لأول مرة في تاريخ قناة السويس تعلن هيئة القناة عن إيراداتها بالجنيه المصري عن شهر آذار /مارس الماضي بعدما كانت تعلنها بالدولار، حيث بلغت إيرادات القناة بحسب ما أعلنته الهيئة في الأمس نحو 3.477 مليارات جنيه بزيادة بلغت 9.5% عن الشهر الذي سبقه والبالغة 3.108 مليارات جنيه. ولأول مرة كذلك في تاريخ القناة لا تعلن الهيئة رسوم المرور الجديدة لعام 2016 على الرغم من مضي خمسة أشهر في السنة، إذ تلتزم هيئة القناة في يناير/ كانون الثاني من كل عام بإعلام شركات النقل البحري التي تمر عبر القناة برسوم المرور الجديدة ليتم تطبيقها في الأول من مايو /أيار من كل عام.
الرئيس السيسي ذكر في مناسبة سابقة أن إيرادات قناة السويس زادت عن السابق ونفى الشائعات الصادرة عن انخفاض الإيرادات، بدون ذكر مقدار الزيادة ونسبتها.
وتكتسب إيرادات القناة أهمية بالغة عند الحكومة والشعب على حد سواء بعد افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس في أغسطس /آب الماضي والتي توقعت هيئة السويس أن تساهم في رفع إيرادات القناة إلى 13.2 مليار دولار سنويًا بحلول 2023 والتي جُمع لتمويلها 64 مليار جنيه من المصريين من خلال شهادات استثمار بفائدة سنوية قدرها 12%.
الجدير بالذكر أن الهيئة أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي أن إيرادات القناة انخفضت في العام الماضي 2015 بمقدار 290 مليون دولار عن العام الذي سبقه 2014 إذ بلغت الإيرادات في عام 2015 نحو 5.175 مليار دولار في حين سجلت في العام 2014 5.467 مليار دولار.
الحقيقة المغيبة !
البنك المركزي المصري عمد في الأشهر الماضية إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري ورفع سعر الصرف مقابل الدولار إلى 8.85 جنيه لكل دولار بعدما كان يساوي 7.73 جنيه لكل دولار. وما قامت به الهيئة هو تحويل الإيرادات من الدولار إلى الجنيه وإعلانها على الملأ لتقول إن إيرادات القناة ارتفعت بنسبة 9.5% فما سبب احتسابها بالجنيه وليس بالدولار!
احتساب الإيرادات بسعر الصرف الجديد فيه نوع من التضليل! فمن الطبيعي أن يظهر هناك ارتفاع في الإيرادات لو تم احتسابها بالجنيه، بسبب رفع سعر الصرف. والفائدة المتحصلة من هذه الطريقة لا شيء فالقناة تأخذ الرسوم بالدولار وتحولها للحكومة التي تحتاج إليه لتمويل شراء السلع والخدمات من الخارج وإعطاء المستوردين حاجتهم من الدولار والتحكم بسعر الصرف في الأسواق المحلية وأمور أخرى.
والحقيقة هي أن الهيئة تعمدت عدم إظهار الحسابات بالدولار وتحويلها إلى الجنيه لكون الإيرادات منخفضة عن نفس الشهر في السنة السابقة، فلو تم احتساب الإيرادات بالدولار ستعادل 392.8 مليون دولار حسب سعر الصرف الرسمي للجنيه البالغ 8.85 جنيه بينما بلغت الإيرادات في نفس الفترة في السنة الماضية 420.1 مليون دولار أي بانخفاض قدره 27.3 مليون دولار وبنسبة 6.9%. وهذا ليس من صالح القيادة السياسية في القاهرة التي وعدت الشعب أن القناة ستدر أرباحًا أكثر بعد افتتاح التفريعة الجديدة.
حتى الآن النتائج مخيبة للآمال ومن غير المجدي إبراز الأرقام الحقيقية بالدولار كما جرت العادة، فتعمدت الهيئة تحويل الإيرادات إلى الجنيه لتظهر الزيادة بشكل دراماتيكي بسبب تخفيض قيمة الجنيه.
والظاهر من هذه الحركة أن هناك ارتباك في الحكومة من نشر الأرقام الحقيقية للإيرادات المتأتية من القناة بسبب التراجع الواضح خلال الأشهر الماضية، مع إصرار نفي الرئيس السيسي لذلك. خصوصًا بعدما أظهرت إحصائيات الملاحة في الفترة من أغسطس/ آب 2015 وحتى فبراير /شباط 2016 تراجعًا في الإيرادات لتبلغ نحو 3.1 مليار دولار مقابل 3.167 مليار خلال الفترة نفسها من العام السابق.
كما بلغ عدد السفن التي عبرت القناة في شهر مارس/ آذار 1454 سفينة مقابل 1437 سفينة خلال الشهر نفسه من العام الماضي، كما تراجعت حمولة السفن المارة من القناة بنسبة 2.5% على أساس سنوي حث وصلت إلى 80.4 مليون طن مقابل 82.5 مليون طن في مارس آذار من العام الماضي 2015.
أما بخصوص الشق الثاني من تغييب الحقيقة وهي تخفيض الرسوم وعدم إعلان هيئة القناة لرسوم العبور حتى الآن، إلا أن مصادر عديدة من الشركات العالمية أشارت أن الهيئة خفضت قيمة الرسوم بمعدل 30% بعد مطالبات دولية لها بتخفيض الرسوم بنسبة 50% وإلا ستتخذ السفن طرقًا بحرية آخرى، وهذه إشارة أخرى لانخفاض إيرادات القناة.
الجنيه بدلًا من الدولار
هيئة قناة السويس تستلم رسومها بالدولار بحكم البروتوكول التجاري المتعارف عليه بين الدول، ويطرح تساؤل دائمًا حول مدى إمكانية إدارة القناة عن جمع الرسوم المستحقة على عبور السفن بالجنيه المصري بدلًا من الدولار! من الناحية النظرية سيسهم هذا في حل العديد من المشاكل التي يعاني الاقتصاد المصري أهمها استقرار سعر الصرف وتعزيز الجنيه كعملة مقبولة عالميًا.
تعود إستحالة تطبيق هذا الخيار لأسباب عديدة أهمها أن الجنيه المصري غير مدرج ضمن الخمس عملات المعتمدة دوليًا كالدولار، واليورو، والين، والجنيه الاسترليني والمدرجة في حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي المؤسس عام 1945على هامش اتفاقية بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية. يقوم الصندوق بتعديل أوزان العملات في سلة حقوق السحب الخاصة كل خمس سنوات استنادًا إلى قيمة صادرات السلع والخدمات ومقدار الاحتياطيات المقومة بالعملات التي توجد في حيازة أعضاء آخرين في الصندوق، وهذه البنود كافية لمعرفة وضع الجنيه المصري بين العملات العالمية فضآلة نصيب مصر من التجارة العالمية وتهاوي قيمته وتراجع معدل النمو تجعل من الأمر شبه مستحيل في ظل هذه الظروف لتحويل إيرادات القناة من الدولار إلى الجنيه، ويبقى الطرح غير مقبول حتى يتحقق الاقتصاد المصري تلك الشروط وتحصل مصر على نسبة التصويت المطلوبة بين أعضاء صندوق النقد الدولي البالغ عددهم 193 بلدًا.