في التاسع من مايو لكل عام تبدأ أفواج الجيش الروسي في التدفق على الميدان الأحمر أمام الكريملين؛ تحتفل روسيا كلها بذكرى النصر السوفيتي في الحرب العالمية الثانية التي تعرفها روسيا بـ “الحرب الوطنية العظمى”، يخلد الاحتفال العملاق ذكرى إجبار قائد الجيوش الألمانية على توقيع وثيقة الاستسلام في ضواحي برلين في آخر ساعات الثامن من مايو لعام 1945؛ الساعات التي كانت أول ساعات التاسع من مايو في موسكو بسبب فارق التوقيت.
طالما كان الاحتفال مساحة لإظهار الاتحاد السوفييتي لقوته العسكرية وعضلاته منذ بدأ عقده بشكل سنوي عام 1965أمام سكرتير الحزب الشيوعي ليونيد برينجينيف، في ذاك الاحتفال تم حمل علم النصر على طول الميدان الأحمر بأيدي ذات الجنود الذين رفعوه على قمة مبنى الرايخستاج في برلين عام 1945.
بالأمس، اجتمع أكثر من 10 آلاف جندي روسي من كافة الفرق والأسلحة المختلفة في الميدان الأحمر، تستطيع أن تشعر بارتجاج الميدان الذي غمرته أشعة الشمس الدافئة في ظاهرة غريبة على موسكو مع كل هتاف وصرخة قتال، فوق كل هذا؛ وقف بوتين أعلى ضريح فلاديمير لينين في زهاء وفخر ليسا بالغريبين عليه؛ فبوتين الذي طالما تفاخر بالقوة العسكرية الروسية والذي يتحدث كثيرًا عن إستعادة الإرث السوفييتي كانت المقاتلات وقاذفات القنابل تحوم فوق رأسه؛ بينما كانت الصواريخ البالستية الحاملة للرؤوس النووية الحقيقية تمشي تحت قدميه.
تحدث بوتين طويلًا عن الحضارة والعظمة وعن أعداءها من الإرهابيين، وعلى العكس من كل عام؛ لم يلقي الرئيس الروسي أي تلميحات عدائية ضد الدول الغربية أو الولايات المتحدة، بل دعى إلى ما سماه “التعاون لإنشاء نظام حديث للأمن الدولي خارج إطار أي تحالفات سابقة”
وكالعادة في كل عام؛ سار أكثر من 600 ألف مواطن روسي كل منهم يحمل صورة لأحد أقرباءه الذين شاركوا في الحرب في المسيرة التي تعرف بـ “زحف عمود الخالدين”، وفي بلد فقدت أكثر من 27 مليون مواطن في هذه الحرب؛ يندر أن تخلو أي أسرة من هؤلاء. إلا أن الإختلاف هذا العام كان سيطرة الدولة على تنظيم وتحريك المسيرة مؤكدة على إثارة مشاعر ونزعات قومية يشتهر بها نظام بوتين أكثر من غيره.
بوتين يحمل صورة والده الذي شارك في الحرب العظمى كبحار
ميخائيل غورباتشوف؛ آخر قادة الاتحاد السوفيتي يحضر الاحتفال
وبالرغم من سيطرة السلطات على الاحتفالات وتوجيهها بشكل واضح لدعم المشاعر القومية والوطنية لترسيخ بعض سياساتها، لم يظهر الكثير من مئات الآلاف التي حضرت الاحتفالات والمسيرة أي اهتمام حقيقي بالسياسة، وقد يكون هذا أكبر دليل على نجاح الدور الدعائي لبروباجاندا الاحتفال، فبالطبع لن يتحدث الناس عن الممارسات العسكرية أو السياسية لنظام بوتين طالما بقيت الدولة الروسية على هذا القدر من القوة التي تحاول تصديرها.
إلا أن الصورة التي يحاول الاحتفال تصديرها تنسى أو ربما تتناسى تمامًا الواقع الحقيقي لقطاعات كبيرة من المجتمع الروسي الذي يتغذى الفقر عليه، أو على الظروف المهينة التي يعيش فيها المحاربين القدامى ممن شاركوا في الحرب العظمى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.