ترجمة حفصة جودة
أخرج فوزي حمامة 4 فواتير كهرباء مستحقة الدفع من كيس بلاستيكي بيده؛ متسائلًا كيف سيتمكن من دفع ثمنهم، منذ فراره من سوريا إلى الأردن قبل 3 سنوات؛ يقول حمامة أنه باع ذهب زوجته والذي كان قد قدمه مهرًا لها، تعيش أسرته المكونة من 4 أفراد على مساعدات الوكالات الدولية، لكن المساعدات لا تغطي إيجار الشقة؛ بالكاد تكفي الفواتير، “ربما أطُرد من شقتي في أي وقت” يقول حمامة.
لقد أصبح الفقر وعدم الانتماء من حقائق الحياة منذ أن قامت قوات بشار الأسد بإطلاق الصواريخ على مسقط رأس السيد حمامة شمال سوريا في بداية الحرب، حيث قام بالتخلي عن منزله ووظيفته كمدرب قيادة؛ وفرّ مع أسرته، وفي الأردن؛ استقر أولًا في مخيم للاجئين، ثم قام أحد الأقرباء بانقاذه وانتقل إلى شقة في العاصمة عمان –كمعظم اللاجئين السوريين-
تعلّم السيد حمامة مؤخرا إصلاح الثلاجات ومكيفات الهواء؛ في دورة وفرتها لهم الحكومة البريطانية، وكل ما يحتاجه الآن هو الحصول على إذن السلطات الأردنية للعمل، “نحن السوريون لا نريد تعاطفًا أو مساعدات؛ نريد فقط نصريحًا للعمل” يقول السيد حمامة.
هذه الرغبة تجعله أحد المستفيدين من المبادرة التي يجري النظر إليها من قِبَل الاتحاد الأوروبي والأردن؛ والتي قد تؤدي إلى طرق جديد في التعامل مع اللاجئين في الدول المستضيفة فوق طاقتها، حيث كان “ميثاق الأردن” الذي تم الاتفاق عليه في لندن فبراير الماضي، يدرك أن تلك الدولة الصغيرة تتحمل عبئا فوق طاقتها بإستضافة اللاجئين، والدول الأخرى لديها موارد محدودة لمساعدتها، لذا فبدلا من تقديم المزيد من المساعدات، تم عرض مقايضة: سوف يسمح الاتحاد الأوروبي بدخول الكثير من البضائع الأردنية مثل المنسوجات إلى أسواقه، بينما تسمح الأردن لللاجئين بالعمل في بعض المناطق الاقتصادية الخاصة ” SEZs” أو في بعض الصناعات التي لا يعمل بها الكثير من الأردنيين.
ظهرت تلك المناطق SEZs بعد اتفاقية التصدير مع أمريكا عام 1990؛ وتقوم حاليا بتوظيف المهاجرين المؤقتين من بنجلاديش وسيريلانكا ودول أخرى جنوب آسيا، يعمل معظمهم في الحياكة بمصانع النسيج مثل؛ مجمع الضليل الصناعي قرب عمان؛ والذي يصنع الملابس للعلامات التجارية الأمريكية مثل: Under Armour و LL Bean ، حيث يجلسون أمام آلات الخياطة صفًا بعد صف؛ لمدة 10 ساعات يوميا –6 أيام بالأسبوع، وتتميز أغطية الرأس والثياب والشالات التي يصنعونها بتنوع ألوانها وحيويتها وخلفيتها الثقافية أكثر من أي شيء آخر.
يقول مدير أحد المصانع ” ” Needle Craftأنهم سيكونوا سعداء لتوظيف اللاجئين السوريين؛ مشيرا إلى أن بعضهم يأتي من مناطق قرب حلب تتميز بصناعة الملابس التي تعتمد على القطن المحلي، ويقول المصنع أنه سيوفر السكن والغذاء لللاجئين بالإضافة لأجورهم.
يقول مسؤولون أوروبيون أن السماح للسوريين بالعمل في تلك الأماكن؛ يمنحهم مهارات تساعدهم على إعادة بناء بلادهم التي مزقتها الحرب؛ عندما ينتهي الصراع، ويمكنها أيضا أن تساعد الاقتصاد الأردني الذي يعاني منذ بدء الحرب في سوريا؛ تماما كالدول المجاورة التي تعتبر ملاذًا لللاجئين مثل لبنان، ويأمل أنصار تلك المبادرة أن يتمكن الأردنيون أيصا من العثور على وظائف جديدة ل”ذوي الياقات البيضاء” في تلك المناطق الاقتصادية الخاصة.
دوافع أوروبا في ذلك ليست من باب الإيثار تماما؛ فلديها أمل في أن تشجيع العمالة في الأردن سوف يقلل من هجرة اللاجئين للدول الغنية، “منح الأمل لللاجئين حيث هم الآن هو أفضل ضمان بأنهم لن يقامروا بكل شيء بما في ذلك حياتهم؛ للقدوم إلى أوروبا” تقول جوستين جريننج؛ وزير التنمية الدولية البريطانية.
ومع ذلك؛ ما زال هناك عثرات، فالمسؤولون الأوروبيون سيخففون القواعد المرتبطة بواردات الأردن إليهم، لكنهم قلقون من أن دولًا مثل الصين قد تنتهز تلك الفرصة لإرسال منسوجاتها خفية إلى أوروبا، ويأمل المسؤولون الأردنيون أن تكون تلك المبادرة بداية طريق جديد للتعامل مع مشكلة اللاجئين التي أرهقت بلادهم لفترة طويلة، يصف الملك عبدالله الأردن ببراعة قائلا أنها عالقة دومًا بين “مطرقة العراق والسندان”، قديما كانت إسرائيل هي السندان، فبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 48؛ استقر العديد من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، أما الآن فالسندان هي سوريا، حيث يعيش حوالي 1.4 مليون سوري في الأردن الآن؛ مقابل 6.6 مليون أردني.
يشير معهد وانا الأردني للأبحاث ” Wana” إلى أن هناك خللًا خطيرًا في طريقة التعامل التقليدية مع اللاجئين ، فالدول المضيفة بما في ذلك الفقيرة منها مثل الأردن؛ مطلوب منها بموجب القانون الدولي عدم طرد اللاجئين الذين يواجهون تهديدًا حقيقيًا بالاضطهاد في بلادهم، ومع ذلك؛ فالدول الغنية ليست مضطرة لتقديم دعمًا ماليًا، فعلى مدى عقود لم تقم المملكة الأردنية بشيء سوى حمل وعاء التسول للحصول على المساعدات الدولية، الأمر الذي شوه اقتصادها وجعلها معتمدة على المساعدات.
كدولهم المضيفة يعتمد اللاجئون أيضًا على المعونات، فمنذ ما يقرب من 70 عامًا بعد حرب 48؛ ما زال العديد من الفلسطينين وأحفادهم يعتمدون على معونات الأمم المتحدة، يقول مسؤولون بريطانيون أنه من المرجح أنه يعيش اللاجئون السوريون من 5 إلى 10 سنوات في الأردن، ومنحهم وظائف هو أمر غاية في الحساسية بالنسبة لبلد مثل الأردن ترتفع نسبة البطالة بها إلى 14% (والضعف بالنسبة للنساء)، وهذا الأمر يقدم انطباعا بأن اللاجئين يشكلون عبئًا اقتصاديا على البلد المضيف، حيث يقول أحد رجال الأعمال المحليين؛ والذي يؤيد منح وظائف لللاجئين “لدينا نكتة في هذا الموضوع؛ المصري ينظف والسوري يبيع والعراقي يشتري والأردني يراقبهم”
ولتهدئة تلك المخاوف؛ تأمل الأردن في جذب الاستثمارات الأجنبية للاستفادة من قدرتها على الوصول للأسواق الأوروبية، فشركات مثل ” Asda” البريطانية التابعة ل ” Walmart” (متاجر أمريكية للبيع بالتجزئة)، و ” IKEA” (متاجر سويدية لبيع الأثاث)؛ قد جاءت إلى الأردن لمشاهدة الوضع عن كثب.
يقول مسؤول أوروبي بارز أن هنا استعجالًا حقيقيا لإنهاء تلك المفاوضات في غضون الأشهر القليلة المقبلة؛ حتى يبدأ العمل في المشروع على قدمٍ وساق، وإذا نجح الأمر؛ فمن المرجح أن تحصل لبنان على دعمٍ مماثل لتوفير فرص عمل لللاجئين في مزارعها ومصانعها، ويبدو السيد حمامة متفائلًا بشكل مثير للدهشة رغم المصاعب التي يواجهها؛ حيث يقول: “إذا تمكنت من الحصول على وظيفة لائقة وأجر لائق؛ لن اضطر للذهاب إلى بلدٍ آخر”.
المصدر: الإيكونومست