يبدو أن بكين استوعبت الدرس أخيرا، ووضعت يدها ما يقوض التباطؤ الاقتصادي سريعا، وبدأت تستخدم السلاح الأمريكي الذي تخرج به واشنطن سليمة من أي مشكلة اقتصادية، بل وتحارب من تريد بهذا السلاح الفتاك، هذا السلاح الذي يسمى بالتوقعات، بالطبع الصين ليست محترفة في استخدام هذا السلاح كناظرتها أمريكا ولكنها بدأت تسير بخطى ثابتة نحو الاحتراف.
كتبت مؤخرا مقالين عن الصين، الأول كان يحمل عنوان “هل العيب في الصين؟” والثاني كان بعنوان “هل هي صحوة صينية؟“، كنت مستغربا في المقال الأول كثير من فيروسا “تباطؤ اقتصاد الصين” الذي ينشره الخبراء والمحللون صباح مساء، لكن وفي ظل قفزة في البيانات الصينية في الآونة الأخيرة والتي تحدثت عنها في المقال الثاني اختلف التوجه كثيرا فالحديث أصبح عن طفرة وعودة قوية للتنين الصيني وهذا كله بلسان نفس المحللين.
بحسب تقرير لـ “وول ستريت جورنال” فإن الصين تعكف حاليا على مجموعة من الضوابط تستهدف خبراء الاقتصاد والمحللين والصحفيين الاقتصاديين ممن يتبنون وجهات نظر قاتمة حيال اقتصاد البلاد، حيث أصدرت هيئة تنظيم الأوراق المالية، وهيئة الرقابة على وسائل الإعلام ومسؤولين حكوميين آخرين تحذيرات شفهية للمعلقين الذين تعتبر تعليقاتهم حول حالة الاقتصاد خارج الإطار العام الذي حددته الحكومة وتراها متناقضة تماما مع التصريحات والبيانات المتفائلة التي تصدرها الحكومة.
توجه الصين جاء مختلف بعض الشيء عن التوجه الأمريكي المحترف الذي يعتمد على توقعات المؤسسات المالية الكبرى التي يمتلكها الأمريكان، ومجموعة الخبراء محترفي التوقعات كذلك، لكن بالنسبة للصين يمثل هذا التوجه الجديد محاولة لتهدئة المخاوف المتزايدة بشأن الآفاق الاقتصادية، في مساعي لدحر ركود طويل في النمو الصيني.
ففي السابق كانت الصين تستهدف المعارضين السياسيين، في الوقت الذي لم تتعرض فيه للمعلقين على الاقتصاد، لكن الوضع أختلف الآن فبكين تريد تجنيد الاقتصاديين لدفع عجلة النمو والقضاء على شكوك المستثمرين بشأن قدرة الحكومة على اجتياز التباطؤ.
وول ستريت جورنال ضربت مثالا على التوجه الصيني الجديد، حيث ذكرت الصحيفة أن لين كاي يي، كبيرة الاقتصاديين في شركة “جونان للأوراق المالية” قد تلقت تحذيرات في الأسابيع الأخيرة من هيئة تنظيم الأوراق المالية وطلبت منها تجنب الإدلاء بأية تعليقات حول تباطؤ الاقتصاد، وعلى الأخص ضعف العملة.
هدف الحملة الصينية هو السيطرة على المخاطر التي من شأنها تقييد المعلومات حول أداء ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي الحد من مخاوف المستثمرين الذين يشكون بالفعل في مصداقية الإحصاءات والبيانات الرسمية.
على أي حال، دخلت الصين في هذا المحور لتتبع أمريكا ذات الباع الطويل في هذا الأمر، ليصبح أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر اقتصاد في طريق السيطرة على التوقعات واللعب بالأسواق العالمية بتوقعات في الغالب يكون مشكوك في أصلها، وهذا الأمر في غاية الخطورة والاستمرار فيه وتصديره للدول كارثة قد تعصف بالاقتصاد العالمي بسهولة.
في المقابل لا بد أن نعترف أن الاقتصاد الصيني مريض ويحتاج إلى محاولات عالمية جادة لإنعاشه وذلك لمصلحة العالم وليس لمصلحة الصين وحدها، ونفس الأمر بالنسبة لأمريكا، لكن التوقعات والبيانات المشبوهة تعقد الأمر وتدفعنا نحو الهاوية، فكل المعطيات الظاهرة على سطح الاقتصاد لا تبشر بالخير.
وفي الحقيقة أن أرى أن الضعف الاقتصادي، والذعر المالي، والاستجابة السياسية لهاتين المشكلتين بشكل غريب يجب أن يتوقف، وأدعو أيضا إلى وقف التوقعات السيئة الموجهة والمبنية على بيانات غير واقعية قد يكون مقصود منها الهدم وليس البناء، كما أرى أن تلك التوقعات تشكل النسبة الأكبر من الكارثة المرتقبة.