نشرت صحيفة النيويورك تايمز تقريرًا بعنوان “الوزير السعودي يضطلع بمهمة تخفيف الاعتماد على النفط”، تناولت فيه وزير النفط والصناعة والثروة المعدنية السعودي الجديد، خالد الفالح، متسائلة حول قدرته على أداء المهمة المنوطة به في ظل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يشهدها عالمنا اليوم.
يستهل كليفورد كراوس وبن هوبارد مقالهما في النيويورك تايمز بالإشارة إلى وزير النفط السعودي السابق، علي النعيمي، الذي كان يُعرف باسم “المايسترو”، الرجل الذي كانت كلماته تحرّك سوق النفط ويتم تحليلها بدقة من قِبل رجالات هذا القطاع؛ فخلال العقدين الماضيين، كان وزير النفط السعودي السابق هو مهندس سياسات النفط السعودية وسياسات منظمة أوبك، بما في ذلك السياسات التي أودت إلى الهبوط العميق الأخير بأسعار النفط.
يوضح التقرير بأن قرار الإطاحة بالنعيمي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، جاء من دون الاحتفاء به، ويعد جزءًا من النظام الجديد في المملكة العربية السعودية التي يقودها الملك سلمان، والذي يهدف على المدى الطويل لتحديث اقتصاد البلاد.
التبديل لا يعني التغيير
خليفة النعيمي، خالد الفالح، هو أحد كبار مؤيدي جدول أعمال الملك الجديد، حيث سيتم تكليفه بالمهمة المعقدة والشائكة المتمثلة بخفض اعتماد المملكة الحاد والمستمر على النفط.
في الوقت الذي بدا واضحًا لكل المتابعين الرمزية التي اكتنفت قرار الإطاحة بالوزير السابق، إلا أن صحيفة النيويورك تايمز كشفت نقلًا عن خبراء في مجال الطاقة بأنهم لا يتوقعون أي تغيير سريع أو سهل في سياسة المملكة النفطية؛ لأن التغيير الحاد في السياسة الاقتصادية لطالما كان استثناءًا وليس قاعدة بالنسبة للمملكة المحافظة على مدى العقود الماضية.
لم يقدّم الفالح، في أول ظهور رسمي له من منصبه الجديد، أي تصريحات تحاول تهدئة الأسواق، وسط المخاوف المتصورة من انخفاض أسعار النفط المتقلبة بشكل أكبر مما هي عليه حاليًا، حيث صرّح الفالح في بيان صدر يوم الأحد الماضي قائلًا: “ستحافظ المملكة العربية السعودية على سياساتها البترولية الثابتة”، وتابع: “نحن ملتزمون بالحفاظ على دورنا في أسواق الطاقة العالمية وتعزيز موقعنا كأكثر مزودي الطاقة ثقة عالميًا”.
هذا التصريح يعني على الأرجح بأن المملكة العربية السعودية ستستمر في ضخ أقصى ما تستطيعه من النفط إلى الأسواق، وهو أمر تصفه الصحيفة بالمطئمن للمستهلكين الأمريكيين حول بقاء أسعار الوقود منخفضة خلال فصل الصيف على الأقل، واستمرار انخفاض أسعار الطاقة عمومًا لما لا يقل عن عام كامل تقريبًا.
أرامكو ورؤية 2030
تتصاعد الشكوك داخل المملكة العربية السعودية حول قدرة التغيير الأخير، الذي حصل ضمن أعلى المستويات الحكومية، على تنفيذ مسيرة الإصلاحات التي وعد بها الملك سلمان وقام بهندستها نجله القوي، نائب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف للحد من الاعتماد الثابت على الاقتصاد النفطي المتقلب، والذي يبدو مستقبله أقل موثوقية على نحو متزايد.
قرار الإطاحة بالنعيمي هو جزء من التحرك الذي أُعلن عنه يوم السبت المنصرم والذي يهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة السعودية لتنويع الاقتصاد وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين السعوديين.
محور الخطة السعودية المُعلن عنها من قِبل الأمير محمد الشهر الماضي تحت مسمى رؤية 2030، والتي سيلعب ضمنها فالح اليوم دورًا رئيسيًا، هو تحويل شركة النفط المملوكة للدولة، شركة أرامكو السعودية، إلى مجموعة صناعية؛ حيث صرّح نائب ولي العهد السعودي عن نية المملكة بطرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام للمرة الأولى في تاريخها، وستُستخدم عوائد هذه الخطوة لضخ المال في صندوق الثروة السيادية الذي سيتم استثمار أمواله في الداخل والخارج لدعم الإيرادات الحكومية.
لطالما كانت شركة أرامكو السعودية المؤسسة الأكثر فاعلية في المملكة العربية السعودية، ولكنها اعتمدت أسلوب السرية المكثّف حول شؤونها المالية وكيفية تقدير احتياطي النفط في المملكة، ومن هذا المنطلق، تشير النيويورك تايمز، نقلًا عن محللين اقتصاديين، بأن فتح الشركة أمام العامة سيخضعها لتدقيق مستحدث يمكن أن يغيّر ثقافتها المتوارثة بطرق غير متوقعة، كما أن توجيه قيمتها السوقية نحو الاستثمارات، سيعمل فقط على تحويل التركيز عن نوع محدد من الإيرادات، النفط على وجه الخصوص، إلى إيرادت أخرى لا يمكن التنبؤ بها ولا تساهم في زيادة إنتاجية العمال السعوديين.
من هو خالد الفالح؟
الفالح هو خريج جامعة تكساس إي أند أم باختصاص الهندسة الميكانيكية، شق طريقه في صفوف شركة أرامكو السعودية، ليصبح في نهاية المطاف رئيسها التنفيذي، وعلى الرغم من أنه يُنظر إليه في أعين مسؤولي شركات النفط الدولية والمحللين كوكيل للتغيير، إلا أنه لا يزال أحد التكنوقراط الذين لطالما ارتبطوا بثقافة شركة أرامكو المتوارثة.
يوصف الفالح من قِبل مسؤولي شركات النفط والمحللين كأحد أكثر المسؤولين تطورًا وعالمية في عالم النفط، فهو يحظى بلقب القائد منذ زمن طويل ما بين وزراء منظمة البلدان المصدرة للبترول، أوبك، الذين يسيطرون سويًا على ثلث إنتاج النفط في العالم.
يُنتظر من الفالح أن يشجع الارتفاع التدريجي لأسعار النفط العالمية، بالتزامن مع الحد من الاستهلاك المحلي المسرف للطاقة في المملكة، وهو التغيير الذي سيسمح للسعوديين بزيادة صادرات النفط في السنوات المقبلة، حيث سيتولى رئاسة وزارة تم إعادة تنظيمها حديثًا، والتي سوف تبسط سيطرتها اليوم على جميع جوانب الطاقة والصناعة، وليس فقط على قطاع النفط.
“خالد هو مسؤول تنفيذي فاعل للغاية، ويمتنع بفهم متطور جدًا للسياسة”، نقل تقرير النيويورك تايمز عن دانيال يرغين، وهو مؤرخ للطاقة ونائب رئيس مجلس إدارة شركة IHS الاستشارية العالمية، وأضاف: “إنها مرحلة انتقالية طبيعية، والآن، تنتظر المملكة العربية السعودية أجندة كبيرة في المستقبل، وشركة أرامكو هي في صميم ذلك، لذا فإنك بحاجة لشخص يمكنه تطبيق وتنفيذ التغيير”.
هل يفلح الفالح في ما فشل فيه النعيمي؟
يتمثل الاهتمام الأساسي الذي سيواجهه الفالح اليوم بإدارة منظمة أوبك، التي ينقسم أعضاؤها بشدة ما بين مجموعة، كفنزويلا والجزائر، ترغب بخفض الانتاج لرفع الأسعار، وأخرى، كممالك الخليج الثرية، مقتنعة ببقاء الأسعار منخفضة لبعض الوقت.
الجدير بالذكر في هذا السياق، بأن انخفاض الأسعار يُجبر المنتجين الذي يتكلفون نفقات أعلى لاستخراج النفط، كشركات الحفر في حقول النفط الصخري الأمريكية والرمال النفطية الكندية وحقول المياه العميقة في البرازيل وغرب أفريقيا، للتخلي عن الاستثمار بهذه المشاريع باهظة الثمن.
على صعيد متصل، وعلى الرغم من انحصار القرار النهائي بخصوص السياسات النفطية بيد الملك سلمان، إلا أن الفالح قد يتمكن من استخدام نفوذه للتأثير على السياسة الحالية، ولكن هذا النفوذ لن يذهب إلى الحدود القصوى المتصورة؛ حيث تذبذبت أسعار النفط على مدى الفترة الماضية بناء على التقارير الواردة، منخفضة تارة بالتعويل على التقارير المستمرة حول مخزونات النفط اللامسبوقة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، ومرتفعة تارة أخرى جرّاء التقارير الواردة حول الانخفاض السريع في إنتاج الولايات المتحدة والصين والمكسيك، ومؤخرًا في كندا، التي وصلت دوامة الحرائق التي شهدتها إلى حقول الرمال النفطية في ألبرتا.
فضلًا عن ذلك، فإن العوامل التي قد تعمل على تقّلب السوق النفطية تبدو كثيرة حاليًا، بما في ذلك الكيفية التي سيؤثر فيها عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده ليبيا والعراق وفنزويلا ونيجيريا على كبح إنتاج النفط في تلك الدول.
مع اقتراب انهيار أسعار النفط، التي ساعد النعيمي على هندستها، من عامها الثالث، انخفض إنتاج النفط في الولايات المتحدة وحدها من حوالي 9.7 مليون برميل يوميًا إلى 8.8 مليون برميل، كما أعلنت عشرات الشركات الأميركية إفلاسها، وألقت التخفيضات في ميزانيات التنقيب والإنتاج حوالي 120,000 عاملًا في هذا المجال ضمن سوق العاطلين عن العمل.
حاول النعيمي مسبقًا جسر الفجوات ما بين أعضاء منظمة أوبك، من خلال قمة انعقدت في قطر الشهر الماضي، مقترحًا تجميد الإنتاج عند مستوياته الحالية، ولكن تم إحباط تلك الجهود على يد الأمير محمد، الذي رفض الانصياع لقرار التجميد ما لم تلتزم به إيران على حد سواء، ولكن طهران، التي تعهدت بإنتاج عدة مئات آلاف أخرى من براميل النفط يوميًا بعد أن أُعفيت من العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي، لم تكن مستعدة للتعاون.
من المتوقع أن يصطف الفالح في صف الأمير محمد، حيث يقول المحللون بأن الوضع الحالي من غير المرجح أن يتغير في المستقبل القريب، طالما استمرت التوترات ما بين السعودية وإيران، لا سيّما حول الصراعات في سوريا واليمن.
بالمقابل، يشير المدراء التنفيذيون في شركات نفط الشرق الأوسط إلى احتمالية حصول تحوّل تدريجي في سياسات السعودية وأوبك في الوقت الحالي، وذلك بالتزامن مع هبوط الإنتاج النفطي في العديد من البلدان وثبات أسعار النفط نسبيًا في الأسابيع الأخيرة.
يتوقع المحللون بأن الفالح قد يدرك بأن انخفاض الأسعار لفترات طويلة قد يسبب انهيارًا في استثمارات التنقيب، الأمر الذي قد يفجّر زيادة جامحة ومفاجئة في أسعار النفط لا يمكن السيطرة عليها، ومثل هذه الزيادة لن تشكّل خطرًا على الاقتصاد العالمي فحسب، بل إنها ستتسبب أيضًا بابتدار موجة حفر وإنتاج جنونية جديدة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، مما قد يسفر في نهاية المطاف عن انخفاض آخر في الأسعار.
“من المرجح أن يدرك الفالح مخاطر استمرار هبوط أسعار النفط لفترة طويلة” قال بدر جعفر، رئيس شركة نفط الهلال الإماراتية، وأضاف: “لذا قد يعمل على تغيير السياسة لضمان الهبوط السلس على انتعاش الأسعار”.