“الحب الحقيقي هو الحب اللي كل الناس بتتعب فيه كل يوم وكل ثانيه عشان يعرفوا يوصلوا لنقطة تخلي الحياة شبه حلوة، لأن ببساطه شديدة الحياة عمرها ما بتبقى حلوة، بس بتبقى أحلى مع حد مقدر وجودك ف الدنيا…”
محمد صادق – هيبتا
رواية هيبتا، هي الرواية الأكثر مبيعًا في مصر، وهي الرواية الثالثة للكاتب الشاب محمد صادق، بعد روايتين لم يحققا نجاحًا يُذكر، كما أنها تحولّت إلى فيلم سينمائي مؤخرًا يُعرض حاليًا بدور العرض المصرية، وحقق أكثر من عشرة ملايين جنيه أرباحًا للفيلم في أول أيام عرضه، على الرغم من عدم كونه موسمًا للإجازات أو موسمًا سينمائيًا في دور العرض، فما الذي جعل هيبتا تتحول من مجرد رواية إلى فيلم أذهل المشاهدين ومن ثم إلى ظاهرة يجب تناولها بشكل نقدي وتحليلي؟
أولًا هيبتا، هو رقم سبعة في اللغة الإغريقية، ولأن رقم سبعة هو الرقم المُستخدم في الأديان والفلسفة للتعبير عن الكمال، فاستخدمه الكاتب كذلك للتعبير عن مراحل الحب المُكتمل، وبغض النظر عن دقة استخدام مصطلح الحب المُكتمل، أو في صحة وجود تسمية الحب المكتمل على أي شكل من أشكال الحب الموجودة حاليًا، إلا أن الكاتب اتبع نظرية الحب المكتمل في روايته، وعبر عن مراحل الحب السبع في نظره من خلال أربع قصص حب مختلفة سردها بشكل متوازٍ محبوك بنوع من الغموض، ليربطهم في نهاية الرواية بشكل وصفه العديد من القراء بأنه مربك وأفقد الرواية ترابطا قليلًا، حيث عرض التفاصيل بشكل متوازٍ وغير مترابط يصلح في الأفلام السينمائية أكثر منه في الروايات الأدبية.
ثانيًا، نجحت الرواية كما نجح الفيلم في عرض الفكرة الرومانسية سواء بشكلها الأدبي أو بشكلها السينمائي، في النهاية الكاتب أراد عرض فكرة الحب، إلا أنه رغم رسمه لشخصية المُحاضِر الذي يعقد محاضرة عن الحب في إحدى الجامعات بشخصية الواعظ الحكيم، من يعرف خبايا الحب وألعايبه، ويحاول فك شفراته وسد ثغراته، لكن إذا تناولنا نص الرواية بشكل موضوعي وحللنا تفاصيلها كذلك، سنجد أن الفكرة التي عرضها الكاتب عن الحب لم تكن إلا من وجهة نظر مراهقة لا أكثر، وهو ليس أمرًا يحكم على الرواية بالفشل، لكنه ينقد الرواية التي تحوّلت إلى ظاهرة بين شريحة الشباب في المجتمع المصري، استغل فيها الكاتب الوعي الهش لدى تلك الشريحة من الجمهور، وقدّم لهم أربع قصص من الرومانسية التي يتوقون إليها، والمغامرات التي يتمنون أن يعيشوها.
ثالثًا، شكّل البؤس الاجتماعي عاملًا أسياسيًا في نجاح شعبية كل من الرواية والفيلم، فالشباب يتجهون إلى كل ما يحمل مسحة عاطفية، أو إلى كل ما يشابه قصص غيرهم في الحب، إما ليسيروا على منهاجها متخيلين أن ذلك هو فعلاً الحب المُكتمل كما يدّعي الكاتب، أو لأنهم يتمنون أن يعيشوا قصصًا تشبه تلك المعروضة أمامهم، الشعب المصري قائم على خصوصية كل شيء وأي شيء.
الرومانسية في الروايات والأفلام شيء ليس بمستحدث على الفن المصري، ولكن الحب أو الرومانسية الخارقة للنظام والقائمة على الثورة والتمرد هو ما يمكن وصفه بالمستحدث، وهذا يظهر بوضوح في اختيار الكاتب للشخصيات، النماذج التي وقع عليها الاختيار لا تعبر أبدًا عن المجتمع المصري، وهذا لا ينفي وجودها، بل يجعل الكاتب في موضع حرج عندما يقع اختياره على تلك النماذج مسلطًا الضوء عليها في أنها “الحب المكتمل” وما عداها يقع تحت وصف الحب الروتيني الممل.
“الحب اللى بجد هو اللي الدنيا عمالة تهيئك ليه من ساعة ما اتولدت، بكل حاجة وحشة وكل حاجة حلوة، بعلاقات بايظة وجراح ماتتنسيش، الحب بيبدأ بجد لما القلب يسأل سؤال صغير كده قوي بيفرق في كل حاجة، لما بيسأل هو أنا مش هرتاح بقى، الحب أصله استعداد نفسي، عشان كدة مرحلة البداية أهم مرحلة بكل اللخبطة اللى فيها لأنها هي اللي بيجي فيها لحظة معينة بنقدر نستسلم لأننا ممكن نتوجع تاني”
محمد صادق – هيبتا
خامسًا، اعتمد الكاتب على اللهجة العامية في كتابة النص، وهو الأسلوب الذي يعمد إليه الكتاب الشباب في تكوين الرواية المعاصرة الآن، وهو أسلوب ليس بمستحدث كذلك، فنجيب محفوظ كان من هواة إدماج العامية بين النص الفصيح، إلا أن هيبتا وما يماثلها من أشكال الرواية المعاصرة، تعتمد بشكل جذري على العامية كلغة للكتابة، وهي أحد أسباب انجذاب العديد من الشباب إلى ذلك النوع من الروايات، لا ينجذب الشباب المعاصر إلى الروايات المكتوبة باللغة العربية الفصحى المعقدة أو غير السلسة أو التي تحتوي على مصطلحات لا يفهمها العامة، خاصة أن مواضيعها كذلك قد لا تهم تلك الشريحة التي انجذبت إلى رواية هيبتا بجنون، لذا ترى أن الجميع يمدح في هيبتا بأنها سلسة يمكنك إنهاء قراءتها في ساعة، نعم يمكنك إنهاء قراءتها في ساعة لأنها رواية لا تعتبر كبيرة، ليست ذات محتوى صعب، وباللهجة العامية، فلم لا؟
على الرغم من أن استخدام اللهجة العامية في كتابة النص يمكنه أن يقنع جمهورًا كاملاً بأنه أصبح من الفئة المثقفة والتي يمكن وصفها بالقارئة، إلا أنه يبعد كل البُعد عن الحقيقة، محتوى هيبتا هو عبارة عن فكرة مستهلكة وليست جديدة بالمرة، معتمدة على الخيال ليس إلا باستخدام مواقف غرق الجمهور في حبها وتقديسها بأنها الحب بذاته، وهي في الأصل مواقف مُتخيلة من الكاتب فرطت في تدوين المواعظ الوجدانية ليس إلا.
استخدام العامية ليس سيئًا على الإطلاق، على الرغم من ظُلمه للغة الأصلية في الكتابة، إلا أنه استطاع وبجدارة جذب فئة من الجمهور غير القارئ ” أي غير المثقف” إلى نمط القراءة، على الرغم من سطحية النص وعدم ترابطه واستغلاله لوعي القارئ الهش، إلا أنه وسيلة يمكن إدراجها من الوسائل الناجحة لجذب جيل الهواتف الذكية إلى الكتب مرة أخرى.
من قال بأن للحب سبع مراحل، ومن قال بأن هناك ما يسمى بالحب المكتمل أو الحب الناقص، ومن قال إن نهاية الحب هي الجواز أو الموت، وهي النهاية الساذجة التي اختارها الكاتب، وكأن مكافأة الحب هي الموت، ليستطيع الكاتب إعطاء النهاية مشهدًا سوداويًا بعض الشيء يختلف في نظريته بأن الحب المكتمل فيه أمل على الرغم من الصعوبات، هيبتا ما هي إلا غطاء جميل المظهر لإحدى مظاهر البؤس الاجتماعي، وليست ظاهرة الرومانسية كما يصفها الجمهور، كما يمكن وصفها بأنها أدب المراهقين والذي اعتمد في نصه على محادثات مواقع التواصل الاجتماعي لا أكثر، لا يمكن اختزال شكل الرواية المعاصرة في هيبتا، ولا يمكن أبدًا اختزال تاريخ الأدب العربي الحديث في هذا النوع من محاداثات المراهقين التي تحوّلت إلى كتاب من أكثر الكتب مبيعًا بين الشباب العربي الآن.