ترجمة وتحرير نون بوست
كتب ماثيو بيرد و زوي كروبكا
أحد أشهر النصائح الموجهة للآباء الجدد هي “التعلم بالممارسة”، فإذا فكرت كثيرًا؛ فأنت تخاطر بتقويض العلاقة بين الأب والطفل من خلال الإسقاطات الأيدولوجية والنفسية أو باقي أنواع الفوضى الدماغية.
إنها ليست نصيحة مريعة، لكنها تقوم على افتراض أساسي بأن: الآباء ينخرطون في دورهم تمامًا كما يرى علماء النفس السلوكي أطفالهم؛ باعتبارهم لوحة فارغة، لكن الآباء ليسوا كذلك (ولا الأطفال أيضًا)، فهم يرثون أفكار وأساليب وفلسفات الأبوة جيدًا قبل البدء في مهمة تدريب الأطفال.
ربما يكون الأمر صحيحًا بالنسبة للرجال، وبالرغم من أن هناك تحسنًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، ما زال هناك بعض النساء بحاجة للتشجيع على الحياة المنزلية والتفكير في مستقبلهن كأمهات (سواءًا كنّ يرغبن ذلك أم لا)، ومن ناحية أخرى، فنادرًا ما يُطالب الرجال بتخيل الجوانب المنزلية لمستقبلهم، وهذا يعني أن تدريب الرجال الأساسي للأبوة؛ يأتي من تجربتهم كأبناء، وهي المرة الوحيدة التي يختبرون فيها الحياة المنزلية بشكل مباشر.
هناك غياب واضح لكل من الشجاعة والمساحة اللازمة ليعول الرجال على خبرتهم باعتبارهم أبناء ولتصور كيفية تحولهم إلى آباء، وهذا يجعل الرجال منفصلين عن أي نقاش أبوي ومنشغلين بتخيل كيف ستبدو حياتهم مع أبنائهم لاحقًا؛ أو كيف سيختلف دورهم كآباء عن ما قام به آباؤهم.
في كتابها “الأطفال يستحقون ذلك”؛ تقول باربرا كولورسو: “الأدوات التي نحصل عليها أولًا كآباء، لا تخدم مصالحنا جيدًا، هذه الأدوات يتم منحها لنا في كثير من الأحيان بدون قصد أو رغبة في الأذى؛ من آباءنا وأجدادنا وأشقائنا والأسرة الممتدة؛ والمجتمع كذلك”.
أطروحة كلوروسو تقول أننا إن لم نفهم معتقداتنا غير الواعية عن الأبوة والانضباط والطفولة؛ فمن المرجح أن نقع في نفس الأخطاء والممارسات القديمة غير المرغوب فيها.
كرّس دان سيجيل؛ طبيب نفسي تحليلي ورائد في دراسة بيولوجيا الأعصاب الشخصية؛ معظم أبحاثه لفهم كيفية انتقال سلوكيات الأبوة من جيل لآخر، وتشير النتائج إلى أن هناك عمليتين رئيسيتين هما السبب في حدوث تغيرات حقيقية في عملية التربية.
أولًا: نحن بحاجة لنعرف تاريخنا الخاص كأطفال، ثانيًا: نحن بحاجة لنفهم بشكل واضح تأثير تلك التجربة في قدرتنا على التواصل مع الآخرين؛ ففي الواقع، تطورّ هذا السرد المتماسك لطفولتنا يحدد قدرتنا على تغيير طبيعة علاقتنا مع أطفالنا.
عمليًا؛ هذا يعني أن الآباء بحاجة لفهم ما كانوا عليه وهم أبناء وتأثير تلك التجربة على علاقاتهم كبالغين، فلا يكفي أن تقول “لن أصبح مثل والدي” دون أن تدرك الطرق التي اكتسبتها بالفعل.
ما ينطبق على الآباء ينطبق على الأمهات أيضًا، بالرغم من التكيّف الاجتماعي فيما يتعلق بالمرأة والأمومة؛ فمن المحتمل أن هذا الانعكاس يحدث على مستوى أكثر وعيًا لكثير من النساء.
بالنسبة للرجال؛ فليس هناك أي تلميحات اجتماعية تدفعهم للتفكير في أبوتهم الوشيكة؛ أو في علاقتهم مع آباءهم.
من الممكن تعزيز هذا الخطاب عندما يستعد الرجال لأن يصبحوا آباء أثناء رحلة حمل زوجاتهم؛ فاستحمام الطفل مثلًا، يُعتبر دائمًا من مسؤولية المرأة، وبينما تحصل الأم الحامل على أمطار من الهدايا لإعدادها للحياة الأسريّة، فالأب يصبح غير مرئيًا تمامًا في هذا الأمر؛
لذا، فهل من المستغرب أن يشعر العالم الأسريّ بغرابة تجاه بعض الرجال.
أظهرت بعض الدراسات العلمية أن الأبوة تتسبب في تدهور هرمون التستوستيرون بين الرجال، ومن الناحية الفسيولوجية؛ فالعديد من الآباء لا يعودون مرتبطين بالرجولة التي كانوا يعرفونها قبل أن يصبحوا آباء، وإذا تصادف ذلك مع خطاب تربية أبوية تسكنه أفكار الإنجاز الوظيفي، الصلابة، والاعتماد على الذات؛ يتحول هذا إلى وصفة للاغتراب، وهي هوية منزلية مناسبة جدًا للرجال إلا أنها تبقى محرمة اجتماعية، كل هذا بالرغم من أن المنزل هو حيث يعيش أبناء الآباء.
يمثل الأمر أهمية كبيرة؛ فالعنف والإهمال يكمنان بهدوء تحت سطح المناقشة حول الأبوة، ففي معظم الأحيان يتعرض الأطفال لاعتداءات جنسية أو الموت أو مشاهدة موت الأم على أيدي آباءهم أو أزواج أمهاتهم، حوالي 30% من الأطفال في أستراليا يفقدون التواصل مع أحد الوالدين عقب الانفصال؛ وفي أغلب الحالات يكون الأب.
ولذلك؛ تتحمل الأمهات أعباءًا إضافية نتيجة وضع الرجل الاجتماعي وابتعاده عن مسؤولية الأسرة.
ما زال الآباء منعزلين عن العالم الأسريّ؛ حتى أنهم ليسوا مسؤولين عن فشلهم، وسواءًا في الخلفية الصامتة أو المقدمة الصاخبة؛ فالمرأة دائمًا هي المُلامة على فشل الأبوة، فهي منفّرة ومتسلطة ومتطلبة ماليًا وقلقة وفضولية.
هذه الصفات الكاذبة عن الأمهات لا تسهم فقط في شيطنة الأمهات؛ لكنها تقلل من قيمة الآباء وتصوِّر الأمر كأنه من المستحيل القيام بدور الأبوة في مواجهة سيطرة الأم.
الأخطر من ذلك؛ أنه يخفي وراءه نظامًا يحدد للرجال أدوارًا معينة تفصلهم عن حياة الأطفال في اللحظة التي يغادرون فيها مرحلة الطفولة.
غالبا ما يتم تشجيع الرجال الذين ينتقلون إلى مرحلة الأبوة؛ بأن يثقوا في غريزتهم ويشمّروا عن سواعدهم ولا يفكروا كثيرًا، لكنهم حقًا يحتاجون للعودة للوراء والنظر إلى تاريخهم، وإلقاء نظرة أوسع على المؤسسات والطقوس التي كانت تتخذ مكانها في منازلهم وفي تطورهم من دور الابن لدور الأب.
المصدر: الجارديان