“مؤامرة أكبر منا جميعًا وأفرادها كبار ذوي نفوذ واسع يحكمون العالم بالخفاء، أشخاص خفيون لا أحد يعلم بوجودهم هم خلاصة الواحد بالمئة الأفراد الذين يلعبون دور الله دون أن يطلب منهم أحد والآن أعتقد أنهم يلاحقونني”. هذا ما قاله إليوت الدرسن مبرمج أمن وحماية تقنية للمؤسسات الضخمة في إحدى الشركات في مسلسل “مستر روبوت”.
أحداث المسلسل تدور حول مهندس كمبيوتر وهاكر عمد إلى قرصنة أكبر شركة في العالم تقدم خدمات مالية وإئتمانية بشكل واسع للأفراد والمؤسسات وتتاجر بها، القرصنة أدت لمسح قاعدة البيانات الخاصة بمعلومات الأفراد الذين يدينون للشركة بالأموال، وأصبحت الشركة غير قادرة على معرفة أسماء الأشخاص والمؤسسات والمبالغ المالية المدينة بها للشركة.
أصبح الناس بلا ديون! وهذا ما سعى القرصان لفعله بسبب نقمته على طبقة الأغنياء الذين يتحكمون برقاب الشعوب من خلال إقراضهم الأموال وملاحقتهم بالديون وأخذ الفائدة عليها. تحقد هذه الفئة على طبقة الرأسماليين الكبار الذين يتحكمون برقاب البشر من خلال إقراضهم الأموال الرخيصة وتحميلها فوائد عالية على العملاء لرد أصل المبلغ (الدين) مع الفائدة المستحقة عليه. طبقة الرأسماليين تلك هي طبقة صغيرة جدًا من البشر قد لا تتجاوز 1% يتحكمون بسياسة الإقراض للحصول على فوائد فاحشة، وتهدف لجعل الأفراد يركضون وراء الاستهلاك.
بدون المال لا يمكن الإنتاج وفي هذا العصر لا يمكن الحصول على المال إلا من خلال المصارف والبنوك الذي تقرضه بفائدة معينة، والمعلوم أنه بدون المال لا يمكن بناء المصانع وإنتاج السلع والخدمات وتوظيف العمال والتخلص من البطالة والفقر. لذا فإن مستر روبوت يقف ضد تلك الطبقة ويحاربها لأنها السبب في إفقار البشر والتفاوت الكبير بين الطبقات في المجتمع.
من أين ينشأ الدين؟
لو كنت تود القيام بمشروع ما ولا تمتلك المال الكافي فإنك ستتوجه للبنك وتعرض عليه دراسة الجدوى للمشروع، وهو سيقدم لك القرض مقابل أن يسترده منك على شكل أقساط مضافًا إليه فائدة محددة يتم الاتفاق عليها، ستمول مشروعك وتبدأ بعملية الإنتاج ومن ثم تسدد الأقساط المترتبة عليك مضافًا إليها الفائدة المستحقة.
والحكومة أيضًا مثل الشركات فهي تتحمل نفقات لقاء إدارة مؤسسات ومشاريع وخدمات في المجتمع، وتحصل لقاءها على إيرادات فإذا فاقت النفقات الإيرادات فإنها ستضطر للاستدانة، وتدرج بند خدمة الدين العام في الموازنة في إشارة إلى الفوائد التي ستدفعها كل سنة مقابل القروض التي سحبتها لتغطية العجوزات المالية.
لذا فإن الاستدانة هي إحدى الطرق التي من خلالها يمكن للأفراد والمؤسسات والحكومات أن تجمع المال بغرض الإنفاق على الاستثمار أو التوسع في في النشاط التجاري أو شراء سلع وخدمات أو القيام بأمور أخرى.
فعصر الإنترنت والتقنية غير من شكل الاقتراض كثيرًا، حيث بات أيسر ويتم خلال ثواني معدودة، فاليوم بدلًا من حمل نقود في جيبك أصبح كافي أن تحمل بطاقة بلاستيكية من إحدى نوعين إما “كريديت كارد” أو “ديبت كارد” تدعمهما شركات مالية كبيرة على مستوى العالم هي “فيزا كارد” و”ماستر كارد” وهما شركتان تعملان في المجال المالي على نطاق عالمي من أجل تنفيذ العمليات الشرائية والسحوبات المالية.
الفرق بين debit و credit كارد
بطاقة debit card تعني أنه في حال كان رصيدك البنكي 0 لا يمكنك سحب الأموال من الصراف الآلي أو تنفيذ عمليات شرائية كالشراء من الانترنت أوالمراكز التجارية والمحلات، لذا لاستخدام هذه البطاقة يتوجب عليك التأكد من المبلغ المودع داخل الحساب قبل عملية شراء أو سحب فإن كانت العملية تحتاج أكثر من المبلغ المودع فإنها تُرفض.
بينما النوع الثاني وهوcredit card ليس ضروري أن تمتلك مال داخل حسابك البنكي أو أن تمتلك المبلغ المطلوب لعملية السحب والشراء، يعني إن كان رصيد 0 يمكنك تنفيذ العملية والسحب حيث ستسجل العملية كدين عليك ليتم اقتطاع المبلغ من رصيدك حال دخول الأموال إليه.
استخدام هذه البطاقات يتعلق بمسألة توفير الراحة لعميل البنك، والراحة، ممثلة في أن العميل سيدخل المتجر الذي يرغب في أي بلد كان في العالم ويدفع المبلغ الذي يريد والبنك مصدّر البطاقة وممثل العميل سيحول للمتجر المبلغ المطلوب مع اقتطاع فائدة يأخذها من العميل لقاء هذه العملية التي اختصرت عملية الاقتراض على العميل بثواني.
كيف تتم عملية الإقراض؟
قبل إعطاء قرض للعميل يُنظر إلى تاريخه الإئتماني للتأكد من ملاءته المالية وقدرته على الإيفاء بما سيقترض من أموال، وهناك مخاطرة إئتمانية يأخذها البنك بالحسبان وهي احتمال عدم القدرة على سداد القرض، فهناك قرض مضمون وقرض آخر غير مضمون. فالمضمون يصاحبه ضمان يقدمه المقترض للبنك للحصول على القرض كالأرض التي ستقام عليها المشروع أو بيت أو سيارة، وفي حال تعثر المقترض عن السداد فإن البنك سيضع يده على الضمان.
إذا تم استخدام القرض للتوسع في النشاط التجاري في إحدى الشركات فإن الشركة ستستخدم الأموال المقترضة في شراء المواد الخام ومعدات وخدمات أيدي عاملة وإنشاء المصنع وبدء التشغيل وزيادة الإنتاج الصناعي، عندئذ سترتفع إيرادات الشركة وتصبح من خلال زيادة الإيرادات تقوم بسداد مستحقات القرض في الأوقات المحددة.
وهناك من القروض ما هي استهلاكية أكثر من كونها إنتاجية إذ يعمد الكثير من الأشخاص على الإقتراض من أجل القيام برحلة سياحية أو شراء منزل فاره أو إنفاق الملبغ على الملذات وغيرها، ويجد نفسه بعد أول استحقاق أنه تعثر ولم يعد قادر على سداد القرض فيقوم البنك بالاستحواذ على ما بقي له من أموال في حسابه واستخدام القضاء لتحصيل باقي الأموال فإن استجاب العميل ورد المبلغ فإن الدعوة تسقط، وإلا فإن العميل يُزج به في السجن.
الأزمة المالية العالمية
ما حصل في الأزمة المالية العالمية عام 2008 هو محاكاة لحالة القروض الغير مضمونة السداد، إذ عمدت البنوك والمصارف على التوسع في الإقراض بشكل كبير مقابل أخذ ضمان كرهن عقاري، إلا أن أولئك الأشخاص لم يكونوا مؤهلين بشكل كافي لسداد القروض، وقامت البنوك بتعديل قوائمها للأشخاص والمؤسسات التي تقترض الأموال، ففي ما مضى كان هناك معايير صارمة على الإقراض وعلى الأشخاص المقترضين ومدى قدرتهم على رد القرض.
ما حصل أن البنك تهاون كثيرًا في إقراض من لا يستطيع السداد، ومع كل شخص يتعثر يحجز البنك على البيت أو السيارة أو الأثاث ظانًا أنه من خلال بيعها بأسعار السوق سيسد أصل القرض، إلا أنه تكوّن لدى البنوك آلاف البيوت المحجور عليها فانخفضت أسعار المنازل بشكل مفاجئ بسبب كثرة العرض وقلة الطلب، ما أدى إلى خسائر كبيرة تكبدتها البنوك بسبب عدم القدرة على البيع، فخسر الشخص بيته وخسر البنك ماله الذي اقترضه هو الآخر من بنوك ومؤسسات مالية أخرى ولم يعد قادر على السداد أيضًا. كما أن الديون تقوم الأسواق المالية بشراءها وبيعها على شكل سندات مالية وقد حصل أن الدين بيع أكثر من 300 مرة.
واجهت الأسواق المالية خسائر حادة ناجمة عن أزمة القروض بعد إفلاس عدة بنوك وانخفاض الأسهم والسندات وارتفاع العرض وقلة الطلب وارتفاع البطالة بسبب تسريح العمال من الشركات والمصارف، فاتبعت الحكومة سياسات مالية لإنقاذ الوضع المالي والخروج من الأزمة المالية من خلال شراء القروض المتعثرة لدى البنوك وإعادة إقراضها المال من جديد لتقف على قدميها وتستمر دورة الاقتصاد في التشغيل العام.
هناك شركات خاصة لتقييم الشركات والدول لتحديد درجة الإئتمان حسب درجات وتسميات معينة تقيس بها مدى كفاءة الوحدة المقترضة في إعادة أصل القرض والفادة المترتبة عليه، تسمى وكالات التصنيف الإئتماني، وتحرص الدول والشركات الكبيرة ألا تنزل درجة إئتمانها كثيرًا للمحافظة على صيتها كوحدة تقوم برد القرض الذي أقترضته. ومن أبرز تلك الشركات “ستاندرد آن بورز” و”فيتش” و”موديز”. وتستعمل وكالات التصنيف رموزًا لوصف الجدارة الائتمانية تبدأ من AAA كأعلى تصنيف ائتماني نزولًا للتصنيفات الأقل جدارة عبر الحروف AA و A و BBB كما في الشكل أدناه:
ماذا سيحدث لو شطبت الديون؟
لا تشعر بالدهشة إذا كنت قد أخذت كل احتياطاتك الأمنية بشأن أموالك وقمت بوضعها في البنك، وبدون سابق إنذار تراها أمامك على الإنترنت المفتوح على العالم، كما حصل في تسريبات بنك قطر الوطني قبل أسبوعين حين تفاجأ العملاء بانتشار بياناتهم السرية على الانترنت، حجم البيانات المسربة كان 1.2 جيجابايت تتضمن بيانات مصرفية تخص العملاء.ماذا لو تم شطب ديونك؟
حصل هذا أيضًا حين أعلن قراصنة في السادس من مايو/ أيار الجاري اختراق بيانات حجمها 10 جيجا بايت من بنك الإمارات الإستثماري تتضمن بيانات مصرفية وشخصية حساسة تخص عشرات الألاف من عملاء البنك.
انتشرت البيانات المسربة على شكل ملفات بي دي أف وإكسل وحوت إحدى الملفات المسربة أرقام 20 ألف بطاقة مصرفية وحوالي 3300 كشف لحسابات مصرفية، وبحسب مصادر أشارت أن الاختراق أدى إلى تسريب حوالي 100 ألف بطاقة إئتمان من نوع فيزا كارد وماستر كارد.
وللإجابة عن سؤال ما ذا سيحدث لو شطبت ديونك! بالنسبة للبنك فإنه لن يكون قادر بالفعل على ملاحقتك ومطالبتك بالأموال التي تدين له بها، أما أنت فستستمر بحياتك وكأن شيئًا لم يكن.
ولكن ماذا لو حدث وشُطبت ديون الحكومات العالمية! البالغة قرابة 49 ترليون دولار بحسب تقارير لوكالات التصنيف الإئتماني في العام الجاري 2016، لا يمكن تخيل ما قد يحدث سوى ثورة مالية جديدة قد تحصل على مستوى الاقتصاد العالمي.
الحكومات تخلق العجز المالي وتموله بالدين من أجل أن تبقى فتلك الديون هي من تمول الحكومات في إنتاج السلع والخدمات ودعم برامج الدعم الاجتماعي للطبقات الفقيرة وخلق فرص العمل للعمال والموظفين المسؤولة عنهم في القطاع العام، وتوقف صناعات كبيرة دوائية وفضائية وأشياء مثيلة أخرى بسبب قلة التمويل، وتوقف خوض الحروب والإنفاق العسكري.
عدم وجود كل هذا، يعني إيجاد طرائق جديدة لتمويل الحكومات، ربما العودة لنظام الذهب الذي كان قائما قبل الحرب العالمية الأولى وربما سيشهد العالم انهيار عملات قوية وبروز عملات أخرى على الساحة الاقتصادية، وصعود دول وهبوط أخرى، وربما يشهد الاقتصاد العالمي تصحيحًا للنظام الرأسمالي وفرصة للنظام الاشتراكي ليحل مكانه أو يتشكل نظام اقتصادي آخر يوجد حلول خلاقة لهذه الأزمة.
ما سيحصل على مستوى الاقتصاد العالمي لا يدعو للقلق، بل هي حركة تصحيحية لتمادي الهندسة المالية الرأسمالية في اختراع أشياء جديدة للتربح وتوظيفها في الأسواق المالية، هي بالأساس لا تعبر عن اقتصاد حقيقي بقدر ما تعبر عن اقتصاد رقمي تحركه الأهواء والمصالح.