أثار مشروع قانون يقرّ المساواة في الإرث بين الذكور والإناث تقدم به النائب المستقل في البرلمان التونسي، المهدي بن غربية جدالاً كبيرا في تونس.
وأعلن النائب في البرلمان مهدي بن غربية، أمس الاثنين 9 مايو، تقديم مقترح مشروع أمام البرلمان التونسي لتعديل قانون الإرث يهدف إلى المساواة في الميراث بين الرجل والأنثى بعد حصوله على العدد المناسب من التوقيعات من زملائه النواب لعرضه أمام جلسة عامة.
وحملت المبادرة اسم “مقترح قانون أساسي متعلق بتحديد نظام المنابات في الميراث”، وتقترح تقسيم الإرث بالتساوي بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات، أي في حالة غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة.
وأوضح بن غربية خلال مؤتمر صحفي أمس أن “غاية القانون هو أن نسمح للمواطنين أن يختاروا“. وقال ، إنه حال اعتماد القانون الجديد يبقى للورثة حق الموافقة على تقسيم الممتلكات الموروثة بموجب القانون الحالي، أي للرجل ضعف ما للمرأة، ولكن في حالة الخلاف بينهم يمكن اللجوء إلى القضاء الذي سيحكم بموجب القانون الجديد، ويصبح من حق الشقيقة أن تطالب بالحصول على نفس حصة شقيقها من الميراث مثلا، فعلى الدولة أن تحكم على أساس المساواة.
واعتبر بن غربية إن مبادرته لا تهدف إلى فرض قانونٍ إجباري، ولكنه يهدف إلى تمكين التونسيين من الاختيار، والعدالة بين الإخوة والورثة وأصحاب الحقوق إذا كانوا موافقين. مؤكدا أن المبادرة لا تفرض على الدولة التونسية إجبار المواطنين على اعتماد المساواة في الميراث، وإنما تترك الاختيار للأفراد، ومشددا على أن المبادرة لا تخالف الشريعة الإسلامية.
ويقول الفصل الأول من مشروع القانون أنه “عند غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة، تقسم التركة باعتماد التساوي في المنابات بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات العائلية“.
وفي تعليقه عل مشروع هذا القانون قال مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ إن “الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقا، القرآن صريح في ذلك. هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره. كما 1+1 يساوي 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6“. ودعا بطيخ النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية بالبلاد بعيدا عن إثارة إشكاليات هامشية “نحن في غنى عنها”، بحسب قوله.
وفي حال تمت المُصادقة على مشروع القانون، وهو أمر مستبعد، ستلجأ تونس الى تعديل بعض النصوص القانونية التي يُعتمد عليها الآن، وخاصة مجلة الأحوال الشخصية، حتى تتلاءم مع هذه المُقاربة الجديدة المتعلقة بتقسيم الإرث بين الورثة.
من جانبه اتهم الأمين العام لحزب “آفاق تونس” (ليبرالي)، فوزي عبد الرحمن، في تصريح اذاعي”، النائب مهدي بن غربية بالعمل على تفرقة المجتمع وإثارة الانقسام بسبب هذا المشروع. ورأى عبد الرحمن أن طرح القضية في هذه الفترة بالذات هدفها التغطية على المشكلات الحقيقية داخل المجتمع التونسي، وقال إن هذه الدعوة “حق أريد بها باطل”، بحسب تعبيره.
و تُنظم مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت سنة 1956 في تونس مسألة الميراث. وقد سبق لجمعية النساء الديمقراطيات التونسية، بالتعاون مع جمعيات أخرى، أن وجهت عريضة بتعديل قانون الميراث باعتبار أن “المرأة التونسية شريك فاعل ومباشر في مداخيل الأسرة وكل المسؤوليات الأخرى“.
وسارعت كتلة «الحرة» (التابعة لحركة مشروع تونس) لإصدار بيان نفت فيه ما ذكره بعض وسائل الإعلام حول انضمامها لمبادرة بن غربية، مشيرة إلى أن «المبادرة المشار إليها لم تعرض عليها من طرف أصحابها لم تتداول فيها ولم تتخذ فيها أي قرار». وأشارت إلى أن «الإمضاء على نص المبادرة من طرف بعض أعضاء الكتلة يعبّر عن المواقف الشخصية للزملاء المذكورين التي نحترمها لكنها لا تلزم الكتلة ولا تعبر عن موقفها من المبادرة في هذا التوقيت بالذات».
بدوره أكد النائب عن الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) منجي الرحوي في تصريح اعلامي أن نواب الجبهة الموقّعين على مشروع القانون سحبوا توقيعاتهم، موضحا أن هذه المبادرة مرتبطة بأجندة مشبوهة تريد العودة بتونس إلى المربع الأول وإثارة نقاشات غير مجدية حول الهوية والشريعة
وعبّر رئيس الكتلة البرلمانية نور الدين البحيري عن استغرابه من طرح مبادرة تشريعية تتعلق بالمساواة في الميراث، مشيراً إلى أن «الحرام والحلال واضح ونواب حركة النهضة لا يقبلون تحليل الحرام أو تحريم الحلال».
وحذر في تصريحات صحافية من أن تكون مثل هذه المبادرات «سبباً في إثارة الفتن والمشاكل وزعزعة ثقة الناس في النخبة السياسية وفي مجلس نواب الشعب»، مضيفاً: «ما يتم طرحه في المجلس من مبادرات يجب أن لا يكون بهدف تلبية شهوات خاصة أو تحقيق أهداف ذاتية خاصة، ان أولويات الشعب التونسي واضحة».
واعتبر نشطاء أن مثل هذه المبادرات تخلق حالة من الارتباك داخل المجتمع التونسي، وأنه من غير الصواب مناقشة مثل هذه المواضيع الآن. مؤكدين ضرورة التخلي عنها وعدم اعطائها اهتماما أكثر. والتركيز على قانون المصالحة الوطنية بدلاً من الخوض في مثل هذه النقاشات في الوقت الراهن.
من جانب أخر ترى الجمعيات النسوية في تونس ، أن مثل هذه المبادرات فريدة من نوعها لانها تتعلق بالحقوق الإنسانية للنساء، وتندرج في صلب تفعيل الفصل 21 من الدستور. و ينص الفصل الـ21 من الدستور التونسي على أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.