ترجمة حفصة جودة
المقال جزء من كتاب “The Path: a New Way to Think About Everything ” لكاتبيه: مايكل بويت و كريستين جروس
لقد سمعنا جميعًا عن أهمية النظر بداخلنا؛ واكتشاف ذواتنا وأن نثق فيما نراه، فما الذي يمكن أن يكون خطأ في ذلك؟
في الحقيقة، قال الفلاسفة الصينيون منذ 2000 عام إن إصرارنا على اكتشاف ذواتنا قد يقودنا إلى ضلال وتصنّع خطيريّن.
بالنظر إلى الذات بطريقتهم؛ فليس هناك ذات حقيقية أو ذات نستطيع اكتشافها بمجرد النظر في دواخلنا، هذه الذات ليست أكثر من مجرد لقطة عن أنفسنا في تلك اللحظة المعينة، نحن أشخاص فوضويون ومتعددو الأوجه؛ ونصطدم في حياتنا بأشخاص آخرين فوضوين ومتعددي الأوجه، أما ذواتنا فإنها تتطور كل لحظة من خلال التحول المستمر نتيجة التفاعل مع الآخرين.
فلاسفة مثل كونفشيوس يعتمدون طريقة “كما لو” (as if) في حياتهم (مثلًا؛ إذا تعاملت كما لو كنت سعيدًا فسوف تصبح سعيدًا)، هذه الطريقة مغايرة تمامًا لمنهجنا الأصيل والصادق مع أنفسنا، لكن الانخراط فيها كما يقول الفلاسفة؛ تجعلنا نتطور إلى بشرٍ أفضل.
كيف يعمل هذا الأمر؟ تخيل أنك تلعب “الغميضة” مع طفل ما، عندما تلعب كشخص بالغ مرتبك لا يمكنه الاختباء جيدًا؛ فكلاكما يعلم أنك تتظاهر فقط، لكن اتباع تلك الأدوار يعني أنكما كسرتما الأنماط المعتادة، فانتصار الطفل يمنحه خبرة التفوق على البالغين؛ ويعلّمه أن البالغين ليسوا معصومين عن الخطأ ويمكن للأطفال أن يتفوقوا عليهم.
نحن ننسلخ من ذواتنا عندما نلاحظ أننا سقطنا في أنماط غير جيدة؛ ونعمل بنشاط لتغييرها، “كما لو” أننا أشخاص مختلفين في تلك اللحظة، هذه الفرص تنتشر حولنا في كل مكان؛ عندما نحيي أحدهم بمرح رغم شعورنا بالكآبة في تلك اللحظة، وعندما نرد بهدوء على شخص غاضب؛ رغم أن ما نشعر به حقًا هو الغضب، في كل تلك الحالات؛ نقوم بإدخال واقع بديل ونعتمد على جوانب مختلفة في ذواتنا، وفي كل مرة نقوم فيها بذلك؛ فإننا نتغير قليلًا.
عدم الصدق مع أنفسنا يساعدنا على كسر الأنماط السيئة؛ فكونفشيوس يرى أنه يجب أن “نتغلب على ذواتنا (فهو يرى أن هناك مخاطر كبيرة للانغماس في الذات؛ وبالتأكيد كان سيُصاب بالذهول من اختبار “مايرز-بريغز” لتصنيف الشخصيات البشرية) وتدعو طقوسه إلى تحرير الناس من أنواع ومفاهيم “الذات الحقيقية”.
لكن إذا لم يكن لديك ذاتًا حقيقية وكنت تتغير باستمرار، فقد تتساءل كيف يمكنك أن تقرر ما هو الأفضل لك؟ مرة أخرى؛ مفهوم الحياة بالانسلاخ من ذاتك قد يساعدك، تخيل معي مثالًا لطالب نعرفه: كان بارعًا في الرياضيات والعلوم أثناء دراسته الثانوية؛ لذا عند دراسته في الجامعة تصور أن يكمل بنفس الطريق، وخطط لدراسة الاقتصاد، وكان مهتمًا بدراسة اللغة الصينية لكنه توقف بعد فترة؛ لأن تعلم لغة أجنبية لم يبدو أمرًا مهمًا بالنسبة له.
بعد أن تعرّف على الفلسفة الصينية؛ أدرك أنه لم يكن بحاجة للاقتصار على نقاط قوته وميوله أو أن يتمسك بالخطة التي وضعها لنفسه مسبقًا، لذا فقد عاد لتعلّم اللغة الصينية؛ وحصل على دبلوم في الدراسات الآسيوية، ويعمل كدبلوماسي الآن؛ إذن، عندما انسلخ من رؤيته لذاته؛ وجد حياة واسعة وغير متوقعة.
قد تشعر بالتحرر إذا اقتنعت أن ذاتك والعالم ليسا مستقرين ولا كاملين، وهذا يمنحنا فرصة أكبر لتبديل الأشياء إلى مستويات متناهية الصغر باستمرار، فنحن نغير الأمور إلى أشياء صغيرة على المستوى اليومي، وإذا نجحنا في ذلك؛ ففي نهاية المطاف سوف نقوم ببناء مجتمع عظيم من حولنا؛ حيث نزدهر فيه نحن وغيرنا من الناس.
المصدر: الجارديان