ذاع صيت سيد الخواتم والهوبت في السنوات الأخيرة، وبالرغم من ذلك فالقليل هم من يعرفون كتاب السيلماريليون والأقل هم من قاموا بقراءته بالكامل، وهذا الكتاب يعد العمل الأهم لتولكين وعالمه الحقيقي، بينما لا يشكل سيد الخواتم والهوبت إلا لمحات صغيرة من هذا العالم الساحر.
كان طموح تولكين منذ البداية أن يقوم ببناء ميثولوجيا كاملة تتدرج من الحكايات الكونية وقصص الخلق حتى تصل إلى القصص الصغيرة وحكايات الجنيات، وأن يقوم ببناء حكايات كاملة مستقلة وسط هذا العالم الخيالي، وقد بدأ تولكين في بناء عالمه بسنوات طويلة قبل كتابة سيد الخواتم أو حتى الهوبيت، وكان هناك ثلاث حكايات هي الأقرب لقلبه وهم حكاية بيرن ولوثيان وسقوط جوندولين وأبناء هورين.
في هذا الكتاب يحكي تولكين نشأة عالمه الفانتازي وخلق الأرض الوسطى التي تكتشف أنها جزء من العالم الأكبر الذي هو Eäوالكوكب الذي هو Arda، وفيه تقع العديد من القارات مثل الأرض الوسطى التي تدور فيها أحداث سيد الخواتم والهوبت، وAman التي هي أرض الفالار، وهناك الأرض المظلمة وجزيرة نومينور وغيرها من الأراضي والجزر والقارات. فالكتاب يعطي ملامح تفصيلية عن الأرض الوسطى في عصور سبقت سيد الخواتم بآلاف السنوات، ويرينا ممالك الإيلف التي سقطت في العصر الأول أمام مورجوث مثل دورياث و جوندولين و نارجثروند، وهي التي ذكرها جيملي بعد ذلك في قصيدة في سيد الخواتم بعد سقوطها بآلاف السنين وهو يقف في مناجم موريا قائلا:
The world was fair, the mountains tall,
In Elder Days before the fall
Of mighty kings in Nargothrond
And Gondolin, who now beyond
The Western Seas have passed away.
لقد كان العالم جميلاً والجبال شاهقة
في الأيام القديمة قبل سقوط
الملوك الجبابرة في نارجثروند وجوندولين
الذين عبروا الآن إلى ما وراء البحار الغربية.
فالسيلماريليون يرصد تاريخ العالم منذ بدء الخليقة حتى نهاية العصر الثالث الذي هو نهاية سيد الخواتم أيضًا، وهناك مئات الشخصيات من الإيلف والدوارف والبشر والاينور والفالار والمايار في أحداث ضخمة ومتشعبة. فقد استطاع تولكين خلق عالم كامل بكل تفاصيله وأجناسه وثقافاته ودياناته بشكل مقنع، فتشعر أنه تاريخ عالم حقيقي وليس مجرد حكاية خيالية يرويها راوي، ولعلنا لا نعجب إن عرفنا أن هذا العالم بدأ تولكين في الكتابة عنه في سنوات شبابه قبل البدء في الهوبت بسنوات عديدة، واستمر في كتاباته حتى موته، وقد بدأ تولكين في كتابة هذه القصة في صورة شعرية في البداية ككثير من قصصه، وأخذت مع الوقت تكبر وتتشعب وتتعقد، وبذل ابنه كريستوفر تولكين مجهودًا كبيرًا في جمع الحكايات من بين أوراق والده ومسوداته وملاحظاته، والحقيقة أن ما فعله مجهود يستحق الإعجاب فقد أخرج في النهاية عملاً مكتملاً من البداية للنهاية، وقام بنشره في كتاب واحد بعد موت تولكين بأربعة أعوام، فتولكين قضى عمره وأفناه في هذا العمل الفانتازي المذهل الذي ألهم العديد من كتاب الفانتازيا من بعده.
تتكون السيلماريليون من خمسة أجزاء تمت كتابتها في البداية باعتبارها خمسة أعمال منفصلة، ولكن كريستوفر جمعها سويا في هذا الكتاب وهي:
- The Music of the Ainur موسيقى الإينور
وهي تصف خلق الكون وانبثاقه من عقل إرو إلوفاتار وانبثاق الإينور، وتصف ميلكور الذي سيكون العدو الأساسي خلال الصراع في العصر الأول.
- Account of the Valar تقرير عن الفالار
يصف الفالار والمايار وأيضًا يتحدث عن ميلكور، ويسرد تفاصيل إغوائه للعديد من المايار ومنهم ساورون الذي يعرفه بالطبع كل من قرأ سيد الخواتم.
- The History of the Silmarils تاريخ أحجار السيلماريل
وهو يشكل الجزء الأكبر من الكتاب وتقع أحداثه في العصر الأول، ويتحدث عن تشكيل الأراضي والقارات والصراع مع ميلكور أو كما سيصبح اسمه بعد ذلك مورجوث، وبدء ظهور الإيلف والدوارف والبشر وعن خلقهم وعن صناعة مجوهرات السيلماريل والصراع عليها بعد ذلك.
- The Downfallen الطوفان وغرق نومينور
وهو أحداث العصر الثاني، ويتحدث عن مملكة جزيرة نومينور وسكانها الدونيداين “الذي سيكون منهم أراجون بعد ذلك” وقصة صعودهم وانهيارهم ومواجهتهم للعدو ساورون الذي يمثل العدو الأساسي خلال العصر الثاني.
- عن خواتم القوة والعصر الثالث
وهذا الجزء كما يبدو من عنوانه تدور أحداثه في العصر الثالث حتى نهايته، ويتحدث عن بدء تشكيل الخواتم والحروب التي جرت بعد ذلك، ويمثل الأحداث التي سبقت الهوبت وسيد الخواتم، ولكنه يشمل كذلك سردًا واختصارًا لما حدث في الهوبت وسيد الخواتم، وبانتهاء هذا الجزء تنتهي حكاية الإيلدار على الأرض الوسطى وتمثل بدء عصر جديد وهو عصر البشر.
ولكن هناك عدة ملاحظات يجب أن يضعها القارئ في اعتباره قبل قراءة الكتاب؛ فهذا الكتاب لا يعد رواية بل هو سردي بشكل كبير، والبعض يرى أن الكتابة جافة وأن الكاتب لا يهتم بمشاعر شخصياته مثل الكتابين الآخرين سيد الخواتم والهوبت، ولكن هذا يرجع لكون تولكين لا يكتب رواية بل هو يسرد تاريخ عالمه الخيالي الذي صنعه، ولو لم ينتهج هذا الأسلوب لاحتاج إلى ملايين الصفحات لسرد كل هذه الأحداث بالتفصيل، بل يشعر القارئ عند الانتهاء من قراءته أن الهوبت وسيد الخواتم تشكل لمحات صغيرة من عالمه.
الأسماء متشابهة جدًا، وقد يقع التباس عند القارئ بين الشخصيات، كما أن لكل مكان ولكل شخص ولكل شيء عدة أسماء، وهذا يرجع إلى أن تولكين قد ابتكر عدة لغات خيالية لعالمه، لذا يحتاج القارئ إلى أن ينتبه للأسماء ويمكنه الاستعانة بدليل للأسماء والأماكن لكيلا يفقد تركيزه، وخاصة في منتصف الكتاب عندما تكثر الشخصيات بشكل كبير.
ولمن يرغب في قراءة السيلماريليون فهناك ترجمة متميزة باللغة العربية للمترجم أسامة أبو ترابة حرص فيها المترجم على الإشارة إلى أغلب الأسماء والأعراق والأجناس، وقام بتبسيط بعض الأسماء والأماكن وشرحها في هوامش الكتاب، يمكن تحميل النسخة مترجمة.
وبالنهاية فإن السيلماريليون هو عمل ضخم يستحق القراءة بشكل عام ولعشاق الفانتازيا بشكل خاص، فهو سيشكل لهم رحلة لن ينسوها في عالم الأرض الوسطى وفي عقل تولكين.