وكأن سيل الدماء البريئة أصبح واقع حال, لتضيفَ نهراً ثالثا للعراق, لا ليرويَ أرضا ولا لينبتَ زرعاً, إنما ليِشُبعَ غريزة الإجرام والقتل من قبل ميليشياتٍ متنفذة, في محاولةٍ منها لتنفيذ أجندتها من خلال تفريغ الأرض من ساكنيها, وتغييرِ ديمغرافيتها بطريقةٍ لاتقل بشاعة عمّا يفعله الكيان الصهيوني.
مناطقُ شمال بابل التي تضم ناحيتَي جرف الصخر والإسكندرية وتشمل مناطق الحصوة ومويلحه, والتي تقطنها عشائر ( الجنابيين, والجبور, وكُرطان, وطيّ ), يبلغ عدد ساكنيها أكثر من مئة ألف نسمة, 90% منهم من المكون السنّي.
امتازت هذه المناطق بوفرة بساتينها وزراعتها لمختلف المحاصيل الزراعية, وبحيرات الأسماك, وتربية النحل, وكان لهذه المناطق دور كبير في مقاومة الاحتلال الأمريكي, لتتعرضَ تلك المناطق الى أبشع الممارسات منذ العام 2003 لغاية اليوم.
اليوم تفتعل الميليشيات الأزمات, من خلال قيامها بأعمال تفجيرٍ داخل تلك المناطق, ليكونَ لها مسوّغٌ تُكمل من خلاله مشروعَها الذي بدأته عبر ممارستها الاعتقالَ والإخفاءَ القسريَّ والاغتيالَ المنظّم.
شهود عيان أكدوا أنّ ميليشيا حزبِ الله أختطفت أكثرَ من 200 شخص بعد تفجيرات الملعب بمنطقة الحصوة, بالإضافة إلى خطف مايقرب من 1000 شخص قبل سنة تقريبا, لم يُعرف مصيرهم الى الآن.
الشهود الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم خوفاً من التصفية الجسدية أضافوا أنّ الميليشيات قامت بمهاجمة مناطق الإسكندرية وأبو شمسي واعتدت على النساء بالضرب والشتمِ واغتصاب فتاتين, بعد أن قتلوا 5 أشخاص واعتقلوا 18 آخرين, كما قامت الميليشيات ذاتها بتفجير عبوتين ناسفتين في أثناء تشييع أحد القتلى, يوم الخامس من مايو 2016 موقعةً 27 شخصاً بين قتيل وجريح كلّهم من عشيرة الجبور.
حملةُ تطهير عرقي يتعرض لها المكوّن السنّي في مناطق شمال محافظة بابل, من خطفٍ وقتلٍ وابتزازٍ تقوم بها الميليشيات تحت أنظارِ القوات الأمنية ومسمعِها لفرْض سطوتِها على الجميع بقوة السلاح, بحسب بيان لتحالف القوى العراقية.
ودعا التحالف الأجهزة الأمنية في المحافظة إلى تحمّل مسؤوليتها القانونية والوطنية في حماية المدنيين وفرْضِ القانون, مبيناً أنّ ما تقوم به تلك الميليشياتُ قد يؤدي إلى فتنةٍ طائفيةٍ تمزق نسيج المجتمع العراقي.
التحالف ناشدَ المرجعياتِ الدينيةَ التي أسّستْ تلك المجاميعَ بالتدخل من خلال إصدارِ فتوىً تُوجب حماية المدنيين السنّة الذين يتعرضون للقهر والظلم بعد عجْزِ القواتِ الأمنية عن كبح جماحها, محمّلين العبادي مسؤوليةَ ما يحصل بحقِّ المكوّنِ السنّي في المحافظة, وعدمِ اتخاذِ إجراءاتٍ رادعة لحمايتهم.
تطهير عرقيّ وجرائمُ طائفية أخذت في سيلها الجارف الآلاف من أبناء تلك المناطق, ولم يجدوا إلى اليوم موقفاً إيجايباً واحداً لردع هذا التسونامي الإجراميّ, ودموعُ الأيتام والأرامل لسانُ حالها يقول: أوَ تُرتجى الرحمةُ من عدوٍّ غاشمٍ لا يخشى الله؟!