يتصدر سقوط السيسي الآن أهداف الثورة وبؤرة تمحورها والعمل من أجلها، سواءً كان ذلك سخرية نتيجة إخفاقات في أدائه الخطابي أو إثبات الفشل الاقتصادي نتيجة سياسياته، أو الجرائم المرتكبة من أجهزة الدولة سواءً الداخلية أو الجيش أو القضاء أو الإعلام ..إلخ، كل ذلك وأكثر تعمل كل القوى الثورية وغير الثورية التي تهتم بصالح هذا البلد على إبرازه وإثباته، بل والتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل ذلك، وقد يلقى من يفعل ذلك الاعتقال أو التعذيب أو كليهما وقد يصل الأمر بأن يفقد حياته، تضحيات ثمينة وغالية وكثيرة ولكنها تصب في هدف واحد وواحد فقط، رحيل شخص السيسي.
لو رجعنا للوراء قليلًا إلى فترة ما قبل رحيل مبارك، وتحديدًا حينما بدأت قطاعات من الشعب غالبيتهم من الشباب، معارضة مبارك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت فعاليات على الأرض بعد قضية خالد سعيد، ثم بداية شرارة الثورة في 25 يناير وزيادة وتيرتها يوم 28، كان هدف هذه الجولة بين الشعب ومؤسسات الدولة واضح؛ رحيل النظام متمثلًا في “شخص” مبارك ومن نعرفهم في السلطة من الفاسدين “كأشخاص” عن طريق الإعلام، وكان ذلك هو غاية الأفق ومنتهى الخيال في التغيير وكان أعمق مطلب والذي لم يتحقق حتى الآن هو هيكلة الداخلية.
لا نحتاج إلى شرح كيف تمكنت مؤسسات الدولة العميقة من جيش وداخلية ورجال أعمال بمساعدة بقية المؤسسات في أن تفوز هي بالجولة الثانية عبر الانقلاب العسكري الذي تم العمل عليه بعناية شديدة، لكن بعد الفوز بهذه الجولة وهزيمة الطليعة الثورية وكل من يريد الخير لهذه البلد، اكتسبت هذه المؤسسات خبرة في التعامل مع أي عمل ثوري وتعلمت من أخطائها وأعادت هيكلة المؤسسات الأمنية بل والعسكرية لوأد أي حراك شعبي، عن طريق مراقبة شبكات التواصل وغلق الأرض للتظاهرات وتقنين اعتقال أي معارض والسيطرة شبه المطلقة على الإعلام وغير ذلك من التدابير التي لا يتسع المقام لذكرها والتفصيل فيها.
على الجانب الآخر ظل مربع الثورة على حاله، يتعامل مع الجولة الثانية من الصراع بنفس أدوات الجولة الأولى إضافة إلى تشظيه وعدم العمل جنبًا إلى جنب على اختلاف توجهاته، على عكس ما حدث في المرحلة الأولى من الصراع، ومع ازدياد الوعي بطبيعة الصراع يُصر المربع الثوري على التعامل بأفق محدود جدًا للثورة متمثلًا في قضية رحيل السيسي أو إسقاطه، القضية التي طالما تعامل معها النظام مستخدمًا مؤسسات الدولة، ويروج لها على أن الرجل له شعبية وحتى إذا تهاوت فهذا لا يؤدي إلى إسقاطه؛ فكما له من يبغضه فهناك من يحبه أيضًا، وتضيع القضية كلها في العمل على توسيع دائرة من يكرهونه، مستمرين في تسطيح القضية عن مكمن الخلل الأساسي والذي يستطيع أن يخرج من الناس طاقة غضب عريضة وعميقة قادرة على الإطاحة بما هو أقوى من شخص السيسي؛ ألا وهو فساد المؤسسات، وليس فساد الشخص.
هب أن تحقق هذا الهدف السطحي ورحل السيسي، فماذا بعد؟ مجرد تخيُل السيناريو بعد رحيل السيسي يجعلنا ندرك سطحية الهدف، وما يجب أن نحارب من أجله على الحقيقة، وندفع الأثمان الباهظة التي بُذلت بالفعل ومستمرة على كل حال، فلماذا نحارب العرض ونترك أصل الداء؟!
وكمثال على توسيع الهدف وتعميقة دعونا ننظر إلى أكبر داعم للسيسي، الجيش؛ يستحوذ الجيش قبل الثورة على 40% من اقتصاد مصر، وفقًا لدراسة معهد كارنيجي، وبعد الانقلاب تدخل الجيش بشكل جنوني في الاقتصاد المصري وقام بإنشاء الكثير من الشركات وأصبح لا يعطي تأجيل للمجندين من أبنائنا بل يزج بهم في هذه الشركات الخدمية والمقاولات والمصانع أيضًا؛ فيجني أرباحًا طائلة لقلة تكلفة العمالة والإعفاء من الضرائب والإعفاء الجمركي أيضًا، وحين يخرج أبناؤنا من الخدمة ليحل محلهم آخرين لا يجدوا فرص عمل، لأنه وببساطة فرصهم في العمل قد استحوذ عليها الجيش لصالح تراكم ثروة كبار ضباطه.
علينا إظهار الفساد والفاسدين سواءً كانوا أشخاص أو مؤسسات ومحاصرته ودراسته جيدًا، كما علينا أن نفصل بينه وبين نشاط المؤسسات الفنية نفسها، كأن نتكلم عن اقتصاد الجيش وليس تسليحه، حتى لا يقال إننا أناركيين نطالب بهدم البلد رأسًا على عقب، وأن يمتد ذلك إلى بقية مؤسسات الدولة، وأن نعمل أيضًا على تطوير مطالبنا لتكون أكثر واقعية وجاذبية لشرائح المجتمع المختلفة حيث الضرر المشترك، وأن نجعل شخص السيسي بداية الأمر وليس منتهاه.